ستون جدارية تمزج بين الواقع والخيال كسرت الرتابة البصرية وبثت الروح في جدران البنايات العملاقة للعاصمة الرباط، وجعلتها أشبه بلوحة تشكيلية ممتدة تسحر الناظرين، في ختام الدورة الجديدة من مهرجان "جدار_ فن الشارع" . وتأتي هذه الدورة، التي أسدل الستار على فعالياتها بتشييد تسع جداريات جديدة تحتفي بالمدينة عاصمة للثقافة الإفريقية، وهي الأعمال الفنية التي انضافت إلى قائمة الجداريات المنجزة في دورات سابقة فبلغت ستين جدارية، (تأتي) لترسّخ سعي "جدار" إلى تنمية الثقافة البصرية للبلاد. وبغض النظر عن الرسائل التي تحملها الجداريات المنجزة، تشد الأعمال الفنية المارة بجمالها وتفاصيلها الإبداعية المتميزة، وجذبت سكان العاصمة وزوارها الذين اشرأبت أعناقهم في سبيل التعرف على الوافدات الجديدات، والاعتياد على ألوانهن وأشكالهن. صلاح ملولي، المدير الفني لمهرجان "جدار- فن الشارع"، في حديث لهسبريس، أبرز أن "مهمة المهرجان هي وضع الفن بقلب الفضاء الحضري، حيث يُمكن رؤيته بكل وضوح ومناقشته من لدن الجميع"، مضيفا أن المهرجان الذي انطلق سنة 2015 يهدف إلى "دعم المواهب الشابة من أجل اكتشاف عالم الجداريات وفن الشارع". وتنوعت الأشكال الهندسية للجداريات بين المركزة والمتداخلة، أو المتجاورة للفنان المغربي رضا بودينة، المهووس بكل ما يخص عالم الفضاء، والمرأة الإفريقية الفاتنة للفنان السنغالي بوغراف، والفتاة الجميلة للفنانة المغربية تيما، أو الرجل المبتسم في مطبخه الضيق للكندي بريان بيونغ، وموسوعة الوحوش بالأزرق والأسود للفنان البرتغالي البانطونيو، والطبيعة الصامتة للفنان الإسباني مانولو ميسا؛ والحياة النباتية باللون الأحمر للفنان الياباني توون؛ والطوابع البريدية الرائعة التي تحتفل بالعاصمة الرباط من إنجاز الفنان المغربي إد أونر؛ بالإضافة إلى التراكيب المنعكسة للفنان السلوكوفاني جواردس دوريس. هذه الرسومات العملاقة، يبرز ملولي، "لم تكن حكراً على الواجهات الكبيرة للمباني المنتشرة في جميع أنحاء مدينة الرباط، بل إن فن الشارع كان له مكان ونصيب أيضاً على جدران متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر". واختار الفنان المغربي آدم بلعروشية، خلال هذه الدورة، أن يغطي إحدى الواجهات الست للمتحف بواسطة قماش مشمع عملاق، عوض الرسم مباشرة على الجدران، ذلك أن عمله يجمع ما بين فن -مينيماليست- والتصميم والسريالية، ويعكس حداثتنا المزدحمة والمكتظة. وكما جرت العادة منذ سبع سنوات، حرص مهرجان جدار- فن الشارع الرباط على تشجيع المواهب الصاعدة، عن طريق المشاركة في ورشة إنجاز "الجدار المشترك"؛ وذلك عبر وضع جدار كبير تحت تصرفهم للتعرف على طرق التعامل مع الجداريات، بإشراف مباشر من فنان متمكن، وفتح المجال أمامهم من أجل إطلاق العنان لإبداعهم ومخيلتهم. وتولى الفنان المغربي أيوب عبيد الشهير باسم Normal مهمة تنظيم هذه الورشة، التي استمرت على مدى أسبوع كامل.