تل أبيب أوقفت حربها على غزة مع تنصيبه رسميًا بينما كانت سحب الغبار والدخان تواصل تبددها من سماء غزة، ويواصل المواطنون الفلسطينيون المنكوبون بحثهم بين الركام عن متعلقاتهم الشخصية، ويعالجون جروحهم بكي الذاكرة، على أمل أن يكونوا قادرين على استعادة وهج الروح المنطفئ بفعل الحرب والنار، كان الأميركيون في الجهة المقابلة من العالم يحتفلون بتنصيب رئيسهم الجديد باراك أوباما، الذي على ما يبدو لأجله فقط انحنت إسرائيل بشكل مبطن وأوقفت حربها على القطاع، فاسحة المجال أمام أدائه اليمين الدستورية بهدوء، فكل الأصوات والنداءات التي تبلورت بجلها في مبادرات عربية وأوروبية داعية لوقف إطلاق النار لم تلق من تل أبيب أذن صاغية. "" بل أن إسرائيل قزمت كافة الجهود والضغوط عندما وافقت فقط على هدنة يومية مدتها 3ساعات خصصت لنقل الجرحى وجثث الضحايا، وإدخال الحاجات الأساسية للسكان في غزة، وما فتئت هذه الهدنة حتى خرقت من الدولة العبرية، بحجة أن الأجنحة العسكرية الفلسطينية تطلق الصواريخ تجاه بلداتها الجنوبية، رغم إدراك إسرائيل المسبق أنها هدنة من طرفها فقط، إذ أن المسلحين الفلسطينيين أكدوا مرارًا أنهم مستمرون في مقاومة القوات الإسرائيلية ما دامت متواجدة على أرض غزة. على أي حال، العديد من المراقبين يرون في إيقاف إسرائيل لحربها على غزة قبل قدوم الرئيس الأميركي ذو الأصول الأفريقية لسدة الحكم، دليلا على ريبة وخشية إسرائيلية من سياسة هذا الرئيس الذي بدأ عصره بتوقيع قرار ينص على إغلاق معتقل غوانتنامو. الريبة الإسرائيلية من عصر أوباما يمكن تلمسها، من خلال استعراض المقالات التي تكتب في الصحف العبرية، إذ يعتبر د.دانييل بايبس، مدير منتدى الشرق الأوسط في الولاياتالمتحدة خلال مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، وعنّون ب" الديمقراطيون وإسرائيل: إلى أين يسير أوباما؟" أن فريق أوباما يظهر اهتماما بحماس. إضافة إلى ذلك، يوجد لرجاله ميل لإظهار نهج "متوازن" أكثر، وممارسة الضغوط لفرض مفاوضات وتقسيم القدس. باختصار يقول بايبس: "سياسة الإدارة (الأميركية) تجاه الدولة اليهودية سيعاد اختبارها". ويستشهد بايبس بعبارة قالها مات بروكس، مدير التحالف اليهودي الجمهوري، وهي أن "الديمقراطيين يديرون ظهر المجن لإسرائيل أكثر فأكثر". وهذا الميل بحسب المقال الذي نشر اليوم الخميس يبشر بحلول توتر من شأنه أن يظهر في السنوات الأربع القادمة. ويتابع بايبس: "التوترات قائمة منذ اليوم. من جهة، رجال اوباما لم ينددوا بحرب إسرائيل ضد حماس، وأضافوا بان ليس في نيتهم عقد اتصالات مع حماس، وان إسرائيل هي الحليف الأساس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وان سياسة الولاياتالمتحدة ستبقى تراعي الاحتياجات الأمنية لإسرائيل. ومن جهة أخرى، فريق اوباما يظهر اهتماما بحماس. إضافة إلى ذلك، يوجد لرجاله ميل لإظهار نهج "متوازن" أكثر، وممارسة الضغوط لفرض مفاوضات وتقسيم القدس. باختصار، سياسة الإدارة تجاه الدولة اليهودية سيعاد اختبارها". ومن ناحيته، يكتب آفي رتسون في صحيفة معاريف، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي سبب للحماسة من انتخاب باراك أوباما، بل أنه يرى أن أي رئيس جمهوري للولايات المتحدة كان سيكون أفضل من اوباما لإسرائيل ومصالحها. ويقول رتسون: "يجب على الساسة وعلى متخذي القرارات (في إسرائيل) أن يحذروا الرئيس الجديد. لأنه يجب قول الحقيقة، وهي أن إسرائيل كانت تستطيع أن تكون أكثر اطمئنانا لو انتخب لولاية رئاسة اقوي قوة في العالم جون ماكين أو إي مرشح جمهوري آخر، لا اوباما أو أي ديمقراطي آخر". ويضيف: "أن تعيين دينيس روس لمنصب رفيع حول اوباما لا يبشر بالخير أيضا. أن روس سياسي في كل شيء ويحسن الخوف من لعبه بالورق. عندما يضع روس أوراق اللعب على الطاولة، تكون إسرائيل ودائما إسرائيل هي التي تدفع الثمن. وإذا كان روس هو الذي يصرف الأمور دخولا وخروجا في الشرق الأوسط، ويضع على مائدة الرئيس ووزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون ورق اللعب، فقد تبلغ التنازلات الإسرائيلية هذه المرة شارع 443. وعندها لن يحتاج الإرهابيون الفلسطينيون من اجل إسقاط طائرة مقلعة أو هابطة لإل عال أو شركة الخطوط الجوية الأمريكية في مطار بن غوريون، لن يحتاجوا إلى صواريخ قسام او إلى صواريخ غراد غير المحكمة. يكفيهم قناص مسلح ببندقة كلاشينكوف خفيفة متنقلة ليشل دولة كاملة". أما الكاتب الإسرائيلي عوزي بنزيمان، فلم يخف إعجابه بسياسة أوباما وشخصه، ويقول: "صحيح انه لا يمكن شرح النجاح النيزكي لاوباما دون فهم قدرته على اللعب على وتر تماثل الجمهور الأمريكي. فاوباما يتميز بقدرة نادرة عند السياسيين: فهو يبث أصالة، يبث وطنية، وهو يرتسم كشخص مكترث. يحتمل أن يتبين مع الوقت بان هذه السيماء هي صورة ذكية حاكها له خبراء في العلاقات العامة، ولكن حاليا يثير اوباما الثقة في أن مضمونه كشكلة وان ممثل مخلص للجموع وأن بفضل هذه الميزة وصل إلى البيت الأبيض. ويضيف بنزيمان: "المرشحون الأساسيون الذين يتنافسون على قيادة الدولة في إسرائيل تعوزهم هذه الميزة (يقصد التي يتحلى بها أوباما): فهم يعتبرون تقنيين سياسيين لا يتميزون عمليا الواحد عن الآخر وليس لدى أي منهم بشرى أصيلة والرسائل التي على ألسنتهم يصوغها مستشارون إعلاميون ومتحمسون لتصميم الصور. ويتابع: "فضلا عن ذلك بيبي نتنياهو، تسيبي لفني وايهود باراك يبدون كمن يعتبر رئاسة الوزراء هو "مكان عمل"، ما وصف ذلك ايهود اولمرت، أي "جوب"، مهنة، وليس رسالة وطنية أو مهمة إنسانية عاجلة. وفي هذا لا يختلف الثلاثة عن عموم السياسيين في البلاد وفي العالم: مرة واحدة فقط في الجيل يخرج احد ما يسعى إلى القيادة ليس كي يلبي أمنية أنانية، بل لان في عظامه يشتعل إحساس بالرسالة". إيلاف