كم اللحظات التي فكرتَ خلالها في أن تركن جانبا غاية اللحظة حقيبة جلَّ ما تراكم، تقطع تماما دون مواربة تُذكر حبل الودِّ، ترتمي صوب الأثير بعد كل شيء، حيث اللاشيء، إلا من رحمة هواجسكَ الصديقة بغير ثِقَل كوابح هوية متسلِّطة وعقيمة، متجرِّدا من كل تَرَاكم الحيِّز سوى ما يسعدكَ حقا، تعانق بملء ذراعيكَ، وأنت سيِّد متسيِّد، ما تريده بكلِّيَة شعوركَ، أحضان المجهول الزاخر، كأنَّكَ لم تعش سلفا، قَطّ، ما لا ترغب فيه. تستعيد رحابة وجودكَ. فلتأت الموت، إذن! . تضاريس الجسد، ترانيم العزلة، بلاغة صمت مطبق بلا نَفَس.. لا أحد ينتظركَ، لا تنتظر أحدا، لا تنتظر الانتظار، الانتظار موت جبان. الموت ذاكرة عذراء. أخيرا، أنتَ كما أنتَ حقا، مثلما ينبغي لكَ أن تكون افتراضا. تبدأ بداية أخرى، غير كل ما تحقق، تعلن عن ولادة أصيلة. هذه المرة، تنبعث خارج مصيركَ وفق مبتغى إرادتكَ، ترحل رحيلا دؤوبا وجهة عالم يتسع بصحة وعافية لنفسه، بلا هوية ولا تاريخ ولا نماذج مؤرقة. عالم يشبه، أولا وأخيرا، وجوده الشفاف، بلا أزمنة مستكينة ولا أمكنة يتيمة ولا لعبة رتيبة ولا ممثلين يدمنون جحيم الأقنعة، أكانوا من النوع الموهوب أو مجرد هواة. العالم جحيم الأقنعة. فعلا، تبعثر الوصايا إلى شظايا، تولد ثانية بكيفية حرة، كما تريد ومثلما ترغب. ولادة مستمرة، خلال كل لحظة في تشكيل حيوات للحياة، وترقُّب الموت باعتباره تحققا آخر لهذه الحياة. محض حياة. موت عارٍ حيال كل توافق أو تواطؤ أو تنازل أو تردُّد. تتجرَّد يا هذا من كل شيء، نحو غياهب اللاجدوى، تُبقي فقط على ذاتكَ، فتغدو حقا، مثلما أنتَ، بدون ماهيات خافتة، مترهِّلة، ممسوخة، مشروخة تلملم بالكاد ترَّهات الزيف، عندما تدمن معاني حقيقتكَ. يستحيل على هذه الحياة أن تستقيم في يوم من الأيام، دون أن تكون عنوانا لحيثيات الدرجة الصفر. أبحثُ باستمرار عن اللامكان، مكان بلا أبعاد ولا جغرافية معلومة، فلا أتحمَّل ثباتا ولا يستهويني ترسُّخ بعينه، غير راغب في دغدغة ماض، ولا بطافة تعريف موصولة بمواضعات الزمان والمكان، وتقويمات الأيام والسنين. أنتقل، أسافر، أحلِّق، أطوي العالم، أستدعي الآفاق، أعانق اللانهائي. أموت مثلما يجدر الموت بشخص عانق دائما المجهول وانتصر باستمرار لحياة لا تأبه بالموت. يسكنني الرحيل، لا أتبيَّن للاطمئنان طريقا، أبحث دون كلل عن بداية تقذفني صوب اللااكتمال، حيث إنسانيتي ضمن ميزان البحث. مزاج مطاطي يضجره الامتثال، تخنقه كل حياة متماثلة الشكل. رحيل منفتح على اللانهائي، حيث لا شيء بتاتا، ثم كل شيء بالمطلق. أمشي فوق ممكناتي، ألاحق منتهاي حيث لا يتوقف ولا ينتهي. تصبح الموت رحلة سعيدة، أسافر كي أكتشف هذا المعنى الفالت بكيفية زئبقية، القابع بين تفاصيل شتى. يكفيني فقط انتشال ذاتي من المعطى والجاهز. الدرجة الصفر للوجود، كما الدرجة العراء بالنسبة لجسدكَ، تعالي الروح، بياض الحواس شغفا بالحياة. أسافر حيث ينبغي لي أن أرحل، وقد انتشلت كياني من سطوة التنازل وجبروت تكييف الممكن. الزمان لعبة صامتة للتلاشي، المكان تجربة للتحايل على الموت، الآخر تأجيل بكيفية ما لسؤال الذات.