طرح بالمغرب في أواخر سنة 2013 موضوع تعدد الزوجات بمناسبة المؤتمر السابع للنساء الاتحاديات يوم 20/12/2013، واكتسى جدل حول مطلب "تحريم التعدد" بعض الخطورة. لذلك نرى أن البحث في الموضوع يتطلب سلوك منهج علمي لأجل التناول يسمح لوجهات النظر المختلفة أن تنال حظها من حرية التعبير، ومن ثمة تحويل الموضوع إلى مجرد دراسة تخضع للمنهجية كسائر الدراسات العلمية من جانبها السلبي والايجابي، لأن العلم لا يتوكأ على عكاز الحزبية ولا العقائديةDogmatisme. كما لا يقبل الصمت. لهذا سنخصص هذا المقال لمحاولة وضع منهجية للموضوع تخرج به من التحجر والتسييس الضيق..خاصة بعد صدور بعض فتاوى التكفير وإدراج الموضوع في جداول أعمال اجتماعات المنظمات والأحزاب السياسية مثل المجلس الوطني لPJD. وتبدأ النقطة المنهجية الأولى من ضرورة النظر بعناية الى مرجعية موضوع تعدد الزوجات بين نصين مكتوبين، هما: النص القانوني، ونعني به مدونة الأسرة، (قانون رقم 70.03) وهو قانون وضعي يمكن تسميته "مدونة الأسرة المخزنية" يخضع لقواعد وضع القوانين وتغييرها وإلغائها بالطريقة المخزنية، قانون يجري به العمل ويطبقه القضاة والعدول وأفراد المجتمع أحب من أحب وكره من كره، وهو أحد أعمدة الحكم المخزني.. ونص ديني مقدس وهو: القرآن وهو قار وثابت وكامل لا يحتمل بطبيعته ومصدره أي تعديل أو إلغاء، ويقبل فقط التفسير والتأويل طبقا لمناهج دراسة النصوص الدينية ،وهي معروفة، ولها تاريخ يرجع الى قرون من الزمن، ومن هذه النقطة المنهجية التي بنيناها على "المرجعية" يمكن توجيه انتقادات منهجية الى طريقة صدور مقترح بعض الاتحاديين والاتحاديات الذين لم يحرصوا على صياغة مقترحاتهم حول تعدد الزوجات في إطار دراسة نصوص تعدد الزوجات في مدونة الأسرة، مما أعطى لمقترحهم طابعا سياسيا وحزبيا. وأمكن لبعض أصحاب الفتاوى تصنيفه ضمن معارضة سياسوية ضد حكومة 10أكتوبر 2013...وظهر موقفهم الحزبي لدى البعض وكأنه موجه ضد النص القرآني في ذهن بعض أحزاب حكومة 2011- 2013 مما أتاح لخصومهم (حتى من المنظمات الدينية غير الحزبية) فتح حملة سياسية مضادة تحتمل الكثير من النقد خرجت عن إطار المنهجية الدراسية القانونية ومختلف العلوم التي تدرس علاقات الذكور مع الإناث، حتى على مستوى الكائنات الحية التي تتزوج كالطيور والنحل ،غير البشر،ولا تنظر الى كون تعدد الزوجات في المغرب الحالي هو مجرد نص قانوني وضعي يسمى هذا الوضع الرائج في المجتمع "تعدد الأسر" وليس فقط تعددا لزوجات لا يمكن اعتبار من يطالب بتغييره مجرما أوكافرا يهدر دمه، ولكن يمكن الحكم بهدر آرائه ومقترحاته ورفضها وتفنيدها بالحجج العلمية دون إلحاق الضرر بشخصه، وأن المطلب في حد ذاته جاء متأخرا عن زمنه بالنسبة لكل الأحزاب المخزنية التي طبلت ورقصت لقانون الأسرة، ومنها الاتحاد الاشتراكي بمفهوم ذلك الزمان(2004) وهو وقت تعديل مدونة الأحوال الشخصية (فبراير2004) لتصبح قانون الأسرة، وأنه ليس مطلبا حزبيا قطرت به آخر سحابة، بل هو مطلب للكثيرين والكثيرات بالمغرب وخارجه يخضع لاختصاص كثير من العلوم الطبيعية والعلوم الطبية، وليس جديدا حتى بالنسبة للجمعيات النسائية المغربية الأخرى التي تبنته أو رفضته منذ زمن سابق لوقتنا هذا، وهو ليس مطلبا محتكرا للنساء الاتحاديات المخزنيات المشهورات (أمينة أوشلح، أمينة بوعياش، نزهة الشقروني، لطيفة اجبابدي..والمستفيدات من الحركة النسائية من غيرهن كطريق لوظائف الحكم). وعلاوة على ذلك فإن تعدد الزوجات في المغرب قليل (991حالةسنة2011حسب مندوبية التخطيط) وهو ممنوع جزئيا بنص المادة41 من مدونة الأسرة فما بعدها، وهو مصنف ضمن الموانع المؤقتة ،ونقصد أنه ممنوع مطلقا على الفقراء، وهم من لايملكون الموارد الكافية لإعالة الأسرتين ،أو أربعة أسر حسب تعريف المدونة، ولا يهم سوى الأغنياء، وأصبح التعدد مقيدا، وصعب المنال وخاضعا لحكم قضاة الأسرة، وهم الذين يأذنون به للأغنياء فقط ويمنع عليهم الإذن به لضعيف الحال والفقير، حتى لو كانت له قدرة لتطبيق العدل الجنسي بين أربع زوجات.. وعلى الذين يعارضون التعدد أن يعارضوا نصوص قانون الأسرة ،والميز الطبقي ،وليس التهجم على القرآن، وحتى على الأفراد، وشغل الناس بالفتاوى المتسرعة، والخطب الحزبية التي لا تغير شيئا من الواقع، وعلى السياسيين والمجتمع المدني والمفتين، أن يفتحوا نقاشا جديدا حول تغيير مدونة الأسرة وهي أكبر قانون ينص صراحة على الميز الممنوع دوليا، إذا كانوا فعلا يرغبون في إصلاح وضعية الزواج.لأن مغاربة الخارج ممنوعين من التعدد بمقتضى قوانين الدول التي يقيمون بها)عدد المهاجرين المغاربة يصل الى4.5 مليون نسمة)،وكثرة الأبناء والبنات الناتجين عن زواج التعدد يؤدون الى التضخم الديموغرافي في مجتمع ينعدم فيه تنظيم النسل وهو الموضوع الأهم وأكثر من تعدد الزوجات..ولفت النظر الى كون التعدد يخضع للمساومات(إذن الزوجة الأولى والقضاء). والنقطة المنهجية الثانية تعتمد على كون تعدد الزوجات يرتبط بالوضعية الاجتماعية لبعض الأسر المغربية المركبة والمعقدة، ونقصد الجانبين الاقتصادي والاجتماعي والجنسي، وهو مادة في علوم الاجتماع والعلوم الجنسية La sexologie فالمغرب الحالي مكون من أجيال وأسر نتج بعضها عن نظام تعدد الزوجات، فالرجال والنساء الذين عاشوا التعدد (La bigamie (ou polygamieمنذ زمن قديم هم الآن إخوة وأخوات Les demie sœurs للأب الذين يسميهم الفرنسيون "نصف إخوة" Les demis frères وإلغاء تعدد الزوجات المفاجئ والذي يجئ كمقترح سياسي، أو مجرد فتوى دينية لا يعتمد على دراسات اجتماعية وإحصاءات لعدد الأطفال الناتجين عن تعدد الزوجات (مهمة المندوبية السامية للتخطيط) ومراعاة شعورهم وحالاتهم النفسية والاقتصادية، وإحصاء لعدد النساء الخاضعات لنظام تعدد الزوجات..لأن الموضوع يثير مخاوف اجتماعية من تهديد الأسر القائمة حاليا على التعدد بالتشتيت وتكسير روابط وعلاقات أسرية واقعية مبنية على هذا النظام الذي هو اجتماعي واقتصادي ومخزني قبل أن يكون دينيا أوسياسيا..ونعني بالاقتصادي كون التعدد يبنى أساسا على ميزانية الأسرة،الخاضعة لنظام نفقة الزوج(المذكر) على الزوجات والأبناء. لا يمكن عمليا إلغاء التعدد بدون تغيير نظام النفقة وإيجاد حل واقعي واجتماعي للممارسة الجنسية الطبيعية التي يعالجها البعض بتعدد الزوجات والعلاقات الجنسية خارج نظام الزواج وزواج المتعة الذي يسميه البعض في المغرب "زواج الفاتحة" أو "الزواج العرفي" ويعالجها البعض بالفتاوى والوعظ الذي لا يغلب الطبيعة، وعقوبات القانون الجنائي التي هي من أقبح قوانين القمع بالمغرب. وكذلك معالجة ظاهرة العزوف عن الزواج وعنوسة (البايرات) الفتيات، وربط موضوع الأسرة بحرية استعمال الجسد. ويعتبر تفجير الموضوع بين الحزب السياسي وأصحاب الفتاوى الدينية مناسبة يرجع الفضل فيها إلى نساء الاتحاد الاشتراكي، رغم كون الطرح الحزبي كان خروجا عن اختصاص علوم الاجتماع، ويدل على تخلف هذه العلوم وتهميشها وغيبتها عن الساحة والرأي العام، وإذا كان الموضوع حزبيا محضا في نظر البعض، فعلى الأحزاب أن تمنع في صفوفها انخراط من يمارس التعدد في الزواج، وتبادر بتطبيق مطلبها ومبادئها على منخرطيها، لكي لا يكون مطلبها مجرد استهلاك للكلام ودعاية حزبية تملأ الفراغ السياسي والكساد الأيديولوجي ما دام أن تعدد الأسر (Polygamie ( يضمنه في المغربي قانون طبقي يخدم طبقة واحدة في المجتمع، ويجب معالجة هذا النوع بمعيار العدالة الشرعية (وان خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، وليس بمعيار الثروة والأموال الذي اعتمدته مدونة الأسرة..ويطبقه القضاة أحيانا بدون رقابة ولا شفافية لأنه لا يقبل طرق الطعن .... والنقطة المنهجية الثالثة هي أن الموضوع لايتعلق بدين واحد في الكرة الأرضية، وبالتالي فهو ليس موضوعا مغربيا وحسب، بل عالميا، وأفراد المجتمع المغربي يعيشون بالاختلاط مع الشعوب الأخرى بل يتزوجون منهم، وكل من يتناول هذا الموضوع يجب عليه أن ينظر إلى هذه المسألة بعين الاعتبار. إن الزواج المثلي وصل إلى المغرب قادما من الدول التي تحرر بشأنه عقود الزواج وتسمح به قوانينها، وتقبل الفنادق المغربية والسلطات مبيت المثليين الأجانب المتزوجين بعقد زواج مثلي في سرير واحد (الأسرة المثلية) تطبيقا للقوانين الدولية، ولا فائدة مما يروج حول وجود اتفاقية قضائية بين المغرب وفرنسا حول الموضوع، لأن هناك دولا أخرى كالولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي واستراليا ...وهم أكبر من فرنسا يقطنها المغاربة والمغربيات ويحملون جنسيتها ويطبقون قوانينها ولا تربطها بالمغرب أية اتفاقية تمنع المغاربة المتعددي الجنسيات من الزواج المثلي، وتمنعهم من تعدد الزوجات..كما يجب اعتبار أن العالم الخارجي يشتغل بالنسبة لعلاقة الدين بتنظيم الأسرة على نقطتين هماّ: الزواج للجميع Mariage pour tous ومنع الحجاب والرموز الدينية لدى الأطفال في المدارس. والنقطة الرابعة هي مراعاة قواعد تأويل شرعية التعدد في المذاهب الفقهية المغربية (تعدد زوجات الرسول، تأويل التعدد في المذاهب الفقهية مثل ابن حزم مؤسس المذهب الظاهري ونظام الأسرة الأميسية Maternelle عند القبائل الإفريقية القديمة)، وهي المهمة التي يُرجى من المتخصصين في الفقه الإسلامي وعلوم الدين والتاريخ تنوير الرأي العام بشأنها حتى لا يترك الموضوع للمزايدات السياسية التي تهيء استيلاءها على كراسي الحكم بواسطة كوطا Quota النساء والشباب في الانتخابات المقبلة.. النقطة الخامسة هي مقارنة ما وصل إليه العالم الآن في مناقشة نظام الزواج ككل (مبدأ حق الزواج للجميع،وزواج المثليين، وحرية استعمال الجسد في قوانين أوروبا الشمالية، والزواج التعاقدي الذي يبرم فيه الزواج بعقود خاصة تبنى على حرية الإرادة مثل الشركات وبيع العقارات) فلابد من الوعي بأن العالم الآن منشغل بقضية المثليين الذي يسميه الفرنسيون"الزواج للجميع" Le mariage pour tous وهو موضوع يحرج من يسمون أنفسهم "اشتراكيين مغاربة" و"ليبراليين" وكذلك الأنظمة الحاكمة المرتبطة بفرنسا كلها،لأن الحزب الاشتراكي الحاكم بفرنسا شرع الزواج للمثليين على غرار كثير من الأحزاب الاشتراكية الأوربية، وشرع منع الحجاب في المدارس اللائكية الجمهورية، وأخيرا فعلى الصحافة ووسائل الإعلام أن تهتم بممارسة التعدد لدى البرلمانيين والوزراء وقيادات الأحزاب والجمعيات والنقابات، والجماعات المحلية وسائر الغرف المهنية.. وأن تراقب الشفافية في قرارات قضاة الأسرة حول الإذن بالتعدد حتى ينكشف النفاق السياسي.