في خضم الأخطار التي تهدد الأمن المائي للمغرب، بسبب توالي سنوات الجفاف الناجم عن التغيرات المناخية، وما يترتب عنها من تراجع الثروة المائية الوطنية، نبه خبراء إلى ضرورة اتخاذ إجراءات مستعجلة من أجل مواجهة هذا التحدي، لا سيما مع وجود توقعات بتراجع حصة الفرد من الماء خلال السنوات القادمة. إدريس أوزار، مهندس متخصص في مجال الهندسة المائية، أكد أن المغرب يعد من الدول التي تتحمل تبعات التغيرات المناخية التي تسبب فيها الدول الصناعية الكبرى، وأن المملكة عليها أن تغير طرق تعاطيها مع هذا الوضع والتأقلم معه، طالما لم تُتخذ إجراءات لخفض انبعاثات الغاز من قبل الدول الصناعية. بحسب المعطيات التي قدمها أوزار ضمن ندوة "مستقبل المنظومة المائية بالمغرب في ظل تداعيات التغيرات المناخية التي تخيم على العالم "، فإن درجة حرارة الكرة الأرضية سترتفع من 0.85 في المئة إلى 4 درجات في سنة 2100، بمعدل ارتفاع من 0.2 إلى 0.4 في المئة في كل عشر سنوات، فيما ستتراجع التساقطات الثلجية بنسبة 25 في المئة في الشمال، و50 في المئة في دول الجنوب، وسيترفع مستوى سطح مياه المحيط بما بين 0.3 متر و2,5 متر في سنة 2100. وعلى الرغم من أن حجم التساقطات المطرية في المغرب يصل إلى 140 مليار متر مكعب، فإن 118 مليار متر مكعب، أي 85 في المئة منها، تتبخر. وقدم إدريس أوزار مجموعة من التوصيات، منها إنشاء مرصد للمعطيات المتعلقة بالماء، وتحسين الاستفادة من الموارد المائية التقليدية، أي المياه السطحية والجوفية، وتطوير استراتيجية فعالة لتدبير المياه. ودعا المتحدث ذاته إلى الاستخدام الفوري واللجوء إلى مصادر المياه غير التقليدية، مثل تحلية مياه البحر، واستعمال المياه الجوفية قليلة الملوحة، ومياه الصرف الصحي الناتجة عن الصناعة، وتجميع مياه الأمطار. أميمة خليل الفن، باحثة متخصصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة، قالت إن الوضعية المائية الحالية للمغرب تدعو إلى القلق، معتبرة أن المغرب وصل إلى مرحلة "جد حرجة". وأردفت المتحدث ذاتها أن من تداعيات الوضعية الصعبة التي يجتازها المغرب على المستوى المائي، تراجع المياه الجوفية بعدة أمتار، حيث أصبح الوصول إلى المياه يتطلب حفر آبار بأعماق كبيرة، بعدما كانت الفرشة المائية في السابق قريبة من سطح الأرض. وفيما تتناقص الثروة المائية في المغرب، على غرار دول أخرى، قالت أميمة خليل الفن إن المملكة تواجه مشكلا آخر يتمثل في تلوث المياه، حيث تصل نسبة الفرشة المائية الملوثة إلى ثلاثين في المئة. وتضافرت مجموعة من العوامل، كاستنزاف الموارد المائية السطحية والجوفية، من خلال استعمالها في الأنشطة الصناعية، والفلاحية، والاستعمال اليومي في المنازل، وتوالي سنوات الجفاف منذ أربعة عقود، وأدت بالمغرب إلى "وضعية مائية حرجة"، بحسب تعبير الباحثة ذاتها. وفي الوقت الذي تقر فيه الحكومة بصعوبة الوضعية المائية، أكد الخبراء المشاركون في الندوة على ضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لتأمين الحاجيات الأساسية من الماء، والتخطيط لمشاريع استراتيجية على المدييْن المتوسط والبعيد. في هذا الإطار، قال إسماعيل كراوي، باحث في الهندسة المائية، إن تحلية مياه البحر تبقى الحل المتاح أمام المغرب كإجراء على المدى القصير من أجل تجاوز مشكل شح المياه، مبرزا أن سياسة السدود التي ينهجها المغرب أيضا تعطي أكلها، حيث تمكن من توفير مخزون مهم من المياه. عبد الله الصيباري، الكاتب العام للشبيبة الاتحادية، قال إن المغرب يعيش صعوبات متعددة في تدبير الثروة المائية، ويعاني من مشكل الهدر المائي، حيث يصل المعدل السنوي للتساقطات المطرية إلى 140 مليار متر مكعب، إلا أن موارد المملكة لا تتعدى كمتوسط 22 مليار متر مكعب، منها 18 مليار متر من المياه السطحية. وتوقف الصيباري عند إشكالية العدالة المجالية في توزيع الثروة المائية في المغرب، لافتا إلى أن أكثر من 70 في المئة من الثروة المائية ترتكز في 15 في المئة من التراب الوطني، كما أشار إلى التراجع المستمر لحصة كل مواطن من الماء، حيث تقل حاليا عن 640 مترا مكعبا سنويا، ويُتوقع أن تنخفض إلى ما دون 500 متر مكعب في 2030. ولفت المتحدث ذاته إلى أن الوضعية الحالية تحتم مساءلة نجاعة الاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالحفاظ على الثروة المائية، رغم توفر المملكة على 18 سدا كبيرا تصل طاقتها الاستيعابية إلى 18 مليار متر مكعب. وانتقد المتحدث ذاته "تقاعس" الحكومات والمؤسسات لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للماء، التي عرضت على الملك منذ سنوات، داعيا الحكومة الحالية إلى تدارك التأخر الحاصل في تفعيل الاستراتيجية المذكورة، والتعجيل بتفعيلها من أجل تفادي التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن ذلك.