في مستهل شتنبر من كل سنة، تتجند الأسر رافعة شعار تحضير الأبناء ماديا ومعنويا للاندماج في الحياة المدرسية، على أمل تحقيق نتائج دراسية مرضية كفيلة بالتدرج في المستويات الدراسية. وبالرغم من التفاوت في الإمكانيات المرصودة نظرا للحالة المادية للأسر، إلا أن الغاية واحدة والعزم معقود على نظام تربوي قادر على تأهيل المتمدرسين مهاريا ومعرفيا وسلوكيا. وبالموازاة مع حالة التعبئة الأسرية القصوى، فإن المؤسسات التربوية تعمل على تجديد هياكل الاستقبال للمتمدرسين الجدد والقدامى، ومباشرة الإجراءات الإدارية اللازمة لإنجاح عملية التسجيل، وتسهيل مستلزمات الاندماج في الحياة المدرسية. ليبقى السؤال مطروحا: أي جديد يحمله الدخول المدرسي بيداغوجيا وديداكتيكيا ؟ وما مكانة القيم المدرسية في النظام التربوي المغربي؟ تتميز عملية اندماج المتعلم في سيرورة التحصيل الدراسي بحالة من "الإلزام"، ذلك أن اللقاء الأول بين المدرس والمتعلم موسوم بوضع "النقط على الحروف"، بالنظر لما ينتظره الأول من الثاني. يشكل هذا اللقاء اللبنة الأولى لبناء شخصية المتعلم واندماجه في الوسط المدرسي، مما يجعل من المدرس مطالبا بتفادي أسئلة الاستنطاق الرامية لتكريس منطق إعادة الإنتاج، لينتهي اللقاء بتسجيل لائحة من اللوازم المدرسية المطالب إحضارها، على وجه التعجيل، في الحصة القادمة. مشهد روتيني طبع الواقع التربوي المغربي، مما يدفعنا لبسط الاختلالات المصاحبة لمرحلة استهلال السنة الدراسية: بيداغوجيا: في مستهل كل سنة دراسية، يكون المدرس ملزما بسرد العدة الديداكتيكية الموصلة لتحقيق أهداف التعلم، الأمر الذي يؤكد عدم انخراط المتعلم في عملية التعلم وأنه مرهون بمقترحات المدرس وتوصياته لبلوغ أهدافه الشخصية للتعلم. ويعكس عدم تفعيل التواصل البيداغوجي الفعال داخل الفصول الدراسية، مؤشرا واضحا لغياب علاقة بيداغوجية بين المدرس والمتعلم. يضاف إلى ذلك، "دهشة البداية" التي تصيب غالبية المتعلمين وعدم الاستعداد لمواصلة التحصيل الدراسي المعزز للمكتسبات القبلية، حيث أن فئة عريضة من المتعلمين تحتاج لمدة زمنية متوسطة من أجل التأقلم، سرعان ما تنتهي ببزوغ فجر فروض "المراقبة المستمرة. والملاحظ من عملية التقويم التشخيصي للتعلمات، غياب أجرأة تقييمات نفسية وتقنية، راصدة لحالة الاستعداد النفسي ودراسة الدافعية الذهنية للمتعلمين قبل الشروع في استهلال مرحلة التعلم. ديداكتيكيا : ما إن تنتهي سنة دراسية، حتى يشعر المتعلم بتحرر ذهني وراحة نفسية، ولا أدل على ذلك ، إهمال "العدة الديداكتيكية السابقة "، مما سيلقي بظلاله على مدى اكتساب الكفايات العرضانية والممتدة، ذلك أن فئة مهمة من التلاميذ، تعمل على التخلص من الكتب المدرسية السابقة والملخصات المنجزة، من أجل التحضير لاستيعاب معارف جديدة. وفي ظل غياب التأطير عن بعد، المبني على ربح الزمن التدريسي، والقائم على التوثيق ورقمنة المنجزات السابقة، فإن أي وضعية-مشكلة تنتمي لعائلة الوضعيات، قد تطرح صراعات معرفية مستجدة، سبق وأن تم التوصل لحلول نهائية حولها سلفا. وفي مباشرة السنة الدراسية بالتقويم التشخيصي، دون برمجة أسابيع للدعم الفوري المعزز لمكتسبات السنة السابقة، فإن النتائج المحصلة عليها لا تعكس المستوى الحقيقي لأداء المتعلم الدراسي، على اعتبار أن التقويم التشخيصي محطة تعقب الدعم الفوري نظرا للانقطاع عن التعلم لمدة زمنية معينة، ونتائج التقويم ورش مهم لقياس مدى تملك الكفايات على طول السنة الدراسية. وفي رصد هذه الاختلالات، تتمركز أهمية تفعيل "التربية على القيم" بوصفها إحدى الركائز الأساسية للمنهاج التربوي المغربي، بالنظر لتزكيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين، القائمة على تصنيف القيم وضرورة استحضارها في الوسط المدرسي. ومن بين القيم الواجب استحضارها داخل المدرسة: " القيم المدرسية" المبنية على الانخراط الإيجابي للمتعلم في الوسط الدراسي والمساهمة في تنميته، وكذا الشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء للمدرسة. ومن أجل الوصول للتفعيل، فإن البيداغوجيا تلعب دورا بارزا في بلوغ هذه الغايات. ويعتبر اعتماد "البيداغوجيا المؤسساتية "، القائمة على التواصل ووضع أسس لتحقيق النجاعة التعلمية، بالإضافة لخطة عمل بعيدة المدى، رامية لتحقيق أهداف التعلم، الحل الأمثل لأجرأة القيم المدرسية في الوسط الدراسي . وفي تحويل الفصل الدراسي "لمؤسسة قائمة الذات"، فإن العلاقة البيداغوجية تتخذ مسارا طبيعيا، مبنيا على التشاركية في اتخاذ القرارات، كما أن العمل الجماعي يتعزز بفعل تقسيم المهام بين المجموعات، وتشكيل مجموعات للدعم والمواكبة. ويعتبر "مجلس القسم"، وسيلة استشارية مهمة، مرسخة للدمقرطة في الفضاء التعلمي، مما يجعل المتعلم مهيأ قبليا للانخراط في التحصيل الدراسي ، يفعل هدم حاجز الخوف والخجل اللذان يعترضان التواصل البيداغوجي الفعال. ويتعزز هذا التوجه، بإحداث نظام تحفيزي للتقييم، قائم على تقديم درجات رمزية وهدايا للمتفوقين في كل محطة تعلمية معينة، ولا يقتصر التقويم على التعلمات بعينها، بل يصل لحد دراسة مدى انضباط المتعلم مع القانون الداخلي للفصل، والانخراط الإيجابي في دينامية المجموعة التي ينتمي اليها، وقدرته على الالتزام بالمسؤوليات الموكلة. وتلامس البيداغوجيا، مرتبة مثالية من النجاعة التربوية، بفعل إسهامات منظريها، الهادفة لإحداث "العملة الداخلية"، والقائمة على إقامة صندوق للتعاون المدرسي بين المتعلمين، تكرس المساهمات المحصلة منه في تنفيذ مشاريع متنوعة، خادمة لمشاريع التعلم، ورامية لربط المدرسة بالواقع الاجتماعي، وملامسة لوضعية المتعلمين الاجتماعية. صفوة القول، تشهد مؤسساتنا التربوية في مستهل كل موسم دراسي، حالة من الارتباك المؤسساتي، بفعل تحويل العملية التعلمية-التعليمية، خدمة عمومية، يراد لها تحقيق الحد الأدنى من الاندماج الكامل للمتعلم في المساهمة في تنمية وسطه الدراسي. ودون إعادة النظر في دور المدرسة في التنمية المجتمعية، ومدى مساهمتها في تكوين أجيال قادرة على الانخراط في الدينامية المجتمعية، فإن كل دخول مدرسي لن يشهد حماسا وشغفا للتعلم من لدن المتعلمين.