لليوم الثاني عشر على التوالي ، تستمر الطائرات الحربية الإسرائيلية في إمطار أزقة وحارات وشوارع مدينة غزة بزخات كثيفة من القنابل والصواريخ والقذائف ، ونفس الشيء تقوم به الدبابات على الحدود والسفن الحربية التي في البحر . لليوم الثاني عشر على التوالي ، ما زال الشهداء الفلسطينيون في غزة يتساقطون بالعشرات ، وما زالت "الجهود" العربية عاجزة عن استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف الجرائم الإسرائيلية ، في الوقت الذي ما زال الجميع ينتظر ويترقب بصبر نافد "المصير الأسود" الذي توعد خالد مشعل قوات الجيش الإسرائيلي بملاقاته في حال تجرؤها على اجتياح غزة . بينما إيران وسوريا ، "الدولتان الممانعتان" ، تكتفيان بالتفرج وإدانة وشجب "العدوان الإسرائيلي الغاشم" ، تماما كما تفعل سائر الدول العربية الأخرى ، والتي تتخندق في صف "الدول المعتدلة" . أما "حزب الله" اللبناني ، الذي يفخر بكونه يتوفر على ترسانة مهمة من الصواريخ التي تزوده بها إيران ، فهو بدوره لا يفعل شيئا آخر غير التنديد والشجب والاستنكار ، أي كما تفعل سائر الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية . ومع ذلك يقولون بأن الانتصار على العدو الصهيوني آت لا ريب فيه . إنه زمن الهزائم التي لا يخجل البعض في تحويلها إلى نصر مبين ، عندما تجتاحهم أحلام اليقظة . ***** وهذا يعني ، أن هؤلاء جميعهم ، يتخذون أبناء غزة وقودا وحطبا للنار التي يريدون ويتمنون أن تحترق بها إسرائيل ، فيما هم جالسون أمام الشاشات يتفرجون . أبناء غزة يستشهدون ، والنساء تحترق عيونهن بالدموع التي تعصف بأهدابهن ، والشيوخ والعجزة والأطفال الصغار ينتظرون الموت في كل لحظة ، بينما العرب بمن فيهم سوريا "الممانعة" ، وحزب الله "الصامد" ، والمسلمون بمن فيهم إيران ، العدو اللدود لإسرائيل ، كل ما يستطيعون فعله هو أنهم يتفرجون . فلماذا لا تتحرك سوريا ، وهي الدولة الممانعة ، كي ترد على العدوان الإسرائيلي الذي يهدف إلى القضاء على "حماس" التي يتخذ قادتها البارزون من دمشق مقرا آمنا لهم ؟ أم أن كل ما يهم سوريا من دعمها لحماس ، هو استغلالها كورقة ضغط ترفعها في وجه إسرائيل من أجل ربح قليل من التنازلات في مفاوضاتهما السرية ؟ ولماذا لم تتحرك إيران ، وهي التي تملك صواريخ تستطيع أن تبلغ إلى عمق تل أبيب وعسقلان وغيرها من البلدات اليهودية ، وتسحق العدو الصهيوني الذي طالما هدد الرئيس أحمدي نجاد بمحوه من على الخريطة ؟ أو ليست هذه مناسبة سانحة لذلك ؟ أم أن لسان السيد نجاد كما يقول المغاربة "ما فيه عظم " ؟ لذلك يهدد ويتوعد بسحق إسرائيل ، فقط كي تعتقد "الجماهير الغفيرة" التي تحضر إلى تجمعاته الخطابية أنه "بطل" ، وعندما يحين وقت الجد والمعقول ، تختفي الشجاعة ، ويخفت صوت التهديد والوعيد ، وتحل محله بيانات الاستنكار والشجب والتنديد . ولماذا لم يتحرك جنود حزب الله ، وهم الذين يقفون على مرمى حجر من إسرائيل لنصرة إخوانهم في قطاع غزة . فلو اجتمع هؤلاء الثلاثة ، سوريا وإيران وحزب الله ، ونصروا أهل غزة ضد إسرائيل ، لما آل حال غزة إلى ما هو عليه الآن ، لكنهم لن يفعلوا ، لأنهم بكل بساطة لا يتقنون غير الكلام الفارغ ، ورفع الشعارات الخاوية . فأي مصداقية بقيت إذن لهؤلاء ، ونحن نرى اليوم كيف أنهم نزعوا عن أنفسهم "قناع الممانعة" ، الذي يفرض عليهم – لو كانوا حقا ممانعين- ، أن يردوا الصاع لإسرائيل بألف صاع وليس بصاعين فحسب . وها نحن اليوم نراهم على حقيقتهم المخجلة ، بعدما سقطت الأقنعة المزيفة ، وظهرت الوجوه على حقيقتها . فلا تلوموا مصر إذن على إغلاق معبر رفح منذ اليوم فصاعدا ، فهي وسوريا وإيران وباقي الدول العربية والإسلامية في الجبن سواء . ***** عندما أرى الشهداء الفلسطينيين وهم يسيرون محمولين على الأكتاف نحو مثواهم الأخير ، وأرى الأطفال الأبرياء الذين مزقت القنابل الإسرائيلية أوصالهم ، والأمهات المكلومات اللواتي يبكين في صمت ، أشعر بغصة في حلقي ، وأتمنى ، مثل سائر العرب والمسلمين ، أن تزول إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط والعالم ، كي ينقطع نزيف الدم الفلسطيني ، ويسترجع الفلسطينيون أرضهم المغتصبة ، ويعيشوا هانئين . لكني سرعان ما أستيقظ من أحلامي ، وأقول بأن ذلك مستحيل ! كيف لا ، وإسرائيل يعترف العالم أجمع بوجودها ، بمن في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية ، وسوريا التي ما يزال مسؤولوها يفاوضون المسؤولين الإسرائيليين سرا من أجل استعادة هضبة الجولان المحتلة ، ولا تعترف بها سوى حركة "حماس". كيف ستزول إسرائيل من الخريطة ، وهي أقوى دولة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط ، ووحدها التي تتوفر على الأسلحة النووية ، ونظام داخلي ديمقراطي ، من بين كل دول المنطقة . وحتى لو اجتمع العرب أجمعين ، وشنوا حربا جماعية على إسرائيل ، فلن يستطيعوا محوها ، لأن إسرائيل لن تجد نفسها وحيدة ، وهي التي لديها لوبيات ضغط قوية تتحكم في صنع القرار الأمريكي بل والعالمي . لذلك فدعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لها مضمون ، ومن تم يبقى حلم إزالة إسرائيل من الخريطة أمرا مستحيلا . ومن يصر على ذلك فكأنما يدعو إلى حرب عالمية ثالثة . ***** ما هو الحل إذن ؟ وكيف وبأي طريقة سيسترد الفلسطينيون أرضهم المغتصبة ، أو جزء منها على الأقل ، ويبنوا دولتهم المستقلة ؟ إذا أردنا أن نكون واقعيين ، يجب علينا أن نعترف بأن الحل الوحيد لن يخرج سوى من رحم المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني . أما أن يستمر الوضع كما هو عليه منن ستين عاما فهذا ليس حلا . الفلسطينيون يموتون ، وإسرائيل بمجرد أن ترتكب مجزرة تستعد لارتكاب أخرى . فإما أن يكون هناك سلم نهائي ، أو حرب حاسمة . ولكن الفلسطينيين يحتاجون لكي يكون موقفهم قويا أثناء المفاوضات ، إلى دعم عربي مطلق . لكن العرب إذا بقي حالهم على ما هو عليه ، فيجدر بالفلسطينيين أن ينتظروا معجزة من السماء كي تجد قضيتهم طريقها نحو الحل ، ما دام أن وزن العرب اليوم على الساحة الدولية ، كوزن ريشة كتكوت صغير في ميزان الأوزان الثقيلة . وأكبر دليل على ذلك ، هو أن العدوان الإسرائيلي على غزة يسير نحو إكمال أسبوعه الثاني ، وعدد الشهداء يسير بوثيرة سريعة نحو بلوغ رقم ألف شهيد ، فيما عدد الجرحى والمعطوبين لا يعد ولا يحصى ، ومع ذلك لم تستطع الدول العربية حتى عقد مجرد قمة طارئة ، رغم أننا نعرف مسبقا أن لا جدوى من ورائها حتى لو انعقدت ، ولم يستطع العرب رغم كل "جهودهم" استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف المجازر الإسرائيلية التي يتفرجون عليها على شاشات البلازما وإل سي دي بالليل والنهار . وهذا يعني ، أن حل القضية الفلسطينية يمر بالضرورة عبر دمقرطة البلدان العربية ، كي تكون لدينا أنظمة وحكومات تأتمر بأوامر الشعوب ، كما يحدث في البلدان الديمقراطية التي تسيطر على العالم اليوم ، وليس بأوامر البيت الأبيض الأمريكي . حينذاك ، يمكن للشعوب العربية أن تدفع أنظمتها الحاكمة رغم أنفها إلى مساندة الفلسطينيين ، ليس ببيانات الشجب والتنديد ، وإنما بالمساومة والضغط على أصحاب القرار في العالم . فلو كانت البلدان العربية ديمقراطية ، لكان العالم العربي اليوم كتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية مؤثرة لها صوت مسموع ووزن محسوب ، كالاتحاد الأوروبي . وعندما يجد العدو الإسرائيلي نفسه وجها لوجه مع الفلسطينيين المدعومين بهذه القوة ، فلا شك أن كفتا ميزان التفاوض ستكون متعادلة بين الجانبين ، عكس ما يحدث اليوم ، حيث يذهب الفلسطينيون إلى المفاوضات وهم عراة من أي دعم أو مساندة . أما خيار الحرب فقد جربه العرب مع إسرائيل ثلاث مرات ، حينما كانت جذورها لم تضرب بعد في تربة الشرق الأوسط ، ومع ذلك لم يزيلوها من الوجود ، أما اليوم فجذور إسرائيل ضربت في عمق تربة الشرق الأوسط ، ولا حل للعرب سوى أن يقبلوا بالعيش والتعايش معها ، رغم أنها ستظل على الدوام مثل شوكة حادة في حلوقهم المترهلة . لكن المصيبة الكبرى ، هي أن الفلسطينيين اليوم لا يجدون من يدعمهم في صفوف العرب سواء عندما يختارون المواجهة بالسلاح ، أو عندما يجلسون مع عدوهم إلى طاولة المفاوضات ، فبين عام 67 و 2008 ، جرت مياه كثيرة تحت الجسر العربي ، أفرزت أنظمة متغطرسة وطاغية ، و"قادة "مثل الفراعنة ، منهم من قضى أربعين عاما في الحكم ، بفضل الحماية الأمريكية ، وازداد ضعف الشعوب العربية أمام هؤلاء الطواغيت ، حيث خرجت مئات الآلاف من الجماهير العربية قبل أيام لدفع حكامها وحتهم على القيام "بشيء ما" لفائدة الفلسطينيين ، لكن هؤلاء الحكام ظلوا مثل أصنام لا تتحرك ولا تتململ من مكانها . لذلك ضعف الموقف الفلسطيني ، وأصبح الفلسطينيون معزولون . ولذلك سأقول للمرة المليون ، بأن حل القضية الفلسطينية يمر حتما من باب إصلاح ودمقرطة الأنظمة العربية الحاكمة . ما عدا ذلك يحتاج الفلسطينيون إلى معجزة من السماء كي تجد قضيتهم طريقها نحو الحل النهائي ، ويبدو أن هذا الحل في الوقت الراهن بعيد المنال . [email protected]