محمد البسطاوي، واحد من الممثلين المغاربة المتميزين خلال السنوات الأخيرة، أدواره في أعمال سينمائية وتلفزيونية جعلته واحداً من أكثر الفنانين المغاربة شعبية، استطاع أن يقنع في مجموعة من الشخصيات التي تقمصها كأدواره في مسلسلات "وجع التراب" "دواير الزمان" "أولاد الناس"، وفي أعمال سينمائية "طيف نزار" "في انتظار بازوليني" "أيادي خشنة". تحصّل على عدة جوائز وطنية وعربية جعلت منه أيقونة سينمائية مغربية تقدم الإضافة ولا تتوقف عند مجرد شخصية ما. ابن مدينة خريبكة الذي قضى السنوات الطوال فوق الركح المسرحي حيث اختمر عوده الفني، والرجل صاحب الستين سنة المصمم على المزيد من العطاء، يتحدث في هذا الحوار الحصري لهسبريس، عن نظرته للسينما المغربية، وعن بعض إشكالات الفن السابع بالمغرب ومن بينها غياب المنتجين الخواص، مبدياً رأيه كذلك فيما يُعرف بالجرأة السينمائية وفي التجاذبات السياسية بين الأحزاب المغربية. مرحبا بالأستاذ محمد البسطاوي، سعداء بالتواجد معك في ملتقى آسا للمسرح الاحترافي بالصحراء، بداية كيف تقيّم وضعية السينما المغربية في الآونة الأخيرة؟ أهلا بكم، الأفلام المغربية تعرف منذ سنوات اهتماماً عربياً وحتى أجنبياً، بحكم مشاركتها المتميزة في مهرجانات دولية حازت من خلالها على جوائز مهمة، وبالتالي يمكن الحديث عن سينما بدأت تشق طريقها في المغرب. إلا أن إنتاج الدولة لوحدها للأفلام السينمائية وعدم دخول مستثمرين خواص، أمر يهدد هذا القطاع، فإذا ما أوقفت الدولة دعمها للإنتاج، وإذا لم نستقطب الخواص من أجل الإنتاج وإقناعهم بإمكانية الربح ماديا من خلال هذا القطاع، فلن نستمر أبدا في هذا الميدان. بخصوص جودة الأفلام، أكيد أنه ليست هناك جودة مئة في المئة، هناك أفلام متميزة، وهناك أفلام رديئة، هناك أفلام تحظى بإقبال وأخرى لا تحظى بذلك نظرا لتباين الأذواق وعدم وجود جمهور متجانس، فهناك جمهور يفضل الأفلام البسيطة الترفيهية وهناك من يحب الأفلام المركبة المتشعبة. كما أنني أرى أن الحديث عن سينما مغربية بالمعنى الحقيقي لم يحن بعد، كل ما أرى هو تعددية في الأفلام، والجميل أنه لم تعد هناك موضة لتناول نفس الموضوع من طرف كل المخرجين. إذن فأنت ترى أن القطاع السينمائي تطوّر كثيراً بالمغرب في الآونة الأخيرة؟ نعم، خطونا خطوات مهمة في الميدان السينمائي، وما دام هناك توجه من الدولة لدعم القطاع، فهناك نتائج إيجابية، لا يجب أن ننسى أنه في السابق، كان بعض المخرجين يقضون سنوات في السجن لعدم قدرتهم على أداء فواتير الإنتاج. طيب، أشرت إلى غياب المنتجين الخواص، في نظرك ما هي الأسباب؟ منذ البداية لم يتم استقطاب المنتجين المستقلين، وهو ما خلق نوعا من الضبابية. كانت هناك بعض المحاولات المحتشمة في الإنتاج الخاص، غير أن المنتج الذي يفهم آليات السينما ويعرف طريقة اشتغالها نادر في المغرب. لكن، كيف يمكن لمنتج ما أن يستثمر في قطاع محفوف بالمخاطر تتهدده القرصنة وإغلاق القاعات السينمائية؟ تضاءل القاعات السينمائية بالمغرب مشكل حقيقي، لكن هناك مركبات سينمائية في طور البناء، وتشييد قاعات رقمية موجود داخل مخططات النهوض بالسينما في المغرب. وصدقني أنه حتى مع قلة القاعات السينمائية، يمكن للمنتج أن يحقق ربحاً مادياً كبيراً، ما ينقص هو ضبط المجال ووضع قوانين تحمي الإبداع وكذلك الاعتماد على المهنيين وعلى المواضيع التي تمس المواطن المغربي. هل ترى أن الأفلام المغربية تعبر حقا عن هوية الشعب المغربي؟ أفضل الحديث عن الشخصية بدل الهوية، لأن الفن لا هوية له وكل واحد لديه وجهة نظر مختلفة، هناك من يرى أن السينما لا وطن لها، وهناك من يريد سينما مغربية بمواضيع من صميم المجتمع المغربي. أتمنى حقا أن تصير السينما المغربية يوماً ما مثل السينما الإيرانية التي تتوفر على شخصية واضحة المعالم، لكن لا يجب أن ننسى أننا نعاني من مشكل غياب السيناريو، وهو مشكل مطروح ولم نجد حلاً له منذ عقود. كثير من النقاد والمشاهدين يعتبرون الممثل هو عصب السينما، حيث يبقى هو والمخرج الأكثر عرضة للمحاكمة من طرف الجمهور وللإشادة والنقد وأحيانا حتى القدح، هل نتوفر فعلا على ممثل سينمائي بالمغرب؟ معاهد تكوين الممثلين السينمائيين غير موجودة بالمغرب، كل الممثلين المغاربة أتوا إما من المسرح أو من الشارع بدعوى بحث المخرج عن وجوه جديدة. الممثل هو أكثر من تتم محاكمته ومع ذلك فإن منفذي الإنتاج يجعلون منه الجزء الأقل أهمية في الإنتاج، وللأسف، هناك الكثير من منفذي الإنتاج المغاربة لا علاقة لهم بالسينما، فقد سمعوا أن هناك بعض الأرباح في هذا الميدان وقرروا الدخول إليه للربح الصرف. هل يتوفر الممثل المغربية على شخصية داخل بناء الفيلم؟ يعني هل بمقدور الممثل المغربي تشكيل الإضافة النوعية في فيلم ما؟ نعم هناك ممثلين لديهم تجربة ويمكن أن يقدموا الإضافة للفيلم ولا يقتصر دورهم فقط في أداء أدوار ما، بل يساعدون الممثلين الصاعدين ويبدون آرائهم في السيناريو ومنهم من يتعاون مع المخرج في بناء الفيلم. ولكن كذلك هناك ممثلين لا حول لهم ولا قوة، يشتغلون بشكل نمطي وقالبي، ولا يهمهم سوى أداء الدور المطلوب منهم، وعند الفشل يُحملون المسؤولية إلى المخرج. بالمقارنة معك، وأنت الذي لديك مسار طويل في المسرح أهلك لفرض ذاتك في السينما، هناك "نجوم" ظهروا وانطفأ بريقهم بسرعة، لدرجة أننا لم نعد نسمع بهم مؤخرا، أين هو الإشكال في هذا الجانب؟ المشكل يمكن في هدف الممثل من هذه المهنة، هل هدفه هو الظهور في السينما أو التلفزيون كي يلتقط الناس معه الصور، أم هو بناء دور قوي يدفع بالأفلام المغربية إلى الأمام؟ ما أراه هو أننا لا نتوفر في المغرب على صناعة نجوم، بل يمكن أن نتحدث عن حب الجمهور المغربي لبعض الممثلين، أما في الغرب حيث تظهر هذه الصناعة، فالممثل يستفيد من أجور خيالية وامتيازات كبيرة. وشخصيا أفضل أن أكون محبوباً على أن أكون نجماً. بانتقالنا إلى مسألة الجرأة السينمائية، ما هو مفهومها عند البسطاوي؟ الجرأة السينمائية بالمفهوم المتداول عندنا غباء سينمائي واحتقار لعقل المشاهد، هناك مخرجين يتعاملون بالخشيبات، هل من الضروري تصوير عملية جنسية بين ممثل وممثلة للدلالة على مشهد جنسي؟ يمكن إظهار رمز بسيط يؤشر لذلك كإطفاء النور مثلا. لكن هناك مخرجون يتحدثون عن مشاهد جنسية ضرورية في البناء الدرامي؟ المخرج يقول ذلك، لكن كذلك للممثل دور في الفيلم، يجب على الممثل أن يكون مقتنعاً بالدور الذي يريد وليس فقط تنفيذ إملاءات المخرج. إذا كان المشهد لا محيد عنه فيمكن تصويره، ولكن المشكل هو الحشو، يعني أن يكون مشهداً إضافياً وفقط. وحتى في الولاياتالمتحدة هناك توجه نحو التقليل من المشاهد الجنسية في الأفلام، توجد حاليا أفلام عالمية تَعرض لقصص حب جميلة دون الاستعانة بمثل هذه المَشاهد. ولكن دعنا نتفق على أن الجرأة الجنسية بالمفهوم المعروف عالمياً غير موجودة في الأفلام المغربية. لكن هناك أفلام ظهرت فيها مشاهد جنسية كماروك، وكازانيكرا؟ هناك من يرى أن مثل هذه المشاهد استفزازٌ للمُشاهد وهناك من يراها حرية من المخرج. الجميل في المغرب أن السينما لا تدخل إلى المنازل، المُشاهد يختار الفيلم الذي يريد الاستمتاع به داخل القاعة السينمائية ويشتري تذكرته لهذا الغرض. الأهم بالنسبة إليّ هو وجود أفلام مغربية من عدمها وليس الحديث عن سينما نظيفة أو أخرى وسخة. طيب، بعيداً عن الجرأة الجنسية، لماذا لا تتطرق الأفلام المغربية إلى المواضيع السياسية بنوع من الجرأة؟ كثير ممن يمارس السياسة في المغرب لا علاقة له بها ولا يفهم فيها أي شيء، فما بالك بمخرجين يجهلون هذا الميدان. قد يتطرق المخرج مثلاً لقصص اجتماعية يشير من خلالها لمواضيع سياسية، وليس عليه بالضرورة أن يتحدث عن السياسة بشكل صريح، ما دامت معالجة مشكل البطالة مثلا في فيلم تشير بطريقة أو بأخرى إلى إشكال في السياسات المتبعة. لكن الانفتاح الذي يعرفه المغرب على المستوى السياسي قد يعطي للمخرج الإمكانية لمعالجة المواضيع السياسية بشكل صريح؟ نعم وصل المغرب إلى مستوى من الانفتاح وهناك مكتسبات سياسية نفتخر بها في بلادنا، وعلى المخرجين أن يكونوا أكثر جرأة في اشتغالهم على المواضيع السياسية، فقد ولى زمن الحجر على الإبداع بمبررات معينة، وحان الوقت لأن تتطرق الأفلام المغربية إلى مواضيع تعكس التطور السياسي الذي يشهده المغرب، صحيح أن هناك أفلام حاولت الاشتغال على ثيمات سياسية، لكن ذلك كان بشكل سطحي دون غوص في العمق. عشتَ في مرحلة كان المغرب يعرف فيها فترة انغلاق سياسي، وقلت لي إنك كنت متعاطفاً مع المشروع اليساري التقدمي، لدرجة أنك كنت تخفي جريدة المحرر تحت سترتك عندما تشتريها خوفا من أن تعتقلك السلطات بسببها، هل وجدت يوما الدور الذي يعكس تجاربك الذاتية؟ لا أبداً، لم ألتقِ بعدُ بنص درامي يشبهني ويشبه سنواتي الستين، ولم أجد أبداً أي دور يعكس تجارب طفولتي وأيام سنوات الرصاص. لا يمكنني أن أتدخل في كتابة السيناريو فأنا أؤمن بالتخصص، وأنا أسعى أن أكون مشخصا وأن أبني مكانتي في هذا الجانب، وما يهمني أكثر هو أن ننتج أفلام تعكس تفاؤل المغاربة بالمستقبل علماً أنه لا مشكل لديّ في أداء أدوار تعكس حكاياتي الشخصية مع الحياة. أمور كثيرة ساهمت في تكوين شخصيتي، فقد مارست المسرح في ظروف صعبة، وتنقلت كثيراً بين ربوع المغرب، كوّنت نفسي ذاتياً ولم يكن عندي أبداًهم مادي، وتتبعت القضايا الكبرى للبلاد وكنت أجد نفسي جزءاً من مجتمع يتحرك، والدور الذي يمكن أن يجسد هذه التجربة البسيطة لم ألعبه بعد. ألا زلت يساريا إلى حد اللحظة؟ تشبعنا بالعمل السياسي في وقت كنا نعتقد أن الشيوعية حل لمشاكلنا، ومع مرور الوقت صرنا نكتشف حقيقة الأشياء وبأن الأمور ليست بنفس الجمال الذي كنا نتخيله، تعرفت على إيديولوجيات أخرى واستطعت الانسلاخ عن الحماس الزائد الذي كان يميزني في بداياتي. نعم أنا لا زلت تقدمياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان، لكن ليس بذلك الاندفاع السابق. علاقة بالعمل السياسي، ما رأيك في ما يقع حالياً من تجاذبات بين حزبي العدالة والتنمية والاستقلال؟ ما يهمني أكثر هو الاستقرار السياسي الذي ينعم به هذا البلد، ومن لا يعي هذه الحقيقة فنظرته للأمور لن تكون أبدا موضوعية. صراحة هذه التجاذبات تضحكني كثيراً وتؤكد أن أحزابنا لم ترقَ بعد للتطور السياسي الذي عرفته البلاد، هناك طرق راقية للحوار السياسي بدل هذا الصراع المضحك في البرلمان الذي حوّل هذه المؤسسة إلى ما يشبه السوق كما قال أحد البرلمانيين، بحيث لا يلزمها سوى بهائم وخيام كي تصير سوقاً حقيقياً. السياسة أخلاق وهذه الأنانية الفارغة تضرب في العمق العمل السياسي، والشعب يستحق سياسيين أكبر من مثل هذه السلوكيات، يستحق منتخبين يعكسون تطلعاته. بما أنك لا زلت تقدمياً، نختم هذا الحوار بمعرفة رأيك فيما يتعلق بموجة التكفير الذي تعرض له أعضاء من حزب الاتحاد الاشتراكي على يد شيخ سلفي. صراحة عجيب هذا الزمن، في الوقت الذي خطا فيه المغرب بشكل واضح في مجال حرية التعبير، تظهر مثل هذه الدعوات المتطرفة، وفي وقت كنا نعيش انغلاقاً سياسياً، لم نسمع أبدا بمغربي يكفر الآخرين. الأكيد أن الاجتهاد في الدين موكول لذوي الاختصاص وهناك مؤسسات في المغرب يمكن لها أن تفتي، لكن الرد على إنسان أبدى رأيه في مسألة دينية بتكفيره فهو أمر غير مقبول. ثم علينا أن لا ننسى أن حتى مدونة الأسرة الحالية عارضها الكثيرون في البداية بمبررات دينية قبل أن يوافقوا عليها ويتحولوا إلى الدفاع عنها، فما فيه مصلحة للمجتمع يمكن أن نخلق حوله نقاشا عميقا صحيا. وأعتقد أنه حان الوقت لكي نتفهم أن المعتقد خاص بالإنسان وأنه من حق كل مواطن أن يعتقد فيما يريد بعيدا عن الضغوط وعن التدخل في آراء الآخرين.