إنه منتصف اليوم، حينما وصل الطلبة إلى آخر نقطة من الطريق المعبدة، والآن عليهم أن يتركوا الحافلة وراءهم ويتابعوا مسيرتهم سيرا على الأقدام، ليصلوا إلى "مدشر تاليامين". عبر طريق غير معبدة حولتها أمطار الصباح إلى أوحال، ومستوى حرارة يصل إلى 4 درجات. تابعوا سيرهم على شكل قافلة بدا عدد أشخاصها كبيرا، 20 طالبا ثم سكان المدشر (القرية) يسيرون رفقة صناديق الكرتون، المحملة على البغال، التي تحوي الملابس الشتوية. "مشكلتنا الأكبر هي هذه الطريق التي لا يمكن الوصول عبرها، إلى اقرب محل بقالة، بسبب الأمطار الكثيفة التي تهطل كل سنة، وتفرض عزلة تامة على مدشرنا"، يقول أحد السكان. مبادرة طلابية "هنا صوتك" رافقت المبادرة التي أطلقها طلبة ماجستير (الماستر) الصحافة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، التي استهدفت توزيع الملابس على إحدى المناطق النائية بشمال المغرب، وكانت الوجهة نحو مدشر تاليامين، بالمنطقة المعروفة باسم مولاي عبد السلام بإقليم العرائش. الطريق وعرة جدا، فالمنطقة جبلية، ولهذا استغرقت الرحلة بضع ساعات، إلى واد تاليامين القريب من المدشر، وقفنا بضع ساعة على القنطرة، لانتظار جزء من القافلة كان متأخرا عنا قليلا، هنا بدأ الحديث عن تلك الفاجعة التي شهدتها المنطقة، في يناير 2012 . يقول أحمد الوهابي رئيس الجماعة القروية تزروت، الذي يعد مدشر تاليمين تابعا لها: "هنا غرقت الطفلة نورة حمدان عندما كانت عائدة من المدرسة رفقة أختها، بسبب أمطار الخير التي هطلت، أصبح الواد هائجا، وحاولت الطفلتان اجتياز النهر إلا أن السيل كان أقوى منهما. نجت واحدة وغرقت الأخرى.. ولم يستطع السكان والسلطات أن يجدوها إلا بعد أكثر من 24 ساعة، وواكب الحادثة وسائل الإعلام التي شدت انتباه المسؤولين والرأي العام نحو المنطقة". ويضيف أحمد قائلا: "ولعل هذه الفاجعة كانت سببا في بناء القنطرة التي فكت العزلة عن المنطقة نسبيا. ولازلنا ننتظر بدء تنفيذ مشروع تعبيد الطريق الذي برمجت له ميزانية قدرها مليوني درهم". كرم.. رغم قساوة العيش بعدما تجاوزنا القنطرة، بدت الأرض قليلة الوحل، ساعدنا ذلك على الإسراع في خطواتنا، لنصل إلى المدشر، فقد كنا نأمل أن نعود إلى الحافلة قبل أن يرخي الليل بسدوله، وهو ما لم يتحقق. لقد كان سكان تاليامين، أهل كرم فلم ينفكوا يطالبوننا بالبقاء للمبيت عندهم، فاعتذرنا عن ذلك. بقينا مع أهل المكان حوالي ساعتين، كان لابد من ذلك من أجل الاستماع إلى معاناتهم، وظل الحديث عن الفاجعة سيد الجلسة، يقول عبد السلام والد الطفلة الهالكة " بقي لي الآن تسعة أبناء منهم خمس بنات بعضهن متزوجات، ومعظم أولادي الذكور درسوا في 'المسيد‘ (مكان لتحفيظ القرآن) وحفظوا القرآن". ويضيف عبد السلام "إن حادث غرق ابنتي جعلنا نحن سكان المدشر والمداشر المجاورة متآزرين فيما بيننا (...) قبل ذلك لم يزرنا أحد ليعايش معاناتنا، لكن بعد ذلك، التفتت لنا كثير من الجمعيات وقدمت لنا مساعدات واستمعت لنا، وهذا ما نحن الآن في حاجة إليه، إلى من يحس بنا وينقل صوتنا إلى المسؤولين". نساء مكافحات.. وأطفال طموحون عبد السلام الشيخ (شخص آخر) الذي يبدو من ملامحه أن عمره تجاوز السبعين عاما يتحدث إلينا بحرقة: "نأمل الاستقرار في هذا المدشر، بعد فك العزلة ستتحسن أحوالنا، فمصدر عيشنا الوحيد هو ماشيتنا التي نبيعها في السوق الأسبوعي البعيد مسافة 4 ساعات مشيا على الأقدام (...) كما نأمل أن تتحسن وضعية المرأة فهي التي تعاني أكثر من الرجل بحيث لها مهام يومية صعبة للغاية، من الرعي والحطب إلى أشغال البيت ورعاية الأطفال". في حين يحكي لنا الطفل أحمد عن وضعية التعليم قائلا: "المدرسة بعيدة جدا، تفتقر إلى أبسط مقومات التعليم، لدرجة أننا لا نجد حتى الطاولات الكافية، وما يزيد الطين بلة هو تغيب المدرسين باستمرار بسبب صعوبة وصولهم للمدرسة خصوصا في فصل الشتاء". غير أن طموح أحمد كبير. "هذه السنة سأحصل على الشهادة الابتدائية وسأتابع دراستي بالمدينة.. أريد أن أصبح طبيبا"، يقول احمد وكله تفاؤل بمستقبل أفضل. * ينشر بموجب الشراكة القائمة مع إذاعة هولندا العالمية