لو حاولنا استعراض مأساة فلسطين عبر التاريخ وأسبابها فلا بد أن نعود إلى إصرار الدول الغربية والأروبية على وجه التحديد على غلق أبوابها في وجه المشردين التائهين من اليهود في بداية القرن الماضي وبالضبط في سنة 1902م حينما إرتأت بريطانيا أن تصدر قانونا خاصا وتخرجه للعلن، مفاده منع دخول المهاجرين اليهود القادمين من روسيا حيث كانوا يواجهون الذبح والقتل، لذا ذهبوا هاربين إلى مختلف الدول الأروبية ومنها بريطانيا التي صدتهم وسدَّت أبوابها في وجههم لتحدوا باقي الدول حدوها . "" هذه الدول، ولكي تتنصل من "عقدة الذنب"، حاولت، وفي مقدمتهم بريطانيا إيجاد حلول ومنافذ لهؤلاء اليهود، فتم عقد مؤتمر (إيفان) لهذا الغرض، واختير كحل مبدئي توزيع هؤلاء اليهود على كل الدول مناصفة. لكن الكثير من هذه الدول رفضت قبول اليهود على أراضيها، وهذا ما أفشل هذا المؤتمر الذي رفضت فيه حتى أمريكا إستقبالهم وفتح الأبواب لهم، وهو ما أعطى قناعة لبعض الدول لإيجاد أرض لهؤلاء كخلاص منهم. من منطلق هذا التصور، ولدت فكرة الأرض الموعودة لليهود. وتعتبر الرسالة التي بعثت بها وزير الخارجية البريطاني عام 1917م إلى اللورد "روتشيلد" أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد بإسم "وعد بيلفورد" أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود في أرض فلسطين وفي ما يلي نصها الكامل: عزيزي اللورد زوتشيلد: "يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرته، إن حكومة صاحبت الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبدل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى، وسأكون ممتنا إذا أحطتم الإتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح". وزراة الخارجية // في التاني من نونبر سنة 1917م. وهكذا، وبعدا هذا الوعد، توالت الأيام لتأتي الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من أحدات في الحكم النازي، خصوصا ضد اليهود حينها تحولت فكرة قيام دولة لليهود مطلبا ملحا، وهو ما نتج عنه تأسيس دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وتم الاعتراف بها من طرف الأممالمتحدة سنة 1948م، ولتبدأ الدولة الصهيونية في ممارسة شتى أشكال التعذيب والقمع والاضطهاد كما كان يمارسه عليها هتلر في الحرب العالمية الثانية .. ومنذ ذاك العهد إلى يومنا هذا، أي بعد مرور قرابة الستين سنة على إنشاء هذا الكيان والعالم لا يجيد غير لعبة المشاهدة والتفرج وإحصاء وعد القتلى والمشردين الفلسطينيين على أرضهم المغتصبة. فالإتحاد الأروبي بكامل حكمته يزعق ويصرخ على اختطاف جندي إسرائيلي أو على عملية فدائية نفدت في وجه الإحتلال، او على صاروخ بدائي لفصيل فلسطيني، لكنه يداري وجهه ويخفيه وراء حيطان التنكر حينما قتل العشرات في صبرا وشتيلا وبيت حانون وجنين واليوم في غزة، حيث تسجل مجزرة انسانية بكل المعايير والمقاييس، وهذا الصمت الأوروبي والعالمي ما يثبت ويبين مرة اخرى أنه لا وجود لشيء إسمه "ديمقراطية" وحقوق للإنسان، بل هناك مصالح فقط، ولا شىء غير المصالح ولو على حساب الحقوق التاريخية والأرواح البريئة. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فلعبتها المسلية الدائمة والأبدية هي استخدام "الفيتو" لنسف أي مشروع قرار يدين إسرائيل، فهي الحامي والراعي لها، واليد الطولى التي تضرب بها أعدائها في المنطقة. ربما كل هذه الأشياء أصبحت معروفة ومفهومة من الدول الغربية التي أصبحت ترادف الإسلام بالإرهاب، لكن الغير مفهوم هو الرد الفعل العربي الرسمي المتخاذل، والذي بدون حياء يساوي الضحية مع الجلاد. حتى أن صورة الحكام تبدو مضحكة وهم يتسابقون في الظهور على شاشات الفضائيات ليتفاخروا بالأموال التي قدموها للشعب الفلسطيني وكأنهم خلصوا ذمتهم وقاموا بما عليهم إتجاه شعب يدافع عن القدس الشريف وعن أرض عربية محتلة، فهذا يقول أنه دفع حفنة ملايين والآخر يقول أنه بعث بطائرة أدوية وثالث يتفاخر بأنه بنى قرية دمرها الإحتلال وكأن هذه هي الحلول الممكنة وغيرها لا يوجد!! وهذه نكتة كبيرة لا تدعو للضحك في الحقيقة، لأننا لو أحصينا ما قدمه العرب أجمعين سنجد أنه لا يساوي تكلفة قصر ملك السعودية في الرياض أو ما يصرفه الوليد بن طلال على حفلاته الباذخة، وإن أردنا التدقيق سنجد أن ما يقدم للفلسطينيين يكفي فقط لأن يجعلهم لا يموتون جوعا وليس لأن يحققوا كرامتهم وعزتهم ونخوتهم بإستعادتهم لأرضهم وحقوقهم الكاملة. ويكفي الحكام العرب مثلا كأضعف الإيمان، أن يحولوا المليارات التي تصرف على القمم العربية التي هي عبارة عن سفريات سياحية للملوك والرؤساء ليحكوا فيها عن نكتهم البيخة، إلى الشعب الفلسطيني كدعم صريح لصموده، أليس الأمر أفضل من تضييع الوقت في لقاءات لا نخرج منها إلا بالترهات؟؟ ثم ماذا لو حولنا ميزانية الجامعة العربية التي تشبه الدواء الفاقد لصلاحيته، ماذا لو حولنا أموال تسييرها إلى الشعب الفلسطيني مادامت لا تقدم شيئا للفلسطينيين، وهكذا نرتاح من عمر موسى وزبانيته ويستفيد الفلسطينيون من أموال تذهب سدا. ألا يبدو هذا معقولا؟؟ ثم ماذا لو ألغين فقط اجتماعات وزراء الخارجية الذي تتخذ (الفيفا) قرارات أكثر حزما مما يتخذون هم، ماذا إذن لو حولنا المصاريف التي تتحملها دولهم من أجل اجتماعاتهم في القاهرة إلى الشعب الفلسطيني عوض أن ينتظر هذا الشعب المساعدات الأروبية الذي تملي عليه شروطها قبل أن تهبه لقمة الخبز ليقتل جوعه بها؟؟!! ثم ماذا لو كنا أكثر منطقية من كل ما قلناه سابقا وأن نلغي كل المهرجانات الباذخة التي تقام في كل الدول العربية ونقدم ميزانيتها للفلسطينيين كدعم منا لهم ولكفاحهم التاريخي، أليس هذا ممكنا يا ترى؟؟ أو ماذا لو فعلنا أضعف الإيمان بأن يُخصص كل مواطن عربي ومسلم نصف دولار، أقول نصف دولار فقط في الشهر ليدعم بها الشعب الفلسطيني، ألن تكون المحصلة هي جمع قرابة 700 مليون دولار في الشهر كدعم قار يقي إخواننا الفلسطينيين تقلبات الكرم الأروبي ويحفظ كرامتهم وهم يطالبون بحقوقهم ولا يرضون عنها بديلا؟؟ فيا أيها العرب لا تتركو الشعب الفلسطيني وحيدا تحت رحمة الظلم الأمريكي والقتل الإسرائيلي واللامبالاة الأروبية وقفوا وقفة تاريخية تشهد لكم بها الأيام ومدوا أيديكم لإخوانكم في أرض فلسطين ولو بالقليل لأن هذا القليل قد يفعل الكثير وكونوا على قدر المسؤولية وحسسونا ولو مرة واحدة أن لنا زعماء نتشرف بهم ونعتز إن قرأنا تاريخهم أو رفعنا صورهم أو نطقنا بأسمائهم. Beladi2.jeeran.com