لا يهدأ بال الدبلوماسية الفرنسية بين البلدين المغرب والجزائر، فلعبة المصالح في المنطقة تفرض على باريس التحرك في الرقعتين؛ ما يجعل الموقف الفرنسي مرتبكا على الدوام، على الرغم من مطالب المغرب بضرورة الخروج من "الوضع الرمادي" في علاقاتهما الثنائية. ومباشرة بعد الزيارة التي قادتها كاترين كولونا، وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، إلى المغرب شد جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، الرحال صوب الجزائر نهاية الأسبوع، متداولا مشكلة التأشيرات بين البلدين، كما استقبله رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون. ووفقا لإفادات جيرالد دارمانان فإن تحركه صوب الجزائر جاء بطلب من الرئيس إمانويل ماكرون، واقتصر الحديث عن أزمة التأشيرات؛ لكن قراءات عديدة ربطت الزيارة في الوقت الراهن بمسك "عصا العلاقات من الوسط" وبعث إشارات التوازن إلى الجزائر كذلك، خصوصا أن ماكرون يمهد لزيارة المغرب مطلع العام المقبل. ولا تزال باريس تحتفظ بموقف رمادي من قضية الصحراء، فعلى الرغم من تعبير كولونا عن استعداد فرنسا لمساندة خطة الحكم الذاتي، فإن المغرب يطالب بضرورة استحضار المتغيرات العديدة التي تطبع المنطقة بداية ب"الاعتراف الأمريكي" والموقف المتقدم لإسبانيا. وفي السياق ذاته، يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة دولة إلى المغرب، في الربع الأول من عام 2023؛ وهي زيارة يراهن عليها المغرب كثيرا لقياس منسوب تغير موقف الفرنسيين من قضية الصحراء وإبداء المساندة بشكل أكثر قوة. مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المقيم بباريس، أكد وجود انطباع بكون فرنسا تحاول شد العصا من الوسط بعدم إغضاب الجزائر؛ لكن في المقابل هناك دعم للمقاربة المغربية في قضية الصحراء، وبالتالي لم تستجب لدعوات الحياد السلبي الصادرة عن الجزائريين. وأضاف الطوسة، في تصريح لهسبريس، أن فرنسا تسير بطريقة أو بأخرى نحو تبني "الموقف الأمريكي"؛ لكن حساسية علاقتها مع الجزائر يجعل الأمر صعبا، مؤكدا أنه في حالة الإعلان عن الموقف الجديد، فالأمر سيصدر عن رئيس الجمهورية إمانويل ماكرون. ويراهن المحلل السياسي المقيم بباريس على زيارة ماكرون للمغرب، مؤكدا أنها إن تمت فقد تحمل جديدا فرنسيا، وزاد: "المواقف الفرنسية تبدو متناقضة نظريا؛ لكنها في الواقع تدعم الحكم الذاتي"، لافتا إلى أنه "على الرغم من الإنزال الكبير للدبلوماسية الجزائرية فإن باريس لم تغير موقفها إلى السلب". عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش، قال إن فرنسا تعيش تحولات عميقة في علاقتها بشمال وغرب إفريقيا، مؤكدا تراجع نفوذ هذا البلد مقابل تصاعد الحضور الروسي أمنيا والصيني اقتصاديا وماليا. وأوضح البلعمشي، في تصريح لهسبريس، أن التراجع سجل كذلك على مستوى القيم الفرنكوفونية وحضور اللغة الفرنسية في العالم، مبرزا أن التوتر الفرنسي المغربي بدأ فور "الاعتراف الأمريكي"، وزاد: "العلاقات في نهاية المطاف تحكمها المصلحة بالدرجة الأولى". وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات أن المغرب في وضع مريح بعد التحالفات الجديدة، مؤكدا أن التنسيق مع بلدان أخرى يأتي نتيجة لتراجع النفوذ الفرنسي وعدم قدرته على تأمين مصالح النظام الدولي في إفريقيا على المستويين السياسي والأمني.