ما زالت عصامية الفنانة الشعيبيّة، التي رحلت قبل أعوام، قادرة على تحفيز تشكيليّين آخرين في الإبداع والخروج إلى العلن عرضا لتجاربهم المختلفة.. والنموذج يتجلّى هنا في التشكيليَّة كنزة المكداسني التي تعيش عقدها السابع وتواظب على التنقل ما بين المغرب وهولندا بمعيّة لوحاتها. كنزة فنانة مغربية عشقت الفرشاة و الألوان واتخذت فضاءات البيت مراسم لها منذ نعومة أظافرها، غير أن نشأتها في وسط محافظ، يؤمن بأن المرأة خلقت لتكون زوجة وأمّا ولا شيء دونهما، منعت موهبتها من الخروج للعلن.. إنّها تشكيليّة انتظرت ما يزيد عن 6 عقود لتحترف الفنّ، كاسرة بهذا جدران بيت الزوجية الذي دخلته في سن مبكرة على غرار قريناتها. الفنانة المكداسني تستقر ما بين الدّار البيضاء وأوترِيخت، وتقول لهسبريس عن بداية عشقها للرسم: "إنّ فنّي بقي في دواخلي وفي عقلي يتخبط دون أن أتمكن من إخراجه، إذ جاء عليّ الزواج بالهجرة والأولاد، ورغم ذلك بقيت أمارس هوايتي حتى جاء اليوم الذي رأت فيه جارة لي لوحاتي.. لقد عبّرت عن إعجابها بما أرسم وأصرّت على ضرورة كشف ذلك للعموم". وكانت لوحات كنزة تظل حبيسة البيت، تماما مثلها، وما كانت تخرج من بين الجدران إلاّ لكي ترافقها، كهدايا، صوب الأصدقاء والاقارب المحتفين بمناسباتهم المختلفة.. إلاّ أن هذا الواقع تغيّر بمجرّد حسم ذات التشكيلية ربط الاتصال بخبير في المجال عمل على تقييم اللوحات فنيَّا، مبديا إعجابه بالمنتوج الإبداعيّ، ومنظّما للمكداسني أوّل معرض لها وسط الديار الهولنديّة. "عند تنظيمي ثاني معارضي اتصلت بي وزارة الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وقد نظّمت لي معرضا بالعاصمة الفرنسية باريس على هامش احتفالية باليوم العالمي للمرأة.. حينها التقيت بالأديب السلاوي وأخرين عرضوا عليّ نقل لوحاتي بالمغرب من أجل العرض" تقول كنزة قبل أن تزيد: "أنا من عشاق الفنانة الشعيبية، و كنت أتابع كل البرامج التي أنجزت حول حياتها لأنّي معجبة بها لدرجة كبيرة..وعند عودتي للمغرب، بعد وفاتها، سألت عن مسكنها كي أرى إبنها.. علمت أن له معرضا قصدته حاملة بعضا من لوحاتي". وتقر ذات التشكيلية بأنّ ابن الفنانة الشعيبيّة طلال قد شجّعها فنيا حين أبدى الإعجاب بلوحاتها إلى حدّ تنظيم معرض لها بداخل رواق "ألف باء"، وهو الفضاء الذي لم يسبق له أن استقبل لوجات غير تلك التي تخصّ التشكيلية الراحلة، "استقدمت وقتها 60 لوحة من هولندا، وبسبب ذلك المعرض بدأ ارتباطي الفني بالمغرب، حيث عرضت ما أرسم بكل من الرباط و الدارالبيضاء، إلى جوار مدن أخرى، و لي رواق خاص بجوار شاطئ سيدي رحال سميته: عَين القلب" تورد نفس المتحدّثة لهسبريس. كنزة المكدانسي تعتبر مسيرتها الفنية الحالية نوعا من معالجة الحرمان الإبداعي في الصغر، نافية أن يكون المردود المالي أو السعي نحو الأمجاد دوافع لهذا الانصهار في التشكيل.. وتقول: "أحب الرسم منذ الصغر وأريد أن أحقق ذاتي من خلال ممارسة هذا الفنّ.. أنا سعيدة جدّا بما أقوم به". كنزة تتوفر أيضا على ابنة منخرطة في الإبداع التشكيلي، وتورد عنها: "إنّها البويغرومي سناء، تبلغ من العمر 39 سنة، وقد كانت تراقبني منذ نعومة أظافرها أثناء مزاولتي هوايتي وسط المنزل.. لقد بدأت ترسم هي أيضا بجواري، والآن أصبحت أكثر شهرة منّي هنا في هولندا.. وأتمنى لها التوفيق و أن تستمر في مشوارها و تألقها.. أعلّمها بعض الأشياء، لكنّها تتوفر على طريقتها في الرسم، تماما كما لي طريقتي، و ذلك لا يعني أنها لم تتعلم مني". وتدعو نفس التشكيليّة، في رسالة من ها لجميع الأباء و الأمهات عبر هسبريس، أن يساعد الأهالي أبناءهم في صقل مواهبهم و تطويرها، و ألاّ يقفوا حجر عثرة في طريقهم، وتزيد: "على الرجال ان يتركوا النساء يتعلمن حِرفا ومِهنا، لا أن يحبسوهن خلف الجدران". جدير بالذكر أن كنزة المكدانسي تتوفر على مؤلف لسيرتها الذاتية، أنجزة عبد الله بن الشيخ باعتباره متابعا لمسيرتها، تتحدث فيه عن مسارها الذي خنقه وسطها الأسري المحافظ خلال فترة الطفولة.. كما أن نفس الفنانة تستعدّ لمعرض بالدّار البيضاء، تقيمه خلال فبراير المقبل، وآخر بالرباط، وثالثا بتنسيق مع المصالح القنصلية المغربية بهولندا.