افتتح مختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل وشعبة علوم الإعلام والتواصل، الثلاثاء بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس، الموسم الجامعي 2022- 2023 بدرس ألقاه الأكاديمي عبد الله ساعف في موضوع "الإعلام، الصحافة والعلوم الاجتماعية". وعن علاقة الصحافة بالعلوم الاجتماعية، اعتبر ساعف أن مهنة الصحافة مفتوحة، والحصول على بطاقة الصحافة لا يخضع لضوابط محددة، لافتا إلى أن "هناك من جاء إلى الصحافة من العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أو العكس"، وأصبح لهؤلاء إشعاع عالمي مثل ميلتون فريدمان في صحيفة النيويورك تايمز؛ ولكن ما نحتاجه اليوم، أردف ساعف، هو "دراسة المسار النموذجي للصحافي المغربي، لأنه ما زال مجهولا ولم يأخذ حقه من الاهتمام والمتابعة العلمية". كما طرح المحاضر عددا الأسئلة حول ماهية التكوينات الصحافية في المعاهد المغربية وكيفيتها وبأي طريق تتم؟ وأي علوم اجتماعية يستند عليها تكوين الصحافي المغربي؟ وماذا يدرس بشكل عام؟ وما هي النتيجة؟ وكيف ستكون الخلاصات؟ هل هناك تكوينات منسجمة تعطينا فكرة عن الصحافي المبحوث عنه؟، وعن أي توجهات علمية ممكنة؟ ولفت مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية – الرباط إلى أن الكتابة الصحافية تهيّئ الكتابة الأكاديمية في العلوم الاجتماعية، والدليل هو أن ريمون آرون أحد كبار مفكري القرن العشرين كان صحافيا كبيرا في صحيفة لوفيغارو الفرنسية. أضاف ساعف أن "تغطية الأحداث عن طريق الصحافة تهيء لمرحلة لاحقة هي التنظير"، وكتابات آرون الصحافية تم "تعميقها وصياغتها وإعطاؤها المزيد من المصداقية"، وبالتالي أصبحت كتبا ومراجع معتمدة. كما أن "الكتابة الصحافية تدعم النظرية، والتركيز على موضوع معين ينتج الرؤية بمفاهيم جديدة وعلاقات أخرى، مثلما فعل ماكس فيبر(1864- 1920)". ورغم ذلك ما زالت له مكانة محورية في التنظير. وقد أثَّرَت أفكاره بعمقٍ على النظرية الاجتماعية والبحثِ الاجتماعي، وكل كتاباته جُمّعت ثم ترجمت؛ ومن ضمنها كتاب "الاقتصاد والمجتمع". وأشار مدير مجلة "أبحاث" للعلوم الاجتماعية إلى أن ماكس فيبر، بصفته عالم اجتماع وكاتبا صحافيا، سبق له أن كتب مقالات عديدة حول القومية الجرمانية؛ وهو ما وقع في عالمنا العربي مع وضّاح شرارَة. ونبه المحاضر إلى ضرورة الفصل بين الاثنين، أي أن نميّز بين قدرة الباحث على الفصل بين اهتماماته الصحافية والأكاديمية وبين ما هو صحافي وعلمي أكاديمي، معتبرا أن راهنية بعض المقالات الصحافية تكون دائما مؤقتة. كما أن "الكتابة الصحافية المكتوبة تعتبر مادة خام تغدي الأبحاث في مختلف المجالات العلمية، وهذا ما يظهر قوة الصحافة وأهميتها". ونوه ساعف بأن هناك دائما حدودا تفصل بين الصحافة والعلوم الاجتماعية وبين الآثار البنيوية فيهما؛ وهو ما يسمى "نزعة الحاضِرية" (أي من الحاضر)، لأن "اللحظة الآنية تطغى على الحدث". وأفاد: "في الصحافة يكون للحدث مضامين وهمية، ومع ذلك أصبحت "الحاضرية" تطغى بشكل قوي". والدليل على ذلك، أكد ساعف، هو أن "الجميع يتحدث عن أزمة صامتة بين فرنسا والمغرب؛ ولكن لا أحد له حجة بوجودها أو وثيقة تؤكدها، في وقت تظهر فيه المؤشرات السطحية أن هناك أزمة". وأضاف ساعف أنه مع ذلك "تطغى "الحاضرية" على الصحافة؛ ولكن ليست هناك دراسات أكاديمية في هذا المجال". من جهته، أشار سمير بوزويتة، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس، إلى أن الثورة الإعلامية غير المسبوقة التي يعرفها المغرب كباقي دول العالم بسبب "تراجع الإعلام الكلاسيكي من جهة، والتطور السريع لشبكات التواصل الاجتماعي من جهة أخرى"، وأيضا إلى "تداخل العلاقة بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد في سياق تمدّد الإعلام الاجتماعي وتعدُّده بكل شبكاته جعلت من اللازم العمل على تقليص آليات احتكار الدول للمجال الإعلامي من خلال تصريف المادة الخبرية عبر قنوات الإعلام الجديد، وكذلك "استغلال الهاتف النقال ليس للتواصل بين الأشخاص، وإنما لنقل المعلومة وترويجها". وهكذا، أضاف بوزويتة، "أمكن لأي شخص أن يصبح ناقلا وموصلا للمعلومة".