آسية العمراني أرشيفُ ذاكرتي يأخذني إلى رفوف آستوى عليها الغبار....يأخذني إلى رفوف بمخيلتي ما لبثت تناديني وتهمسُ في أذني أن أنقل إليها حديثا وأن آتي إليها حنينا ، ترجو مني شفقة وحديثا سُكرا…… رفوف عريضة وطويلة ، قُطع حبل نبيض قلبها..ليُنفض الغبار حولها ، وليسيرَ كالرمال في البيداء مُصطفا ، تلتمس أن أرويها آشتياقا ، وأطعمها حنينا...رفوفٌ تناديني شقاءً وأخرى تناديني سعادة ودفئا...أريد الحديث إليهما معا ، أريد أن أوقذَ أمومتي بهما معا ، حتى لا أغفل عن واحدة و أتغاضى الأخرى....ليس لسبب ولكن لأن زمني قصير، فبُرهة يشرق عام جديد مفعم بالسعادة والبراءة والبياض.. أخبرتني رفوفي أنني ذات يوم لعبت دور البطولة في آحتساءِ نبيذ الألمِ وأنني حينها دخنت سيجارات الضعفِ ، وأفرغت على صحون السعادة كعكاتِ الشقاء والفشل ، وأنني إلى سماء قريبةٍ غردتُ بالسذاجة.... لستُ أنا من يبوح بمخلفات الماضي ، ولكنه ذلك الغبار الذي ينتفض وهو يخبرني أنني كنتُ في زمن تائه كالكافرة في عزّ البراءة.... - أضقتَ قلبي وأعدمتَ شرايين دقات عاطفتي ، هلا أنشدت شيئا آخرا ؟......نعم ، نعم أيتها البلهاء، لا أنسى أنك كنتِ أميرة الأمراء وحاكمة في قصر الهُيام والغرام ، ممتنة لقلبكِ الصغير المعتوهِ شموعا تجيشُ بالحب وتُضيئ قلوب الأحياء على فراش الموتِ - آختنقتُ كثيرا ولم أعد قادرة على ترتيب عمليتي الشهيق والزفير ، لأن غبار الرفوف ذو رائحة نتنة ، باردة كطقس أروبا في الشتاء....- إلى أن يضيف أنني كنت بريئة في وطن يلهثُ شعبه وراء الحرية ، ويعجز عن صياغة بنوذ حقوق المرء ، ويفشل في الحديث عن المرأة والمواطنة ، أنّي كنت من قطّاع الطريق أمام الباطل ، بالقرب من بحر هائج مائع يستنكر لحاله الجميع... قلبي الصغير لا يحتمل ، ولأني مُجبرة على توقيع آخر إحساس بهذه السنة ، سنة 2013 ، ولأن الوقت يكاد يفنى ، ولأن الماضي يكبُّ على مخيلتي كثيرا وكثيرا وكثيرا ، فيكفي أني قد استرجعت ما يكفي من أحداث هذه السنة ، والسنة ماقبلها ، وكل الأحداث القابعة في السنوات البعيدة عن عمري....الآن. عروقي القاحلة ، دقات قلبي الورعة ، نفسي غير المطمئنة ، عيناي البخيلتين إحساسا ، أناملي التي تُسطر وتنحر أزرار حاسوبي لتنزف عبقا! … جئت اليوم، جئت الآن على مقربة من قطار 2014 ، أول قطار نحو 2015 ، أيام وشهور كثيرة لكي يصل ، أسألكم أنني أُجاذب نفسي وأنني عنهم ، عن هؤلاء ، هؤلاء غير المستعدون للقائك ولبشرى قدومكَ ، لأنهم يغارون على وطنهم ، يغارون على حريتهم ، على حقوقهم ، يتقيّئون دفاعا عن هويتهم ورفضا لذلهم وذلِّ وطنهم ، بعيدا عنهم ،و بعيدا عن ضجيج عفويتهم التي تأبى الرحيل....أنا لوحدي ، بين يديّ صينية الإستقبال ، تحوي كؤوسا لأفرغ فيها لحظات شوق الإنتظار ، وأوراق زيتون ترفرف عاليا ، بعيدا عن صخب المناضلين ، وكلي شوق لمعانقة السنة الجديدة … أحيانا أرغب....لكن أحيانا أحتاج ، أحتاجُ للحظة آستنشاقِِ زمن جميل عابر ، لأبتسمَ في وجه قطار جديد ، يأخذني للأبد ، إلى هناكَ ، إلى هناك قريبا........ أحرقتُ أخيرا من مخيلتي تلك الرفوف التي خانتني أيام براءتي وعفويتي ، وتركتُ تلك التي سجدت للخير والنبل تقديرا ، هي التي ستلوحُ زيفها العابق بالحب والكرمِ بعيدا عن شتاتِ الذل والكرهِ.... تذكرة السفر غالية ، لذلك كثير منهم من امتطى صهوة الحصان ، ولن يصل أبدا ، ربما سيقضي نحبهُ ، وقليلا منهم من اختار مطمئنا القطار الدافئ المُشع بنور الحياة والأمان.. لعل أحداث سيئة ستعترض حياتنا في هذه السنة الجديدة ولعل أخرى ستفيض بالخير والإحسان والسرور..فلا تكونوا إذن سجناء استهلاك المادة ، أنتجوا، أبدعوا، لتكون كلماتكم مضخة لأوردة قلوبكم وعقولكم، فكّروا، و لا تنبهروا إن كان أحد منكم يُبدع وينتج ، لا ضير إن حاولتم ، ولا ضير كذلك إن ضمّكم الألم والفشل ، فالأشياء الجميلة لا تأتي إلا من تلقاء نفسها.. أبشر خيرا أيها العامُ الجديد ! أيها المَولى جُد عنا خيرا ! سنة سعيدة وكل عام وأنتم إلى المولى أقرب....