يبدو أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد دوّخت المغرب وأسكرته وجعلته يصاب بانفصام خطير هذه الأيّام، ففي الوقت الذي لا يكف فيه لسان حال الاقتصاد بالبلد عن نفي تأثيرات "لاَكْرِيزْ"، يتوقف لسان حال صحّتنا عن طمأنتنا حول القوى العقلية لمديري دواليب التدبير والتسيير بالبلد خلال هذا الشهر الأوّل من سنة 2009. فقد إذ فجّر رجال الدبلوماسية المغربية مفاجأة من العيار الثقيل بنقل التمثيلية الخارجية للمغرب من كركاس إلى جمهوية الدومينيكان في توقيت جدّ خاطئ، جعل الصديق قبل العدو يربط ذلك بموقف فينيزويلا من القضية الفلسطينية، أكثر من موقفها من جبهة عبد العزيز المراكشي التي تحجّج بها حكام المغرب الأقصى. "وكَنْتْمْنَى تْدِيرْ الْمَصَالِحْ دْيَالْ وِزَارَة الصِّحّة فَحْصْ عْلَى اصْحَابْ القَرَارْ، بَاشْ نْشُوفُو وَاشْ لْعْقْلْ والسَّاعَة البْيُولُوجِيَة خْدَّامِينْ.. وْلاَّ فَاتْ لْفُوتْ". "" ويبدو أيضا أنّ حالة انفصام الشخصية التي أصبحت تُعاين، قد تكفّلت بالكشف عنها بشكل واضح وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، بدل وزارة الصِّحّة، وذلك عبر أكاديميتها الجهوية للتربية والتكوين بخريبكة، حيث فتحت الأكاديمية المذكورة تحقيقا صارما في احتواء نصّ امتحان في وحدة اللغة العربية لتلامذة السنة الأخيرة من السلك الثانوي الإعدادي بمؤسّسة الإمام مالك على مواقف "معادية لدولة إسرائيل". إذ عملت لجنة مختلطة متكونة من مفتشين بمصلحة الشؤون التربوية ومسؤولين بمصلحة الموارد البشرية ومدير الأكاديمية ومصادر وزارية على وصف نصّ يصوّر الإسرائيليين على أنّهم "حفدة القردة والخنازير، شرذمة من السحرة والمحتالين، أنذال لا ذمّة ولا مصداقية لهم، جبناء وقتلة الأنبياء، غرباء أعيد تجميعهم فوق أرض فلسطين الطاهرة، ليقترفوا أبشع الجرائم، ويخرقوا أبسط الحقوق.." على أنّ الأستاذ الذي كتبه "مشكوك في حسن نيته" و "عبّر عن تطرّف شديد ومواقف شخصية معادية لدولة إسرائيل" و "يعاني خللا نفسيا".. وَا لْحْمَاقْ هَادَا أعِبَادْ اللَّه.. حِيتْ عْلَى هَادْ القِبَلْ العَالَمْ كُولُّو غَالْطْ.. وْخْريبكة عْنْدْهَا الحْقْ.. فهَا هُوَ ذا الانفصام يبدو جليا في مغرب "شْرْقَا وْبْرْقَا" ضمن مواقف دولة خرج شعبها عن بكرة أبيه من وجدة إلى الدّار البيضاء، ومن طنجة إلى الكويرة، في مسيرات ووقفات مُبَاركة من طرف السُّلطات إبَّان العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة، مكيلا الشتائم لنظام صهيوني بأكمله، متوعّدا إياه بعودة جيش محمّد، ومذكّرا بغزوة خيبر، واصفا إسرائيل بحفدة القردة والخنازير، وأمريكا بعدوّة الشعوب، وحكّام مصر بالبقر الحلوب، والأنظمة العربية بالتواطؤ، والقمّة العربية بالتخاذل، والقمّة الاقتصادية بذرّ الرمد في العيون.. أليس موضوع أستاذ خريبكة عكسا لما تفنّنت الدولة وأذرعها في بثّه؟، أم أنّ الأمر لا يعدو مطريّة تجمع بعد انقضاء الغيث؟ ، "اطْلْعْ تَاكُلْ الكْرْمُوسْ.. انْزْلْ شْكُونْ قَالْهَا لِيكْ.. آلْأُسْتَاذْ..". صحيح أن لليهود لوبي ضغط لا نقوى بضعفنا على احتماله، وصحيح أننا لا نَسْتَطِيعُ حتّى "نَشّْ الدْبَّانْ فْهَادْ السَّاعَة"، لكن هذا لا يشفع لنا في أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين تارة، وإسرائيليين أكثر من الإسْرَائيليين تارَة أخرَى، وَبلا موقف في أغلب الأحيان، نلعن إسرائيل وأمريكا في الدّرك ونمدحهما في الدّرج، نكيل القذف لحفدة قردة وخنازير ليلا، سرعان ما يغدون سامين وأولياء نعم وسند نهارا. "اللهْ يْرْحْمْ الوَالِيدِينْ.. غِيرْ قُولُولِينَا آشْمْنْ طْرِيقْ نْشْدُّو.. وْدِيرُو فْبَالْكُم أنَّهُ مَا كَيْرْجْعْ فْكْلْمْتُو غِيرْ الشْمَاتَة"