في ذاك النشيد المتراص عن منبث الأحرار بحثت عن مغربيتي ، فلم أجدها ، أرشدوني إلى مشرق الأنوار فلم أجد ضوءا ولا قمرا ووجدت بعضا من ذاكرتي الموجودة في غرفة الإنعاش دون أن أبحث لماذا ولجت غرفة العتمة ، لم أحب سؤال الوجوه التي أعياها الألم ، الوجوه التي تشبهني في الخيبة والكثير من اليأس ومضيت هائما بحثا في السؤال إلى أقصى درجاته ... "" تساءلت صغيرتي هل للسؤدد منتهى ومنتدى وحراس وخدم ؟ اكتفيت بالنظر وسألتني هل أنا مغربية؟ وماذا تعني الكلمة ؟ أليست هي التي قال فيها شاعر الجرح سميح القاسم في بطاقة معايدة لنا: " أسوة بالمغاربة الهائمين على أوجه الذل والموت في ليل مليلية الخائبة ". انصرفت حزينا وقلبي يبكي كثيرا من قلبي ... ورددت مع المنشدين : أسوة بتلك المقطورات الحزينة من عهد شارل دوغول والماريشال ليوطي ، أسوة بتلك القرى الحزينة التي ظلت على حالها ، أسوة بتلك الكلمات التي سمعناها منذ كنا صغارا : بالروح بالدم نفديك يا وطني أسوة بفلاحين وجدوا قبالتهم سماء أوقفت كرمها بعمال شح فحمهم فوجدوا أنفسهم بلا مأوى وبلا تدفئة أسوة بكتاب ناموا طويلا وحينما استيقظوا وجدوا نفس كلمات المدح أسوة بالراحل فينا دما أن ودعنا دون أن يسأل : كم مغربيا لايقرأ أسوة بالظلام الدامس هنا وهناك بعدد المصابيح التي عطلت في حروب الكر والفر بين القبيلة والعشيرة أسوة بالقائمين فيها سهوا أن أعدوا قليلا من الطب والدواء أسوة بذاك النشيد المتراص الذي لم أحفظه بذاك الدم الذي تقطر في حبات الرمل وفي المتوسط بين أمواج البوغاز والغرق، أسوة بمغاربة يهود لم يتذكروا سوى مواسم شموع ووطن أقل أسوة بمهاجرين مغاربة حفظوا النشيد ونسوا هوية الوطن أسوة بالغارقين بحرا وبالناجين موتا دون نسب أسوة بأطفال المدارس وسقوف الموت وفيضانات الألم أسوة بطنجة تموت تحت المطر أسوة بمراكش المرابطين تختنق بفنادق الشبق أسوة بقرى ظلت فيها النساء وغاب فيها الرجل أسوة بالبرد القاتل في انفكو أسوة بالحر القائظ في مخيمات الصفيح المنتشرة في ربوع الأهل والوطن وتسألني أيها القادم من هناك ، لما تحزن على هذا البلد؟ لما تعاند صبر هذا الوطن ؟ لما تبكي دموعا تشبه أحزان هذه المداشير ؟ لاتسألني كما فعل طارق أين المفر ؟ أسوة بروح شهداء قلما سمعنا أخبارهم أسوة بمعتقلات لم نعد نذكر منها إلا فظاعة الدم والوطن، أسوة بالقادمين نحونا ، أسوة بالفارين قبلنا ، أسوة بصحراء لم تشبه الصحاري أسوة بالطامعين فينا وبأرضنا أسوة بالأشقاء يضحكون عنا بمعدلات النمو والوهم ، أسوة بالحاكمين فينا مثل ملوك التتر أسوة بمغربية شقت الحجر ولم تنجب المعتقل أسوة" ببويا عمر" ومغاربة الذل والقهر أسوة بالمعتقل الشريف ومدينة الأحلام تازمارت أسوة بالخاشعين فينا ، العابدين ، الناسكين ، الحجاج ، الصيام ... أسوة بالصوامع وبالقرويين أسوة بنهارنا ، بليلنا، بوعدنا المغربي الذي طال أسوة بشاعر أحب أن يكون مغربيا لدقيقتين ليرى العجب ، أسوة بمدينة العيون ولم يصلها قطار منذ زمن فيا أحبة ، بدمعنا ، بفقرنا ، بحبنا ، بكل ما حبل به حب هذا الوطن ، أن أعيدوا السؤال معي من أنا؟ مغربي النفس ، مغربي الهوى مغربي الحس واللمس والسمع والنوى كم مغربيا أنا، وكم مغربية قتلنا الضجر ... وكم وكم مغربية قتلنا حب هذا الوطن .... وكم وكم مغربيا قتلنا ألم هذا الوطن ...