من مختلف أنحاء العالم والجنسيات وبألسنة متعددة، يجتمع مريدو ومحبو الطريقة القادرية البودشيشية في مقر زاويتهم بمداغ- إقليمبركان؛ وإن كان الملتقى العالمي للتصوف الذي يتزامن سنويا مع ذكرى المولد النبوي الشريف يخصص حيزا مهما لمناقشة مواضيع دنيوية من زاوية صوفية في منتديات وندوات، فإن الحيز الأكبر من هذا الملتقى تطبعه الروحانيات عبر الذكر المتواصل (يقصد به ذكر الله) والسماع والمديح النبوي. "هذه ليلة مباركة ميمونة.. يربح من صلى عليه.. الله الله" و"تشوقت روحي لشط الوادي" أنشودتان من بين مجموعة من أناشيد المجموعة الوطنية للسماع والمديح للطريقة القادرية البودشيشية، بدون مناسبة وفي أي وقت وحين وفي أي قاعة أو بهو أو جانب من مقر الزاوية التي تأتي على مساحة شاسعة فوق تراب قرية مداغ الفلاحية بامتياز، لا يضيع مريدو ومحبو الطريقة فرصة في الصدح بحناجرهم بها، فيغطي سماعهم ومديحهم على صخب الأرجاء حيث تجري الاستعدادات على قدم وساق للتحضير ل"الليلة الكبرى" أو "الليلة" كما يسميها المريدون، وهي ليلة الاحتفال بذكرى المولد النبوي والتي اختاروا لها ليلة الأحد عوض ليلة السبت. وفي الليلة الماضية، كان زوار الزاوية القادرية البودشيشية على موعد مع المجموعة الوطنية للسماع والمديح للطريقة القادرية البودشيشية التي تضم عشرة أعضاء ويترأسها نجل شيخ الطريقة معاذ القادري بودشيش، وغصت قاعة الندوات التي تتسع لمئات المقاعد بالحاضرين الذين يحفظ أغلبهم جميع ما أنشدته المجموعة، وفي الصف الأول كان جمال القادري بودشيش، شيخ الطريقة، يقابل فرقة الإنشاد ويردد خلفها، ولمرتين قام من مقعده وقام معه الجميع ليؤدوا طقس "الحضرة". الفضوليون في كلمته خلال افتتاح النسخة العاشرة ل"القرية التضامنية"، أمس الجمعة، ذكر منير القادري بودشيش، نجل شيخ الطريقة ومدير مؤسسة "الملتقى" المنظمة للملتقى العالمي للتصوف، "الفضوليون"، جاء ذلك مباشرة بعد ترحيبه بالمريدين والمحبين للطريقة قائلا: "الفضوليون كذلك مرحبا بهم". وبالفعل، يحضر هذا الملتقى السنوي الكثير ممن لا تربطهم أية صلة بهذه الطريقة الصوفية أو بالتصوف عامة، محركهم للقدوم وإن من بلدان بعيدة هو الفضول والرغبة في الاستكشاف عن قرب ما يحدث داخل هذه الزاوية الأكبر في المغرب والأوسع انتشارا في العالم من حيث المنتسبين. "قادني في البداية الفضول إلى هذا المكان"، يقول بيير وهو فرنسي يدين بالإسلام ويقيم بباريس. وأضاف في حديثه لهسبريس: "لدي منذ وقت طويل اهتمام كبير بالروحانيات، الروحانيات بشكل عام قبل أن أكتشف الصوفية والتصوف". اكتشاف بيير للزاوية القادرية البودشيشية حديث العهد، فبداية بحثه عن مصادر الروحانية كان من فاس، يراها الفرنسي ذو التجارب المختلفة في مجال الصحافة والإعلام إحدى أهم المدن المغربية من حيث الروحانيات "تصوير البنيان العتيق في فاس كان السبب في قدومي إلى المغرب خلال المرة الأولى". وخلال إحدى دورات الملتقى السابقة، حضر بيير إلى مداغ رفقة مجموعة من معارفه حيث كانت بالنسبة إليه "فرصتي لأتعرف على منبع الروحانيات" وفق تعبيره، ثم استطرد: "أهتم الآن بنقل جميع تفاصيل هذا الملتقى سواء بعدسة كاميرا الهاتف أو آلة التصوير الخاصة بي.. إنه شيء أحب أن أقوم به منذ استيقاظي إلى الليل خلال هذا الأسبوع". طارق، أمريكي من أصل باكستاني، يحضر إلى الزاوية القادرية البودشيشية لأول مرة بناء على دعوة من أحد أقاربه المنتسب إلى الطريقة، قال في حديثه لهسبريس: "والدي كذلك ينتسب إلى هذه الطريقة الصوفية لكنني لم أكن أبدا مهتما". سألناه إن كان حضوره لأنشطة الملتقى إلى غاية لقائنا (أمس الجمعة) كون لديه أية فكرة عن التصوف وعن الزاوية البودشيشية، فأجاب: "في الحقيقة أنا فقط أكتشف ما يقع هنا، وأعتقد أنه من أجل الانتساب إلى طريقة ما يجب أن تعرف عنها الكثير وتقرأ عنها؛ وهو ما سأقوم به بالتأكيد". وبالنسبة لطارق فإن "المسلمين القاطنين في الدول غير المسلمة يشعرون دائما إلى الحاجة في الانتماء؛ وهو ما يفسر انتشار هذه الطريقة بشكل واسع في العالم".