قال أيوب كرير، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة ورئيس جمعية "أوكسيجين للبيئة والصحة"، إن المغرب ودولا عديدة مُقبلة على "أكثر السيناريوهات سوءاً" إذا لم يتم العمل على حلول آنية ومستعجلة تنهي تدهور المناخ، مع إلزام الدول بالالتزام بتعهّداتها. وفي حوار مصور مع جريدة هسبريس الإلكترونية، على بُعد أسابيع قليلة من انعقاد قمة المناخ بمصر (كوب27)، قدّم الباحث الجامعي في التنمية المستدامة وقضايا المناخ بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة توقعات متشائمة عن "تواتر حدة التغيرات المناخية المتطرفة" مع نهاية سنة 2022 ومطلع العام القادم، لافتاً الانتباه إلى أن المشكِّكين في تأثيرات التغيرات المناخية إلى أمد قريب، تبيّن لهم فعلا وتأكدوا الآن أن "تغير المناخ هو حقيقة وواقع ملموس، يؤثر على بيئة الإنسان وصحته وكل المجال الذي نعيش فيه". ودعا الخبير البيئي ذاته، في معرض حديثه، إلى "تشديد المراقبة على استنزاف الموارد المائية من طرف المعامل وبعض الصناعات، محذراً من "آثار عكسية" قد تخلّفها مشاريع الربط بين الأحواض المائية لمواجهة إشكالية الندرة الراهنة. هذا نص الحوار : نعيش حرارة شهرَيْ يوليوز وغشت في أواخر أكتوبر، كيف يمكن تفسير ارتفاع درجات الحرارة رغم نهاية فصل الصيف؟ يعرف العالم منذ سنوات ارتفاعا مهولا في درجات الحرارة، وتأثيرات متسارعة للتغيرات المناخية التي ألقت بظلالها على مختلف دول العالم، ومنها الدول الإفريقية، وخاصة المغرب. المغرب يتوفر على مجموعة من مجالاته المتنوعة الغنية طبيعياً، لكن خلال السنوات الأخيرة شكلت التغيرات المناخية خطورة ملفتة بسبب تردّي المجالات الطبيعية وتراجع المجالات الخضراء واستنزاف الموارد الطبيعية وتراجع منسوب مياه الآبار وما إلى ذلك من كوارث وخيمة على الإنسان ومجاله. المنتظَم الدولي تعهد، خلال اتفاق باريس للمناخ عام 2015 «كوب 21»، بخفض درجة الحرارة بنسبة درجتيْن إلى درجة ونصف مئوية عند مستويات ما قبل الثورة الصناعية؛ هذا التحدي تبيّن صراحة، خلال السنوات الأخيرة، أن هناك "تراجُعا في التزامات الدول وزعمائها عن هذا التعهُّد، نظرا لأن الحلول الحقيقية التي اتخذتها الدول لم تُنفذ بالشكل المطلوب". وبالتالي نلاحظ ارتفاع الأنشطة الصناعية، وارتفاع الأنشطة البشرية المدمّرة للبيئة، فضلا عن جشع الإنسان.. وكلها عوامل لا تساعد على تحقيق هذه الأهداف المتوخاة في اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030. والخلاصة أن الكارثة سيئة جدا. ما يشهده العالم الآن أن حرارة الجو ما زالت عند مستويات عالية جداً، حتى وإنْ كنا في أواخر فصل الخريف وقرب فصل الشتاء، وحتى المشككون في تأثيرات التغيرات المناخية إلى أمد قريب، تبين لهم الآن وتأكدوا فعلا أن تغير المناخ هو حقيقة وواقع ملموس، يؤثر على بيئة الإنسان وصحته وكل المجال الذي نعيش فيه. الآن، الخطر المناخي كبير جدا؛ نظرا لكون المجالات الشاسعة تراجعت، في ظل شح للأمطار وتوالي مواسم الجفاف، مع ارتفاع مستويات قياسية لدرجات الحرارة، حتى أن هذه السنة يمكن أن تكون من أكثر السنوات سخونة على كوكب الأرض؛ وهذا ليس بجديد لأن الأنشطة البشرية في تزايد مُلفت، وأغلب الدول لم تلتزم بتعهداتها، خاصة مقتضيات باريس للمناخ. والمغرب جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة، إذ إن بلادنا أصبحت تعيش انعكاسات خطيرة للتطرف المناخي، مع تردٍّ هائل للموارد الطبيعية، ونقص حاد في المياه وجفاف مزمن؛ لأن المملكة كانت تعرف سنوات جفاف، لكن التغير الذي طرأ هو طول مدة الجفاف وتوالي سنواته الطوال، مما تسبب في تراجع مستوى المياه. والكارثة بكل صراحة هي أن الأوضاع ستتأزم أكثر، نظرا لمجموعة من التأثيرات طالت المنظومة الطبيعية والتنوع الإيكولوجي والبيولوجي والموارد الطبيعية. هي إذن انعكاسات خطيرة جدا ما زال الإنسان سيتحمّل عواقبها. تبعا ذلك؛ هل المؤشرات المناخية الحالية توحي بتكرار موسم جفاف جديد؟ السيناريو الحالي ينبئ بكارثة أسوأ مما سبق؛ وبالتالي فكل المعطيات العلمية، الدولية أو الوطنية، تشير إلى أن الكارثة ستزداد، مع وجوب الاستعداد لها، من خلال مضاعفة الجهود رغم بعض الزخات المطرية التي عرفتها الأيام الماضية في عدد من مناطق المغرب؛ لكنها شكلت استثناءً وهي غير كافية بتاتاً. نسبة السدود ما زالت في انخفاض مستمر، والطلب على الماء يزداد؛ وبالتالي فإن السيناريو الذي نعيشه حاليا سيئ جدا. لقد أصبح التغير المناخي واقعاً. كل المؤشرات تذهب في اتجاه أننا مُقبلون على أيام وشهور جافة، كما لا تزال نسبة ملء السدود منخفضة وتزداد انخفاضا، أما المياه الجوفية والآبار ففي انخفاض مستمر.. وهذا سيؤثر، لا محالة، على المجال الفلاحي والمردودية الفلاحية، خاصة أن اقتصاد المغرب يعتمد في جزء كبير منه على الفلاحة، وكل الدول التي تعتمد في اقتصادها على القطاع الفلاحي ستتأثر وتتأزّم بشكل أكبر. نحن نعيش في منظومة دولية، حتى الدول الأوروبية التي كانت إلى وقت قريب في منأى عن فترات الجفاف، تعيش الآن كوارث مناخية حقيقية بسبب ندرة المياه وقلة التساقطات ووجود جفاف غير مسبوق، ناهيك عن دول إفريقيا وشمال إفريقيا التي تعد من أكثر الدول تأثرا بالتغيرات المناخية. كل المعطيات تشير إلى أننا نعيش أسوأ السيناريوهات، لحظات وأيام عصيبة جداً تحتاج منا إلى استراتيجية أخرى وعمل مضاعَف، لأن الخطورة ستكون عواقبُها وخيمة على بيئة الإنسان وصحته، فضلا عن اقتصاده وجميع مجالاتِ نشاطاته.. هذا هو المعطى العلمي الذي كنا وكان ينادي به مجموعة من العلماء؛ ومفادُه أن التغيرات المناخية تزيد حدة لتنعكس بشكل خطير، مع توالي السنوات، على كل مناحي الحياة؛ والآن وصلنا إلى هاته الحقيقة، مع الأسف الشديد. في نظرك، أية حلول واقتراحات عملية ممكنة لمواجهة ندرة الماء؟ المغرب شهد منذ سنوات استثماراً كبيرا في مجموعة من المشاريع التي كانت تنبئ بأننا سنقع في هذا السيناريو، فبلادنا عرفت استثمارات كبيرة من ناحية إنشاء وتشييد السدود الكبيرة والمتوسطة، وكذا الاستثمارات الخضراء، وحقول الطاقات المتجددة سواء الطاقة الشمسية أو الريحية، وبناء مجموعة من محطات تحلية مياه البحر وغيرها.. كل هذه إجراءات اتخذها المغرب منذ سنوات طبقاً لنظرة استشرافية للمستقبل. لا نغفل أيضا الخطاب الملكي الأخير الذي عبّر بشكل صريح، لأول مرة، عن خطر شح الأمطار وندرة الماء بالمغرب، كما أعطى كل المؤشرات على أننا نعيش وضعا استثنائيا يتعلق بانعكاسات التغيرات المناخية على بلادنا وكل دول العالم. المغرب كان ولا يزال يستثمر في المشاريع سالفة الذكر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتخفيف من عبء تغير المناخ، لكن هذه الإجراءات تظل غير كافية. والواقع يؤكد أننا ما زلنا- في المغرب- نعيش على إيقاع مجموعة أساليب وطرُق تساهم في استنزاف الموارد الطبيعية، على رأسها الماء؛ حيث نجد المساحات الشاسعة الخضراء يتم سقيُها عبر آبار ذات مياه صالحة للشرب. كما أن هناك مياها تضيع هباء (مياه الغسيل والمراحيض، المياه العادمة والمياه المستعملة) ولا يتم استغلالها واستثمارها بشكل جيد لإعادة تدويرها وسقي المساحات الخضراء بها. كل الدول الآن تسير نحو التشدد بشأن عدم ضياع أي نقطة مياه بجميع أنواعها. بلادُنا يجب أن تتخذ كل الإجراءات لإعادة استعمال جميع أنواع المياه (مياه الأمطار، المياه الصناعية والعادمة)؛ وأتساءل هنا: لماذا يتم استغلال مياه الأمطار بعد تساقطها ليتمّ استغلالها في فترات الندرة؟ أشير هنا، أيضا، إلى أن هناك معامل وصناعات في المغرب تستنزف الموارد المائية بشكل هائل دون حسيب؛ ويجب إلزامها بتطبيق القانون، والحرص من لدن السلطات والمسؤولين على مراقبة هذه المعامل التي يقارب استهلاكها ما قد تستهلكه بعض المدن بكاملها. إنها حقيقة وصلنا إليها لا يجب تحميل المواطنين مسؤوليتها، لأنهم بعيدون كل البُعد عما يتم استنزافه من طرف بعض الشركات والمؤسسات والمعامل وفي مجاليْ السياحة والفلاحة. وبالتالي، فالمواطن هو جزء بسيط من المنظومة التي تستنزف المياه بالمغرب. يجب أن نكون صارمين في تعاملنا، على مستوى المجالات الصناعية، من طرف كل المعامل والمصانع، التي يجب أن تقوم بإعادة تدوير مياهها وألّا تستغل الآبار والمياه الجوفية، لأن الفرشة المائية في اندثار مستمر. كما أن المحطات السياحية يجب أن تلتزم بالتطبيق الصارم لقوانين الماء والبيئة والمراقبة والجودة. كما يجب أن نحوّل تعاملنا مع كل الأوراش والمشاريع والصناعات على أن تكون وفق استعمال أجهزة متطورة وحديثة لإعادة تدوير كل نقطة من المياه المستعملة. يشتغل المغرب، حاليا، على مشاريع للربط المائي بين الأحواض.. ما رأيك؟ في إطار التضامن بين جهات المغرب، تشرع الدولة، الآن، في إعداد مشاريع كبرى لتحويل أو نقل جزء من المياه إلى مناطق ومجالات جغرافية أخرى تعيش خصاصاً. أورِدُ هنا، مثلا، مشروع الربط المائي بين حوضيْ سبو وأبي رقراق؛ إذ ستتفرّع قناة عن واد سبو لتستفيد منها مناطق بالرباط والدار البيضاء. مشاريع الربط بين الأحواض المائية الكبرى في المغرب كان مخططا لها منذ سنوات، وسيكون لها دور كبير في إنقاذ مجالات أخرى من شح المياه؛ لكن أرى أن لها انعكاسات سلبية على البيئة وعلى المورد المائي في حد ذاته. حوض منطقة الغرب باعتبارها منطقة خصبة تتوفر على مياه جوفية رائعة بجودة عالية، إلا أننا نلاحظ استنزافا إلى حد ما عندما يتم نقل الموارد المائية إلى مناطق أخرى، لاسيما خلال سنوات الجفاف المتوالية؛ كما أن هناك نماذج لمناطق أخرى كانت غنية بالموارد المائية إلا أنها استُنزفت. نخشى أن يُعاد هذا السيناريو في منطقة الغرب وحوض سبو الغني بالموارد المائية؛ وما يقع هو أنه سيغطّي خصاصا، لكن قد ينتُج عنه خطر آخر يتمثل في حدوث ضغط على المياه الجوفية والتأثير على المنظومة المائية في المنطقة؛ وهو من بين السيناريوهات التي يجب البحث فيها حتى لا تكون هذه المنطقة عُرضة لاستنزاف كبير لمياهها، مع استحضار أنها منطقة فلاحية وسقوية بامتياز. كما أن هناك سيناريو آخر للحلول المقترحة، هو رفع الاستثمار المخصص في محطات تحلية مياه البحر، لاسيما في الجهات الساحلية، التي يجب تخصيص محطة لكل جهة معالجة مياه البحر قصد الاستفادة منها في الماء الشروب والسقي الفلاحي. وخلاصة القول أنه ليس ترفاً عقنلة استعمال الموارد المائية المحصورة في جهة دون أخرى، موازاةً مع الذهاب مستقبلا في اتجاه إنجاز مشاريع كبرى، أبرزها محطات معالجة المياه العادمة وذات الاستعمالات الصناعية. —