لم أفاجأ حينما سمعت زغاريد النساء تجلجل الحي الذي أقطن فيه وسط العاصمة صنعاء، عقب الدقائق الأولى من فوز المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي ضمن بطولة كأس العالم بقطر، وعلى الرغم من أوجاع اليمنيين من الحرب التي مازالت مشتعلة في بلادهم ، إلا أن الشباب والأطفال وكبار السن جٌلهم خرجوا للتعبير عن فرحتهم بالفوز التاريخي الذي حققه منتخب المغرب للعرب في ليلة تحقيق الحُلم التي طغت عليها مظاهر البهجة، ليس اليمنيين وحسب من شاركوا المغاربة فرحتهم بل أجزم أن كل العرب من مختلف اقطار البلاد العربية والعالم فرحوا بتأهل "أسود الأطلس" للمربع الذهبي في "المونديال" مجسدين قول الشاعر السوري: لسان الضَّادِ يجمعُنا: بغسَّانٍ وعدنانِ*ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ* إلى مِصرَ فتطوانِ يرى المتتبع لفوز المغرب أن الأمر لم يكن مجرد متابعة لُعبة كرة قدم وحسب، بل إن هذا الفوز جسد معنى الوحدة العربية المنشودة. في الشارع ذاته، الذي احتفل فيه اليمنيون بليلة تحقيق الحُلم العربي، أخبرني الفنان اليمني سليم الوادعي عن سعادته هو ومجموعة من أشبال وزهرات من مختلف المناطق اليمنية لأنهم قدموا أغنية لتشجيع المنتخب المغربي قبيل خوضه مباراته مع إسبانيا مرددين القول: "مبروك يا لمغرب يا بطل فرحتنا العربية* نزف الفرحة من اليمن فرحة بالزاف ليا يا أسود الأطلس والله أنتم رفعتوا الراس* يا أسودنا إن شاء الله فرحة كبرى بالكاس". وكأن ذلك فأل خير بعبور المنتخب المغربي ووصوله إلى مرحلة النصف النهائي في البطولة، وعقب انتشار الأغنية على مواقع التواصل الاجتماعي سارعت التلفزة المغربية الحكومية ببث تلك الأغنية، مثلها كانت مبادرات لفنانين وشباب آخرين من مصر وفلسطين والعراق، غنوا للمغرب وتغنوا بمنجز أبطاله. كثير منا لا يعلم أن منتخب المغرب لكرة القدم ارتبط بالهوية الثقافية والوطنية للمملكة المغربية، ففي العام 1970، خاض هذا المنتخب أول مباراة له في كأس العالم أقيمت في المكسيك وكان حينها ثاني منتخب عربي يشارك في تاريخ "المونديال"، حينها أيضا حصل "أسود الأطلس" على أول نقطة لهم أفرحت العرب، في تلك البطولة طلب الملك المغربي الراحل الحسن الثاني من الشاعر المغربي علي الصقلي الحسيني كتابة كلمات النشيد الوطني المغربي الذي يُعرف بالنشيد الشريف، ليردده اللاعبون المغاربة بالمكسيك لأول مرة أثناء عزف النشيد. في هذا "المونديال" ضربت الجماهير المغربية التي تؤازر منتخبها أروع الأمثلة في المساندة، أثارت تصرفات المغاربة إعجاب شعوب العالم، إذ كانت لوحات الترابط الأسري والعلاقة الحميمية بين أفراد العائلة المغربية والإيثار حاضرة في تلك المدرجات ولم يغفل المغاربة بحمل هموم الأمة حينما رفعت تلك الجماهير أعلام الدولة الفلسطينية، مُذكرين العالم بمظلومية أبناء بيت المقدس. شاءت الأقدار أن يلتقي المنتخب المغربي بنظيره الفرنسي في قمة لا تتكرر، عنوانها أن المغرب المملكة الجديدة لا وصاية عليها وأن المستعمر القديم هو اليوم ندٌّ لها ليس أكثر من ذلك. إلى حد الآن يعتبر العرب ومعهم الشعوب الإفريقية منتخبهم المغربي هو الفائز في "مونديال" 2022، وأن الكأس أصبح قاب قوسين أو أدنى في متناول اليد، فالمغاربة في هذا "المونديال" الاستثنائي فتحوا نوافذ للأمل ولسان عشاقهم في كافة أرجاء البلاد العربية يقول لا مستحيل لتحقيق الحُلم.