على هامش اجتماعات المجموعة المشتركة لمنطقة إفريقيا والشرق الأوسط التابعة لمجموعة العمل المالي، والتي تستضيفها المملكة المغربية خلال الفترة من 9 حتى 18 يناير الحالي بالرباط، بحث المدير العام للمكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بدولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية بالمملكة المغربية سبل تعزيز التعاون بين الجانبين، بما فيها توقيع مذكرة تفاهم بين المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والهيئة الوطنية للمعلومات المالية، تتضمن جوانب لتعزيز التنسيق في عدد من المشاريع ذات الأولوية؛ مثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والأصول الافتراضية، إضافة إلى عقد ورشات تدريبية وتوعوية مشتركة بين الجانبين. ونظرا لأهمية هذا التعاون المرتقب بين البلدين، الذي من شأنه تعزيز فعالية مواجهة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب واستدامة سلامة النظام المالي والاقتصادي في البلدين، وأيضا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتأينا إلقاء الضوء على التجربتين المغربية والإماراتية في هذا المجال. تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية تتوفران معا على ترسانة قانونية مهمة، بالإضافة إلى مؤسسات مشهود لها بالنجاعة على الصعيدين المحلي والدولي، لمواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة. المملكة المغربية.. خطوات مهمة في مجال مكافحة غسل الأموال في إطار الاستجابة لمتطلبات المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أصدر المغرب سنة 2007 القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، نص، ضمن جملة من المقتضيات، على جريمة غسل الأموال والجرائم الأساسية المتعلقة بها، والمتطلبات القانونية للأشخاص الخاضعين للقانون المذكور، ودور وحدة معالجة المعلومات المالية وسلطات الإشراف والمراقبة وكذا النظام القانوني لتطبيق العقوبات المالية المستهدفة. ومن أجل ملاءمة التشريع المغربي مع المعايير النموذجية العالمية بشأن جرائم غسل الأموال، وأيضا لتنزيل ملاحظات مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط(فاتف)، الواردة في تقرير التقييم المتبادل الذي خضع له المغرب سنة 2018، عرضت الحكومة على البرلمان مشروع قانون رقم 18-12 يعدل بمقتضاه القانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، لتعزيز المنظومة القانونية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذا ملاءمتها مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الباب، صودق عليه ونشر في الجريدة الرسمية سنة 2021. وهكذا، فمنذ سنة 2021 انخرط المغرب في عملية تحسين فعالية آليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تبنى في هذا الصدد خطة عمل (فبراير 2021 – شتنبر 2022)، التي تمخضت عنها سلسلة من النصوص التشريعية والتنظيمية، أهمها القانون 18-12 سالف الذكر، قصد تعزيز الترسانة القانونية من أجل مكافحة غسل الأموال حتى تساير التطورات التي تعرفها القوانين والتشريعات الدولية، بالإضافة إلى تعديل القانون الجنائي، لا سيما الفصل 574.3 منه، ليتم رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في، تماشيا مع المعايير الدولية التي تدعو إلى الحد من تفشي جرائم الأموال والمعروفة ب"الأموال القذرة". ونشير، في هذا الصدد، إلى أن القانون الجديد رقم 18-12 وسع من لائحة الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال ولو ارتكبت خارج التراب الوطني، وذلك بإضافة جرائم الأسواق المالية وجريمة البيع وتقديم الخدمات بشكل هرمي إلى لائحة الجرائم الأصلية. كما نص في مادته 32 على إحداث لجنة وطنية مكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب. كما تم إحداث الهيئة الوطنية للمعلومات المالية بمقتضى المرسوم رقم 2.21.633، بهدف تأهيل وحدة معالجة المعلومات المالية وتعزيز قدرتها في مجال مكافحة غسيل الأموال والإرهاب، طبقا لمقتضيات المادة 14 من القانون رقم 43.05 سالف الذكر، التي تنص على إحداث "الهيئة الوطنية للمعلومات المالية" لدى رئاسة الحكومة، واستجابة أيضا للتوصيات المضمنة في تقرير التقييم المتبادل للمنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال والإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما، الصادر عن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تدعو إلى تأهيل وحدة معالجة المعلومات المالية وتعزيز قدرتها وتزويدها بالموارد البشرية والمالية اللازمة. وفي إطار هذه الجهود المتواصلة التي تبذلها المملكة المغربية، وضعت الحكومة الاستراتيجية الوطنية المخصصة لمكافحة هذا النوع من الجرائم سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي. كما التزمت للعمل مع مجموعة العمل المالي لتعزيز فعالية نظام مكافحة غسل الأموال، حيث قامت بإصلاحات رئيسية؛ من بينها تحسين مراقبة المخاطر واتخاذ الإجراءات التصحيحية الفعالة والمناسبة والرادعة لعدم الامتثال، وتقوية مراقبة مدى احترام المؤسسات المالية والفاعلين المعنيين بالالتزامات القانونية الجاري بها العمل. الإمارات العربية المتحدة.. تطور مهم في التصدي لظاهرة غسل الأموال أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة القانون الاتحادي رقم 4 في عام 2002؛ وهو أول تشريع جزائي يجرّم غسل الأموال. ومنذ ذلك الحين، والإمارات تلعب دورا حيويا في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي عام 2018، صدر المرسوم بقانون اتحادي رقم 20 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة ليحل محل القانون الاتحادي رقم 4 الصادر سنة 2002 المشار إليه أعلاه. ويعد المرسوم بقانون اتحادي رقم (20) لسنة 2018 ركيزة أساسية لجهود الدولة في مجال مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. ونص هذا المرسوم على إنشاء لجنة مكرسة لأهداف مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، ووحدة معلومات مالية مستقلة لاستلام جميع التقارير المقدمة من المؤسسات المالية والتحقيق فيها، وغيرها من الشركات بشأن الأنشطة المالية غير المشروعة المشتبه بها. ووفقا لقرار مجلس الوزراء رقم 10 لسنة 2019، فقد أسهم المرسوم الاتحادي رقم 20 لسنة 2018 المعدل بالمرسوم الاتحادي رقم 26 لسنة 2021، في الارتقاء بفاعلية الإطار القانوني والمؤسسي لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الدولة، حيث قامت دولة الإمارات بتوحيد الإجراءات الخاصة بمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وكذلك بتطبيق الإطار القانوني الموحد لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في جميع الإمارات والمناطق التجارية الحرة والمناطق المالية الحرة في الدولة. وبالإضافة إلى الترسانة القانونية والتنظيمية، أنشأت دولة الإمارات الاستراتيجية اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة وفقا للمرسوم بقانون اتحادي رقم 20 كما تم تعديله. ومن بين مهامها الرئيسية وضع وتطوير استراتيجية وطنية لمكافحة الجريمة، واقتراح الأنظمة والإجراءات والسياسات ذات الصلة بالتنسيق مع السلطات المختصة، ومتابعة تنفيذها. وبناء على تقرير التقييم الذي أصدرته مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط (فاتف) في أبريل 2020، حول تدابير مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في دولة الإمارات، قامت هذه الأخيرة بوضع خطة عمل وطنية تحدد سلسلة مفصلة من المبادرات والإجراءات مع العديد من الأطراف والسلطات المحلية المعنية، لتنفيذ توصيات تقرير التقييم المتبادل. كما تم، في دجنبر 2020، إنشاء المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وذلك بهدف تعزيز مكانة الدولة وتنافسيتها في مجال مواجهة غسيل الأموال، ومتابعة كافة المتطلبات الدولية وتبادل المعلومات والتنسيق مع الشركاء والجهات التنفيذية والرقابية حول العالم والأمم المتحدة في الإطار نفسه. أهمية التعاون المغربي – الإماراتي المرتقب في مجال مكافحة غسل الأموال نظرا لسرعة انتشار عمليات غسل الأموال وخطورتها على أمن واستقرار البلدين بصفة خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصفة عامة، يقتضي الأمر تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، ولا سيما في مجال التعاون القانوني والقضائي. وقد يشكل هذا التعاون الثنائي في مجال مكافحة غسل الأموال حجر الزاوية في أية مواجهة ناجعة وشاملة لهذه الظاهرة المستحدثة، مع استثمار تجاربهما في هذا المجال. كما ينبغي على البلدين، بمقتضى التعاون المرتقب، الرفع من فعالية وكفاءة نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الخاصة بها، والتحقيقات وأحكام الإدانة المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، والممتلكات المجمدة والمحجوزة والمصادرة، وطلبات المساعدة القانونية المتبادلة وغيرها من طلبات التعاون الثنائي. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تبني رؤية موحدة تجاه القضايا المطروحة، والخيارات المتوقعة لعمليات التقييم المتبادل للبلدين من قبل مجموعة العمل المالي، والتي من شأنها الإسهام في تعزيز العمل المشترك والتعاون بينهما في مجالات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واستشراف المستقبل من أجل تثمين المكتسبات والممارسات الجيدة والتصدي لنقط الضعف وإيجاد حلول مناسبة لها، بهدف إبقاء المنظومة الوطنية للبلدين في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب فعالة وقادرة على الوقاية من هذا النوع من الجرائم وكشفها وردع مرتكبيها. فضلا عن ذلك، نتوقع من التعاون المشترك ما يلي: 1- تعزيز الشراكة والتعاون بين القطاعين العام والخاص، بهدف خلق مزيد من الدعم لقضايا مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والوقاية منها، 2- التعاون على وضع دليل استرشادي لتعزيز آليات تقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يعزز تبادل الخبرات والتجارب الوطنية، 3- تبادل الخبرات من التقنيات التكنولوجية الحديثة في الوقاية من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، 4- العمل على بناء القدرات المشتركة وإعداد برامج التدريب العملية في مجال التحقيقات المالية.