كثيرٌ من تلاميذ المؤسسات التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية، العمومية، وحتّى طلّاب الجامعات، يشتكون من عدم فهْم واستيعاب الدروس، وهو ما يدفع التلاميذ، ممّن تسعف الإمكانيات المادّية أولياء أمورهم، إلى الاستعانة ب"الدروس الإضافية"، لدى الأساتذة أنفسهم، الذين يدرّسونهم في المؤسسات التعليمية العمومية. فلماذا يشتكي التلاميذ والطلبة من عدم شرح الدروس من طرف الأساتذة؟ سؤال حملناه إلى المعنيين بالأمر (الأساتذة)، وإلى مدير ثانوية، وقبل التطرّق إلى أجوبتهم، هذه إطلالة على رأي التلاميذ والطلبة. "الأساتذة لا يشرحون لنا الدروس" تقول كريمة، تلميذة في السنة الثانية ثانوي "الأساتذة لا يشرحون لنا الموادّ الأساسية، كايْحطّو لينا الدروس عْلى قدّها وكايقولو لينا دْبّرو معاها، وكأننا طلبة في الجامعة"، وتضيف "أنا بحاجة إلى الساعات الإضافية، لكنّ إمكانيات والدي لا تسمح، لذلك أحاول أنْ أعتمد على نفسي، والكمال على الله". زكرياء، طالب في كلية الحقوق المحمدية، يرى أنّ مشكل عدم شرح الأساتذة للدروس تتداخل فيه مسببات متعدّدة، منها أن الجامعة المغربية لم تتطور، ثم مشكل البنية التحتية والاكتظاظ ونظام الوحدات المعتمد بالكليات... غير أن القسط الأكبر من المسؤولية، حسب زكرياء، يتحمله الأساتذة أنفسهم، "ففي الظروف نفسها، وفي المدرجات ذاتها، وأمام نفس الطلبة تجد أساتذة يقومون بمهمتهم على أحسن ما يرام، وتكون نسبة استيعاب الطلبة للمحاضرة عالية جدا". ويضيف زكريا أنّ الأساتذة ليسوا جميعهم سواسية، "فهناك أساتذة أكفاء يؤدّون رسالتهم على أتمّ نحو، وهناك أساتذة، وهم أصل المشكل، والذين أسميهم دائما ب"المعلمين الجامعيين"؛ هؤلاء لا يفعلون أي شيء غير قراءة ما يأتون به مكتوبا على أوراقهم، وهم الفئة العريضة للأسف". هناك فئة أخرى من الأساتذة، يقول زكرياء إنهم يتغيبون كثيرا، "وحتى عندما يحضرون لا يقومون بشيء داخل المدرج غير الحكي عن سفرياتهم و ندواتهم"؛ محمّلا ما تبقّى من المسؤولية لوزارة التعليم العالي، داعيا إيّاها إلى تفعيل المراقبة وإيجاد آلية للتكوين المستمر للأساتذة وإعادة النظر في نظام الوحدات، "الذي يهدر من الزمن الشيء الكثير، إذ بعملية حسابية بسيطة نجد أن الطالب لا يدرس سوى أربع أشهر في السنة". ومثل خديجة، التلميذة في السنة الثانية ثانوي، تقول نورة، عن تجربتها ما بعد البكلوريا، إنّ الأساتذة في الجامعة "يكتفون فقط بتلاوة الدروس أمام الطلبة داخل المدرّج، دون شرحها، وفي النهاية يرمون إليك نسخة، افهمها أو لا تفهما". وتضيف نورة، أنّ ما يهمّ أغلبية الأساتذة في الجامعة هو اقتصاد الوقت، دون الاكتراث لدرجة فهْمِ الطلبة للدروس، وهو ما يُفضي إلى أنّ الطلبة بمجرد أن يمرّ الامتحان ينسوْن كل شيء ممّا درسوه في الجامعة. "هناك أساتذة آخرون الله يهديهم، يأتون بدروس أعدّها أساتذة غيرهم، ويتلونها علينا، وإذا طرحت عليهم سؤالا يجيبونك: "قم ببحث، وأْتِ بالجواب"، تقول نورة، محمّلة المسؤولية لغياب المراقبة والتفتيش، "فلو كانت هناك مراقبة، أعتقد أنّ الأساتذة سيبذلون مجهودا لشرح الدروس للطلبة". غيرَ أنّ هذا لا يعني أنّ جميع الأساتذة على هذه الشاكلة، تقول نورة "على كل حال، لا يجب علينا أن نسقط في التعميم، هناك أساتذة من مستوى عال، يشرحون الدروس جيّدا للطلبة، وتطرح نقطة مهمّة، وهي أنّ الطريقة التي يُعامل بها الطالب من طرف أستاذه، تجعله عندما يصير بدوره أستاذا ينهج الأسلوب نفسه مع طلبته. "المشكل يكمن في المنظومة التربوية" عدمُ استيعاب تلاميذ المؤسسات التعليمية وطلبة الجامعات للدروس، مشكل لا يكمن في بضعة أساتذة، بل في المنظومة التربوية بأكملها، حسب عبد الرحيم الوالي، أستاذ مادة الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي، بثانوية الخوارزمي التأهيلية بأكدز نيابة زاكورة. يقول عبد الرحيم الوالي "قد يكون هناك أساتذة لا يشرحون الدروس بالشكل الكافي، لكن المشكل ليس هنا؛ فحتى إذا افترضنا أن هناك أساتذة يتهاونون في الشرح، فإنّ المشكل ليس في بضعة أساتذة، بل في منظومة تربوية بأكملها، و بالتالي فما قد نقصده ب"الشرح الكافي" ليس ثابتا، وإنما هو متغير، ويرتبط بمستوى المتعلّمين، ومكتسباتهم القبلية، وجملة من العوامل الأخرى التي تتدخل في العملية التعليمية التعلّمية. ويضيف الوالي أنّ متطلبات تلميذ في مستوى الباكالوريا، يتقن اللغة التي تُدرّس بها المادّة، ليست هي متطلبات تلميذ في المستوى نفسه ولا يعرف بعدُ كيف يُركّب جملة ويربطها بجملة لتكوين فقرة، موضحا أنّه حين يكون المستوى العام للمتعلمين على هذه الدرجة من التعثر فمعناه أن هناك خللا فادحا، وجسيما، على مستوى المكتسبات القبْلية. الخلل الذي تعاني منه المنظومة التعليمية، يوضح الأستاذ الوالي، يجعل فئة من المتعلمين متعثرة، مهْما بذَل الأستاذ من جهد في نقل محتوى المادة الدراسية إليهم، بسبب عدم توفرههم على المكتسبات القبْلية الضرورية، "وستعتبر أن الأستاذ "لا يشرح الدروس". وإذا كان الأستاذ عبد الرحيم الوالي، يعزو شكوى عدم استيعاب التلاميذ للدروس، إلى وجود خلل في المنظومة التعلمية، فإنّ محمد ملوكي، أستاذ التعليم الثانوي والإعدادي بمؤسسة تعليمية خاصّة في الرباط، يذهب إلى أنّ عدم فهم التلاميذ للدروس واضطرارهم إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية، تتدخل فيه عدة عوامل، منها ما هو مرتبط بالأستاذ، ومنها ما هو مرتبط بطبيعة المقرّر الذي يدرّس في المؤسسات التعلمية، ومنها ما هو مرتبط بالتلميذ وبالأسرة وبالمدرسة ككل. ويشْرَح الأستاذ ملوكي قائلا "إذا كان الأستاذ لا يتقن فنّ التواصل مع تلامذته ولا يُحْسِن إيصال المعلومة بالطرق التي يفهمها الكل، فهو حتما يدفع التلميذ إلى البحث عن أستاذ آخر يشرح له ما استعصى عليه فهمه داخل الفصل". من الأمور الأخرى التي تدفع التلاميذ إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية، يضيف ملوكي، عدم إلمام الأستاذ بمعطيات المادة التي يدرّسها للتلاميذ، وعدم سعيه إلى البحث عن المستجدّ فيها، وركونه إلى ما هو مقرر فقط، "تلقائيا لن يفيد التلميذ بالوجه المطلوب ويدفعه هو الآخر إلى ساعات إضافية". من ناحية أخرى، يرى ملوكي، أنّ المدرسة بدورها، تدفع التلاميذ إلى البحث عن فهْم الدروس من خلال حصص "الساعات الإضافية"، قائلا "المدرسة التي تعاني من سوء تدبير ومن اكتظاظ داخل فصولها تدفع بتلامذتها إلى البحث عن ساعات إضافية للفهم لتعويض ما يضيع عليهم داخل الفصل من فهْم بسبب المشاكل التي تتخبط فيها تلك المدرسة". "منظومة تعليمية عرجاء" موضوع فهم واستيعاب الدروس من طرف التلاميذ داخل الفصول الدراسية، حسب مصطفى تاج، أستاذ التعليم الابتدائي والكاتب الوطني الشبيبة المدرسية التابعة لحزب الاستقلال، لا يمكن مناقشته بدون الوقوف على مكامن الخلل في المنظومة التعليمية ككل، "ففي نظري الشخصي، يقول تاج، النظام التعليمي بالبلاد لا زال نظاما أعرجَ يطبَعُه الكثير من الاعوجاج والاختلال، وهذه حقيقة مُرّة للأسف". يقول مصطفى تاج، إنّه بعد مرور 57 سنة من الاستقلال، لا زالت المبادئ الأربع التي نادت بها الحركة الوطنية والتي لطالما دافعت عنها المكونات الحيّة بالبلاد، والمتمثلة في التعميم والمغْربة والتوحيد والتعريب، إضافة إلى مَبْدأي المجّانية وإدماج اللغة الأمازيغية بشكل كُلّي مع الانفتاح على اللغات الحية وعلوم التكنولوجيا الحديثة لم تتحقق بعد. وأضاف، "لا زال نظامنا التعليمي يحاكي أنظمة تعليمية مستشرقة أو مستغربة، مما يجعل أفواج التلاميذ المغاربة من خريجي المدارس المغربية يعيشون في التيه". هذا الوضع، يوضّح تاج، يجعل التلاميذ والطلبة غير قادرين على مواكبة متطلبات سوق الشغل الوطنية والدولية وغير مؤهّلين لفهم واستيعاب المتغيرات التي يفرزها التدافع في فنون التكنولوجيا والتقنية الذي يشهده العالم بأسره. الأزمة التي تعاني منها المدرسة المغربية، يشرح مصطفى تاج، ما هي إلا انعكاس "للواقع المُزري" الذي تعيشه المنظومة التعليمية ككلّ، ويتجلّى ذلك، بوضوح، حسب رأيه، في كون الكثير من الأساتذة في المدارس العمومية يكونون مجبرين على تدريس مناهج غير راضين عنها هم أنفسهم، "ونرى تجليات ذلك في العديد من الأساتذة الذين يدرسون في المدارس العمومية ويرسلون أبناءهم للتعلم في مدارس الخصوصية، والشيء نفسه بالنسبة للمسؤولين أنفسهم، فمديرو الأكاديميات ووزراء الحكومة بمن فيهم الوزير المسؤول الأول عن القطاع أبناؤهم يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية، وهذا تناقض صارخ في نظري"، يوضح تاج. "الأساتذة ليسوا سواسية" "شكوى التلاميذ والطلبة من عدم شرْح الأساتذة للدروس بما يكفي لفهْمها واستيعابها، لا يعني أنّ الأساتذة جميعهم سواسية، لذلك لا يجب أنّ نعمّم أنّ كل الأساتذة لا يشرحون الدروس بما فيها الكفاية"، حسب إدريس ربيح، أستاذ التعليم الابتدائي بسيدي بنور. ويوضّح "هناك أساتذة مُتفانون ومُكدّون، وعدم شرح الدروس بما فيه الكفاية هو قول يحتمل عدة قراءات ويستوجب طرح عدّة تساؤلات، منها: هل يمكن تأويل عدم الشرح بعجز الأستاذ عن إيصال المفاهيم والتعلمات؟ أم بغياب الوسائل التعليمية، أو صعوبة المحتوى وعدم ملاءمته لمستوى التلاميذ؟ أم أن المستوى التعليمي ومكتسبات القبلية للتلاميذ لا تسمح لهم باستيعاب الدروس؟". ربيح يرى أنّ إشكالية عدم فهْم واستيعاب الدروس إشكاليّةٌ مُعقّدة ولها عدة مسببات متداخلة، لخّصها في ضعفٍ في المستوى المعرفي والتكويني للأستاذ في بعض الأحيان، وغيابٍ للوسائل و الدعامات التعليمية، وتدني المستوى التعليمي للتلاميذ، وإيثار بعض الأساتذة العمل في القطاع الخاص وعدم الاهتمام بالمدرسة العمومية، إضافة إلى أنّ التلاميذ، يوضح ربيح، أصبحوا لا يبذلون المجهود المطلوب، ويعتمدون بالأساس على الأستاذ، وفي المقابل يتوقعون نتائج حسنة. من جهتها، ترى الأستاذة فاطمة، أستاذة التعليم الثانوي بالقصر الكبير، أنّ عدم فهم واستيعاب الدروس من طرف التلاميذ، راجع لعدّة عوامل وأسباب، منها سوء التخطيط في البرامج الكثيفة من خلال تنوع المقررات والمناهج، وعدم إشراك الفاعلين التربويين المباشرين للعملية التعليمية من أساتذة ومهتمّين بالمجال التربوي وباحثين، وعدم اهتمام الحكومات بإصلاح التعليم، وتبني نظام العتبة والتركيز على الكمّ بدل الكيف، كانتقال المتعلمين بأقل من المعدل الطبيعي حسب أسلاك التعليم، مما ينجم عنه صعوبة مسايرة التلاميذ للمستويات الأعلى. وتضيف الأستاذة فاطمة، أنّ ثمّة أسبابا أخرى تعوق عملية الفهم والاستيعاب، من ظاهرة الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية، وغياب البنية التحتية في القرى والبوادي على مستوى التعليم الابتدائي، مما يجعل عمل المدرّس غير ذي جدوى، نظرا لصعوبة التأقلم والحياة في مناطق نائية، وغياب الضمير الحي لدى فئة من المحسوبين على وزارة التربية الوطنية سواء في التسيير الإداري أو التدريس بالقسم، وهروب جملة من الشباب إلى مبدان التعليم بحثا عن لقمة العيش وليس حبا في المهنة . "لذلك ففاقد الشيء لا يعطيه". مدير ثانوية: المسؤولية يتقاسمها المسؤولون والأسر إذا كان الأساتذة، من خلال إجاباتهم أعلاه، يحمّلون القسط الأكبر من مسؤولية عدم فهم واستيعاب التلاميذ والطلبة للدروس للمنظومة التعليمية، فإنّ مدير ثانوية بمدينة الدارالبيضاء، تحفّظ عن ذكر اسمه، ذهب في الاتجاه نفسه، قائلا "الشكوى يجب أن توجه لواضعي البرامج والمقررات الدراسية الملغومة، وللسياسة العامة في مجال التعليم، ولمن نقصوا حصص الكثير من المواد، وإلى الذين أثقلوا محفظة التلميذ بعشرات الكيلوغرامات من الاوراق دون احترام لحاجات التلميذ المعرفية". وإضافة إلى المسؤولين عن وضع المقررات والبرامج، يضيف المتحدّث أنّ المسؤولية تقع أيضا على عاتق من لا يتعاونون ولا يراقبون أبناءهم من الأسر "التي لا تعرف أحيانا حتى المستوى الذي يدرس فيه أبناؤها". وأبدى مدير الثانوية دفاعا عن الأساتذة، قائلا إنّ الشكوى يجب أن تكون "ضد من خططوا منذ عقود لتفقِد المدرسة العمومية دورها التنويري والتربوي، وعملوا على تشويه رجل التعليم والتحامل عليه وتسخير الكثير من المنابر لتحقير ما يقوم به في البوادي والجبال والمداشر والمناطق المنسية، متحديا كل الظروف التي تعاكس طموحه في التربية والتعليم وتجعله يركب اليأس والاستسلام، وهذا هو ما يرده من خططوا بذكاء مقيت حتى تفقد المؤسسة التربوية العمومية دورها في محارية الجهل".