الحسن آيت بيهي هي أزمة غير مسبوقة يعيشها المغرب بعد أن تراجعت موارده المائية لأكثر من 70% وانخفضت حقينة السدود إلى مستويات متدينة منذ سنوات بفعل الجفاف وقلة الأمطار التي أعادت مرة أخرى إلى الواجهة ضرورة ترشيد استعمال المياه، خاصة بعد ناقوس الخطر الذي دقته وزارة الداخلية بمنشور دعت من خلاله إلى اعتماد تدابير لترشيد استعمال المياه وضمان التزود بالماء الصالح للشرب الذي بدأ يدخل ضمن المواد التي سيزداد عليها الطلب من طرف مدن كبرى مثل مراكشوالدارالبيضاء، اللتين أصبحتا في حاجة إلى موارد أخرى وتدابير مرحلية لإيصال المياه إلى الساكنة. وهو ما بدأ يتم اللجوء إليه من طرف الوكالات المستقلة للماء والكهرباء أو شركات التدبير المفوض، بتنسيق مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، حيث يلاحظ ضعف في صبيب المياه الموجهة إلى الاستعمال المنزلي، وكذا اللجوء إلى إجراءات عقابية في حق المفرطين في استعماله. فحسب المعلومات التي استقتها "الأيام" من شركة تدبير الماء بكل من الرباط وسلا وتمارة، فإن هناك اتفاقا بين الأطراف المتدخلة من أجل فرض إتاوات على كل من يتعدى استعماله الشطر الرابع حيث ترتفع تعريفة الاستهلاك أضعافا عما هو متعارف عليه بخصوص الأشطر الثلاثة الأولى. إنها تدابير مرحلية لتجنب العطش لكن الجفاف الذي يهدد العالم قد يعصف بها ما لم يتم الاستعداد جيدا لما هو قادم، خاصة وأن الحروب القادمة قد يكون سببها المياه بالدرجة الأولى كنتيجة حتمية للتغيرات المناخية التي يعرفها العالم، والتي حاولنا الإجابة عن بعضها من خلال هذا الملف الذي نستحضر فيه آراء خبراء في المجال يضعون المغرب في المنطقة الرمادية عند تحليل هذه الأزمة. التدابير المعلنة حتى الآن، خاصة من طرف وزارة الداخلية بخصوص عقلنة استعمال المياه، بالمنع الكلي لاستعمال المياه الصالحة للشرب في سقي الحدائق أو غسل السيارات وغيرها من المجالات التي يتم من خلالها هدر هذه المادة، رغم أنه لا يمكن الجزم حاليا بمدى نجاعتها، إلا أن ما تمت ملاحظته على الأقل في العاصمة الرباط وسلا، على وجه الخصوص يؤكد أن هناك نوعا من التجاوب معها ولو باحتشام، من خلال جولة بمحلات غسل السيارات التي أقفل أغلبها بمدينة الرباط، وكذا اختفاء الشباب الذين كانوا يقومون بغسل السيارات في عدد من المحاور الطرقية خاصة قرب المحطة الطرقية القامرة بالرباط، فضلا عن اللجوء إلى استعمال المياه العادمة في سقي الحدائق، حيث وأنه تطبيقا لدورية الداخلية، أصبح لزاما على فرق السقي بمختلف الحدائق الرباطية وضع لافتة تؤكد على أنه يتم السقي بهذه المياه في إطار حملة الدعوة إلى ترشيد استعمال المياه، علما أنه وحسب معلومات مؤكدة، فإن هناك اجتماعات تجري بين مسؤولي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب ووزارة الداخلية من أجل مراجعة تعهدات بعض شركات التدبير المفوض، وربما انسحاب بعضها من السوق المغربية وإعادة تكليف الوكالات المستقلة بتدبير هذه المادة الحيوية وفق شروط جديدة، لكن لم يتم حتى الآن التوصل إلى أي اتفاق في هذا الشأن، خاصة وأن المكتب الوطني أصبح يفضل هذا المخرج كأحد الحلول للحفاظ على الترشيد وتدبير توزيعه ضمانا لوصول الماء إلى كل البيوت وتلافيا لأزمة العطش التي قد تعصف بعدد من المدن إذا لم يكن الموسم القادم ممطرا واستمر الجفاف يرخي بظلاله على عدد من مناطق المغرب. الأمن المائي في خطر أزمة العطش لن يكون سببها فقط ندرة الماء الصالح للشرب، ولكن أيضا التراجع المهول لحقينة السدود التي لم تتجاوز نسبة ملئها 26% بعد أن كانت العام الماضي تصل إلى 41% رغم الجفاف، ما يعني أن المغرب فقد 15% إضافية من مخزونه المائي المتناقص أصلا وقد يؤدي إلى نوع من الإفلاس المائي، كما يذهب إلى ذلك عدد من الخبراء، ومنهم الخبير في السياسات المائية، عمر الودادي، الذي يعتبر أن «السدود هي صمام أمان مرتبط بالتساقطات، والاعتماد على صمام واحد يوصلنا إلى ما نعيشه اليوم». نفس الخبير في تصريحات سابقة له هذا العام يرى أن «ما نشهده من انخفاض طبيعي بالرجوع إلى الأسباب، وهي قلة التساقطات، إذ إن المورد الأساسي والوحيد لمياه السدود هي التساقطات، لكن ما هو غير طبيعي هو طريقة التعامل مع هذه الموارد خاصة وأن البلاد تعرف جفافا هيكليا غير مرتبط بانتظام التساقطات.. وأن سياسة إنشاء السدود بالمملكة جعلتنا نؤجل الأزمة لنعيشها في الوقت الحالي، فهي سياسة لها جدوى، لكن لم تواكبها حكامة وابتكارات أخرى لضمان الأمن المائي والحفاظ على الموارد المائية من خلال تدبير منتظم». الأزمة المائية أصبحت اليوم مفتاحا من أجل ابتكار العديد من الحلول من أجل مواجهتها وعدم الاعتماد كليا على سياسة السدود التي فاق عددها 148 سدا، لكن أزمة من ثلاث سنوات أبانت أنها لم تكن ناجعة، خاصة وأنه لا يكفي التغني بنسب ملء السدود للحديث عن تحقيق «الأمن المائي». فدروس اليوم أصبحت تقتضي استخلاص العبر منها والبحث عن البديل الذي لا مناص منه خاصة في ظل الحديث عن وجود بدائل بدأ المغرب يدرسها بجدية رغم وجود مشاريع، مازال بعضها منذ أعوام على رفوف الوزارات التي تعاقبت على تدبير الماء، خاصة تحلية مياه البحر رغم كلفتها العالية أو الاستمطار أو تغيير مجرى بعض الأنهار نحو مناطق تعاني من الخصاص في إطار مشروع النهر الصناعي الذي أصبح الحديث حوله جديا اليوم. مدن كبرى في مأزق مدينة مراكش أصبحت من ضمن المدن المهددة التي قررت إعادة تشغيل واستغلال قناة جلب الماء من سد المسيرة لمواجهة الطلب الكبير على هذه المادة الحيوية، علما أن هذا السد يزود أيضا مدن الدارالبيضاءوالجديدة وآسفي وسطات وبرشيد بالماء، لكن الضغط الكبير عليه جعله يفقد أزيد من 90% من طاقته المائية ويصبح على حافة الجفاف، ما جعل مسؤولي الدارالبيضاء يفكرون في اللجوء إلى تقنية تحلية مياه البحر التي يمكنها أن توفر للساكنة حوالي 300 مليون متر مكعب من المياه سنويا، لكن للأسف بناء محطة للتحلية لن يتم إلا عام 2026 كما سبق لنزار بركة أن صرح بذلك أمام البرلمان. وفي انتظار ذلك يتم حاليا الاعتماد على المياه القادمة من سد سيدي محمد بنعبد الله بضواحي الرباط، الذي كان يزود الدارالبيضاء الشمالية بالماء لمواجهة هذا النقص، هذا إلى جانب استمرار الضغط الكبير على الصبيب المائي في مدن وجدةوالرباط وسلا وفاس والجديدة، التي تفكر في الاعتماد على مشروع النهر الصناعي، والاستمطار السحابي من أجل مواجهة الحاجيات الفلاحية وتزويد الساكنة بالمياه. المنسوب المنخفض لم يضرب السدود التي تزود المدن الرئيسية فقط، كما هو حال سدّ سيدي محمد بنعبد الله الذي يزود مدن الرباط وسلا وتمارة والصخيرات وبوزنيقة وبنسليمان والمحمدية والدارالبيضاء الشمالية بالماء الشروب، والذي تبلغ حقينته 250 مليون متر مكعب وفقد 75% من طاقته الاستيعابية، لكن هناك أيضا مشاكل تعاني منها سدود «إيمفوت» و»الدورات» و»المنع» والتي تبلغ حقينتها 141 مليون متر مكعب، وهو نفس الوضع الذي تعيشه الجهة الشرقية التي تعتمد على مياه سيدي مشرع حمادي ومحمد الخامس ويتم من خلالها تزويد مدن وجدة وتاوريرت والناظور وبركان والسعدية والدريوش وزايو بحمولة مائية تتجاوز 12 مليون متر مكعب، لكنها تعرف خللا جعل سلطات هذه المدن تزود الساكنة وفقا لبرنامج يومي لا يتعدى بضع ساعات، يتم بعدها قطع الماء عنهم، ما جعل عددا منهم يعتمد على المياه الجوفية، خاصة وأن أغلب منازل وجدة تتوفر على «آبار» تجعلها تتجاوز هذه الأزمة لكن مرحليا فقط، في انتظار إطلاق أشغال إنجاز مشروع محطة تحلية مياه البحر بالناظور، لكن يبقى السؤال دائما حول نجاعة هذه الحلول وهل بإمكانها أن تساهم في التخفيف من الأزمة، خاصة وأن العامل الحاسم والذي يمكنه أن يضرب بكل هذه المخططات عرض الحائط هو هطول الأمطار وإعادة ملء السدود إلى نسبها الطبيعية، علما أن السدود نفسها، وحسب المعلومات المتوفرة أصبحت حقيناتها تعاني من رواسب الطمي والعوالق النباتية التي تتطلب إزالتها تخصيص موارد مالية ضخمة، فهل ستكون هذه الموارد ضمن الميزانية التي سبق لوزير التجهيز والماء نزار بركة أن أعلن أنها تصل إلى 115 مليار درهم ضمن المخطط الوطني للماء للفترة ما بين 2020-2027 والذي أطلقه جلالة الملك، وهل سيكون لتحديث الآليات التشغيلية لهذه السدود دور في توسيع حقينة السدود خاصة وأن ملايين الأمتار المكعبة من المياه تهدر سنويا نتيجة الحالة التي وصلت إليها رغم اللجوء في السنوات الأخيرة إلى سياسة بناء السدود التلية بمحاذاة السدود الرئيسية الكبرى كحل من الحلول لاستغلال المياه المهدورة؟ شرفات أفيلال (*) أزمة الماء في حاجة إلى مراجعة السياسيات العمومية «يعيش المغرب حالة جفاف حادة وقاهرة ويمكن أن تكون مقلقة، لم يعشها منذ أربعين سنة، وهي أزمة لم تمس اليوم العالم القروي فقط. ورغم أننا عشنا حالات جفاف مماثلة، لكنها كانت تطال بالأساس المناطق التي تفتقد إلى البنيات التحتية والتجهيزات المناسبة». هكذا بدأت شرفات أفيلال الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء سابقا تصريحها ل»الأيام» بخصوص النقص الحاد الذي يعرفه المغرب في ما يخص موارده المائية، مضيفة أن هذه الأزمة أصبحت اليوم بمنزلة تهديد لما يعرف ب»الأمن المائي» للبلاد، خاصة وأن الأزمة وصلت إلى كبريات المدن المغربية، وعلى رأسها الدارالبيضاءومراكشووجدة وإلى حد ما الرباط ، فخلفت بالخصوص عجزا متراكما لأكثر من أربع سنوات متتالية على مستوى التساقطات المطرية، انعكس على انخفاض الواردات المائية في السدود التي أضحت كبرياتها تسجل أدنى مستويات الملء، وعلى رأسها سد المسيرة الذي يزود الدارالبيضاء بالخصوص والذي سيضطر أيضا إلى تزويد مراكش في المستقبل، مشيرة إلى أن هذا العجز مس أيضا سد سيدي محمد بن عبدالله الذي فقد 85% من طاقته، بحكم أنه يزود كلا من الرباط وسلا ومناطق من القنيطرةوالبيضاء. شرفات أفيلال، أشارت إلى أن كل هذه المعطيات دفعت القطاعات المعنية بالخصوص إلى إعلان حالة جفاف قاهرة، واتخاذ إجراءات من شأنها فقط أن تخفف من حدة الوقع على الأمن المائي والاستقرار بصفة عامة، وبالتالي فإن الإجراءات التي تقوم بها القطاعات العمومية خاصة قطاع الماء ووزارة الداخلية لا تعتبر حلولا جذرية ولكنها استعجالية للتخفيف من وقع الأزمة، كنقل فائض نهر سبو إلى سد سيدي محمد بن عبدالله الذي قلنا منذ زمن أنه يجب أن يتم، وأيضا تدابير ترشيد وتقنين أو قطع المياه الموجهة لسقي المساحات الكبرى. ولكن هذه الأزمة هي بمثابة جرس إنذار للقائمين على تدبير القطاع بمختلف المتدخلين المتعددين بحكم أنه حان الوقت لإعادة النظر في نمط الحكامة المعمول به وبالخصوص في القطاعات التي تستلزم الترشيد والحفاظ على الموارد المائية، وعلى رأسها القطاع الفلاحي، من أجل تنمية فلاحية مستمرة بحكم أنه لا يمكن تأجيلها، وبالنظر إلى دورها الاقتصادي وتشغيلها لليد العاملة ومساهمتها في جلب العملة الصعبة، لكن لا يمكن الاستمرار بوتيرة تتجاوز بكثير القدرات المائية المتاحة اليوم، مضيفة أنه لا بد من إعطاء الاعتبار لأمر هام يتعلق بهذا القطاع الذي يعد قطبا من أقطاب التنمية، أي أنه لا بد «أن نرفع من مردودية أنظمة السقي التي تكون في بعض الأحيان متدنية جدا، وأن نستثمر فيها لتأهيل قنوات السقي وأنظمة الري وقنوات الجر الكبرى التي تسجل معدلات متدنية أيضا، حيث أننا يمكن أن نربح في هذا المجال أكثر مما يمكن أن نربحه في البحث عن موارد مائية إضافية، وربما كان هذا أحد أبرز الخلافات التي كانت لنا مع القطاع الوصي على الفلاحة»، تقول الوزيرة المنتدبة السابقة في الماء التي تابعت قائلة: يجب أن يعرف الجميع أننا نعيش في بلد جاف أو شبه جاف، ولا بد من استحضار هذا المعطى في اختيار المزروعات التي أصبح المغرب مقبلا عليها وتستهلك الكثير من المياه رغم أن مجالها الطبيعي هو المناطق الاستوائية. وبالتالي فتشجيع الأفوكا التي من المفروض أن تغرس في مناطق ذات معدل تساقطات يصل 1500 أو 1600 ملم في السنة بمثابة إنهاك للموارد المائية لدينا، بحكم أن المغرب يسجل معدلات أمطار لا تتجاوز 600 ملم سنويا، وهذا من السياسات العمومية الخاطئة، وهنا يجب أن نراجع بعض الاختيارات العامة، مع النزوع إلى تشجيع المزروعات التي تتأقلم مع الطابع المناخي للمغرب. وبخصوص رؤيتها لبعض التدابير التي يمكن أن تساهم في مواجهة هذه الأزمة، خاصة اللجوء إلى استعمال بعض التقنيات مثل «تحلية مياه البحر» أو استمطار السحب»، قالت شرفات أفيلال إن «الاستمطار» ذو مردودية ضعيفة لكنه يبقى حلا يمكن أن نشجعه في بعض المناطق لأنه يحتاج إلى نسبة من الرطوبة التي تفوق 85 في المائة، لكن تحلية مياه البحر من الحلول التي يمكن من خلالها الحصول على المياه الصالحة للشرب. أما بالنسبة للفلاحة، فإن تكلفتها ستكون كبيرة بالنسبة للفلاح الصغير الذي لا يمكنه أداء من 4 إلى 5 دراهم لكل متر مكعب، لكنه يبقى حلا مشجعا للفلاح الكبير خاصة لمصدري الفواكه الحمراء نحو أوروبا، علما أن التحلية تضيف أفيلال، تبقى بديلا لا محيد عنه خاصة في المناطق السياحية، حتى نترك المياه الأخرى توجه إلى مناطق ليس لديها منفذ إلى البحر، لكن الحل يبقى بالدرجة الأولى هو مراجعة بعض الاختيارات والسياسات العمومية في التعاطي مع قضايا الماء. (*) وزيرة منتدبة مكلفة بالماء سابقا محمد بنعبو (*) المغرب وصل إلى حالة إجهاد مقلقة قال محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، والمتخصص في الهندسة البيئية، إن المغرب يعيش اليوم حالة طوارئ مائية جاءت بعد أن أصبحت نسبة ملء السدود مقلقة، لم يتم تسجيل مثيل لها منذ 30 عاما حيث لا تتجاوز الربع أي ما يقارب 40 مليار متر، وكل هذه الأرقام تؤكد أن المغرب وصل إلى مرحلة إجهاد مقلقة، خاصة إذا تم ربط ذلك بالتقارير المائية التي تتحدث عن تراجع الماء بحوالي 40 في المائة. وكل هذه المؤشرات تؤكد أن هناك ضرورة لتسريع وتيرة العمل من أجل تنويع العرض المائي. بنعبو أكد في تصريح ل»الأيام» أنه، وفي إطار البرنامج الوطني الذي أطلقه جلالة الملك، من المرتقب أن يتم الانفتاح على حلول جديدة من خلال تحلية المياه بإنشاء حوالي 20 محطة مع نهاية البرنامج، علما أنه ولحدود الساعة يتوفر المغرب على 9 محطات كما سيتم افتتاح ثلاث محطات نهاية هذا العام بكل من الداخلة وأسفي والناضور إلى جانب المحطة الكبرى بالدارالبيضاء التي ستعرف انطلاق التزود بها عام 2026 . وعلى ضوء هذا البرنامج سيتم الانفتاح على عدة خيارات كما هو الشأن بالنسبة لاستعمال المياه العادمة، إذ يطمح المغرب في إطار المخطط لتوفير مليار و200 مليون متر مكعب لسقي المناطق الخضراء والملاعب الرياضية ومواجهة استنزاف الفرشة المائية للحفاظ على المياه الجوفية وإعطائها قيمتها لضمان الاستدامة. وبخصوص سؤال يتعلق بأثر التغيرات المناخية على حالة الجفاف والندرة المائية التي تعرفها دول العالم اليوم ومنها المغرب، قال الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، والمتخصص في الهندسة البيئية، إن كل مؤتمرات المناخ التي تنعقد تكون مخرجاتها مبنية على مقررات لعلماء المناخ الذين يقدمون تقارير استباقية ويقدمون تصوراتهم التي يعيشها العالم خاصة تلك المعلقة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط التي تعرف تغيرات مناخية استثنائية بنسبة 20 في المائة والدليل الجفاف الذي يضرب المغرب وأيضا الأنهار الكبرى التي تراجعت منسوباتها سواء في المغرب أو إسبانيا أو البرتغال أو فرنسا، لكونها تعيش نفس الظاهرة، وبالتالي فهي خصائص مشتركة بسبب تغيرات المناخ. مضيفا أن هذه المخرجات تهم جميع الدول الموقعة على الاتفاقية الإطار الموقعة بريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992 وملحقاتها من أجل التعاطي مع أي تغيرات محتملة في ما يخص المناخ، مؤكدا أنه لوحظ بعد نهاية مرحلة انتشار فيروس كورونا ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير، حيث يبرز آخر تقرير صدر خلال شهر ماي الماضي بالأمم المتحدة أن الأرقام تضاعفت بوضوح، وسيكون لها أثر على الجفاف، وبالتالي فرغم أننا نتحدث عنها اليوم فقد كان من المفروض ألا نعيشها إلا في عام 2030 لكن بسبب التغيرات المناخية فنحن نعيشها حاليا وهي ظاهرة طبيعية تتفاقم بسبب الأنشطة البشرية التي تساهم في تأزيم الوضع وتعميق الجراح. (*) خبير في المناخ والتنمية المستدامة ومتخصص في الهندسة البيئية إلهام بلفحيلي (*) ل"الأيام": أزمة المياه أول معالم أثر التغيرات المناخية بداية، ما قراءتك لما يعيشه المغرب اليوم من نقص حاد في المياه، وهل للتغيرات المناخية دور في هذه الندرة؟ هناك مسألة أساسية يجب الاتفاق عليها وهي أن المغرب يعاني بشدة من آثار التغيير المناخي، لأنه يقع في إحدى أكثر المناطق جفافا في العالم. والتي تعرف بوتيرة أسرع توالي ظواهر طبيعة مثل الجفاف والتسونامي والفيضانات، كما يمكن أن تعرف اختفاء مدن ساحلية في المستقبل بحكم تواتر هذه الظواهر التي ستؤدي إلى اختلال في النظم الإيكولوجية وقد تظهر أمراض جديدة، أو تؤدي إلى هجرة قسرية بسبب نقص المياه. ما هي أبرز تمظهرات التغيرات المناخية، وهل نحن أمام بروز مناخات جديدة يجب الاستعداد للتعايش معها؟ طبعا، فمن المتوقع حسب الدراسات أن تؤدي التغيرات المناخية إلى زيادة في درجات الحرارة وانخفاض الأمطار. حيث تتوقع تقارير تزايد درجات الحرارة ما بين 1 إلى 1.6 درجة بحلول عام 2030 كما ستعرف الأمطار تراجعا بحوالي 14 في المائة، ونحن أمام حقيقة وواقع يقولان إن المغرب سيكون من أكثر الدول تضررا من هذا التغير. هل تعتقدين أن ثلاث سنوات متتالية من الجفاف كانت كافية لكي يتم دق جرس الإنذار بالنسبة للمغرب؟ في المغرب، بدأ تفاقم أزمة المياه كأول معالم التغيرات المناخية، بعدما توالت عليه مواسم الجفاف منذ ثلاث سنوات. يمكن أن نسميها أزمة جفاف بنيوية، فقد أصبح هذا كجزء من كينونة مناخنا، وناقوس الخطر بدأ يدق بالفعل. ولعل أول ما أظهره هذا الجفاف، هو أن المغرب لم يعد يتوفر على الموارد المائية الكافية كما كان عليه الأمر مثلا في عام 1960 حين كان نصيب الفرد منه هو 2560 لترا مكعبا من الماء. واليوم، لم يعد هذا النصيب يتجاوز 620 مترا مكعبا، وهذه حالة تسمى علميا بالإجهاد المائي، لأن النصيب الطبيعي للفرد سنويا يجب أن يكون في حدود أو يفوق 1000 لتر مكعب، أما لو وصلنا إلى 500 لتر مكعب للفرد سنويا فإننا سنتحدث آنذاك عن حالة من النقص المطلق. وهذا كله لكي نفهم بأننا اليوم في وضعية جد صعبة. علما أن التوقعات العلمية تؤكد أن المغرب سيكون عرضة للفيضانات والجفاف والتسونامي والحرائق. هل ما نعيشه اليوم دليل على عدم نجاعة سياسة إنشاء السدود التي أطلقها الملك الحسن الثاني رحمه الله؟ سياسة السدود مهمة جدا، والمغرب لديه مخطط لبناء 59 سدا جديدا حتى 2030، لكن مع ذلك ليس لدينا الآن وفرة في الماء. وبالتالي، لبناء السدود الجديدة، يجب أولا تنقية السدود الحالية لأن نسبة ملئها اليوم غير حقيقية، بسبب الوحل. يجب العناية بالسدود الحالية لعل السنة القادمة تكون ممطرة، وربما يمكننا بهذا معالجة بعض النقص المائي وليس كله. ما هي الحلول الأخرى التي تعتقدين أنها قادرة على مواجهة الأزمة؟ أعتقد أنه يجب أيضا الاهتمام بالطاقات المتجددة التي يجب أن تصبح جزءا من الفكر الاستراتيجي للدولة، وكذلك تأهيل القدرات البشرية والتقنية التي يمكنها تأهيل نظام الإنذار بالكوارث الطبيعية. لدينا تجربة مع اليابان في منطقة أوريكا بجماعة «ستي فاضمة» بإقليم الحوز، حيث يوجد نظام للإعلام بالكوارث والفيضانات وكل ما سيقع من كوارث. كما يجب تكوين القدرات البشرية والتقنية وتعزيزها لأن ما هو قادم خطير، والمغرب اليوم، لكي يتكيف مع التغيرات، يجب أن يعزز قدراته لمواجهة كافة الكوارث الطبيعية القادمة. كل شيء ممكن لأننا قد نكون في قلب كوارث طبيعية خطيرة. كما يجب من الآن تعزيز قدرة السكان على التكيف مع الجفاف في المناطق القروية، حتى يعرفوا كيف يطورون خياراتهم التقنية حتى لا تداهمنا الهجرة القسرية، فالعالم القروي اليوم يجب أن ينصب عليه الاهتمام، حول كيفية الحفاظ على سكانه وتعزيز قدراته وطبيعة الزراعات التي تناسبه. لدينا مدن على ضفاف الوديان وإذا ضربها فيضان فستختفي، وهذه ليست مجرد توقعات بل هي ممكنة الحدوث في أي وقت. كما أن هناك مدن تعيش انقطاعات يومية في المياه، ولذا على الحكومة أن تفكر في استراتيجيات لحل المشكل في المدن وتطوير العالم القروي. كيف يمكن لكافة المتدخلين في القطاع الانخراط بحملات توعية بخصوص التغيرات المناخية والمحافظة على الماء كمادة حيوية وضرورية للحياة؟ التوعية والتعريف بأهمية ما ينتظرنا من خلال وسائل الإعلام ضروريان، لأن المغاربة لم يستوعبوا بعد أن العالم يتغير. ربما نحن كخبراء نشعر بذلك، ولدينا تخوفات حقيقية، ويجب أن نتحرك فورا، ولكن الغالبية العظمى من الشعب المغربي لا تشعر بهذه الأخطار، وحتى الحملات الداعية إلى المحافظة على الماء تنحصر في نقص المياه لا في الكوارث المحيقة بالمغرب وبالتالي يجب على الشعب أن يفهم ويتصرف، كما يجري في كل دول العالم. يجب أيضا إعادة النظر في التعليم، لتحسيس الجيل الحالي وإشعاره بأهمية التغيرات المناخية وكيف يحافظ على هذا الكون، وإدخال الثقافة البيئية ضمن المقررات والمناهج، وتعليم الصغار كيف نحافظ على هذا المشترك. اليوم نحن نعاني من خطر لا علاج له ولا حل إلا التكيف معه، ولكي يتم التكيف يجب فهمه. لذا لا بد من تحرك المجتمع المدني أيضا لموجهة هذا التحدي، بندوات ومبادرات يساهم بها مع الدولة من أجل توعية حقيقية مجتمعية. مشكل التغيرات المناخية مشكل دولي كبير، تعاني منه البشرية. والحرب القادمة ستكون حرب مياه، وهي حرب حياة أو موت، والذي سينجح في الحفاظ على المياه ويخلق فرصا جديدة هو الذي يمكنه أن يعيش ويستمر، ومن المؤكد أن التغيرات ستفرض على الشعوب نمطا جديدا للعيش، فمثلا ذوبان الثلوج بالقطبين الشمالي والجنوبي سيكون بمثابة امتداد للبحر ومعه خطر محو مدن بكاملها، وإذا لم نقدر نحن اليوم على التكيف، أو التفكير في الحلول البديلة وتحمل الدولة لمسؤوليتها فإننا أمام حالة فناء أو بقاء. نحن في المغرب قمنا بخطأ جسيم حين عرضنا المياه الجوفية لاستغلال مفرط، وهي التي كان بإمكانها أن تحمينا من الجفاف، إلى جانب انتشار حفر الآبار غير القانونية إلى درجة أن كل من يريد حفر بئر يقوم بذلك بسهولة، واليوم هناك آبار خاصة تستنزف الفرشة المائية وهي غير مرخص لها علما أن معدل استهلاك المياه في البيوت لا يتجاوز 1%. المغاربة استنفدوا المياه الجوفية، ولم يعتنوا بالسدود العناية اللازمة، فضلا عن السماح بالزراعات التي تستهلك المياه. للأسف، بعد 60 عاما من الاستقلال لم تنجح السياسات المائية في إقناع المواطن بترشيد الاستهلاك المائي. والتقارير الدولية اليوم كلها تتحدث عن المغرب باعتباره من أكبر الدول عرضة للتغيرات المناخية، وليس هناك خيارات كثيرة أمامنا، ولذا يجب على الشعب أن يعرف الحقيقة. صحيح أن سياسة الملك الراحل الحسن الثاني في بناء السدود كانت ذكية لكنها لم تستمر، ولا أعتقد أن منع غسل السيارات أو سقي الحدائق هو الحل لأن هناك زراعات تستهلك المياه أكثر، والإجراءات الحالية هي لحظية ولمحاولة وقف النزيف فقط أما معالجة الاختلالات فتتم بطرح حلول مستدامة، خاصة بالنسبة للعالم القروية الذي يعاني بشكل أكبر. (*) باحثة في قضايا التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية