قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلاصات أولية لنتائج اللجنة الاستطلاعية حول "المواجهات غير المسبوقة بمعبر مليلية"؛ فقد أكدت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس، أنه ليس في استطاعة المجلس التعرف على العصابات المنظمة للاتجار بالبشر، مطالبة بضرورة فتح تحقيق قضائي واسع لتحديد المسؤوليات. أحداث عنف قبل "الجمعة الأسود" وتحدث تقرير اللجنة الاستطلاعية عن ما أسماه "النمط غير المسبوق لعبور المهاجرين للسياج"، ساردا وقوع أحداث عنف سبقت مواجهات يوم "الجمعة الأسود". وحسب تقرير اللجنة ذاته، فإن المنطقة عرفت، خلال السنة الماضية وبداية من هذه السنة، وبشكل مفاجئ، وصول أعداد كبيرة من المهاجرين القادمين من شرق إفريقيا، خاصة من السودان والتشاد، علما أن المهاجرين القادمين من إفريقيا الشرقية كانوا يتخذون من ليبيا معبرا رئيسيا نحو الضفة الشمالية. وانطلاقا من منتصف سنة 2021، بدأت المحاولات، حسب التقرير، تكتسي "طابعا عنيفا بعد سيطرة المهاجرين على بعض نقاط التزود بالماء ومنع الساكنة المحلية من استغلالها، وتعرض بعض السكان لممارسات استفزازية ولبعض التهديدات". وحسب الوثيقة، قام المهاجرون بعمل غير مسبوق يوم 18 يونيو المنصرم تمثل في احتجاز 5 عناصر من القوات العمومية كرهائن بالإضافة إلى العديد من وسائل حفظ النظام كالخودات والدروع الواقية اضطرت معه القوات العمومية إلى التراجع والتفاوض مع المهاجرين الذين أفرجوا على 4 رهائن بدون شروط مع احتفاظهم بالرهينة الخامسة، الذي تعرض لمس خطير لسلامته الجسدية، الذي أفرج عنه فيما بعد، بعد مفاوضات أدت كذلك إلى استرجاع معدات حفظ النظام المحجوزة. كما أصيب، خلال هذه العملية، 56 عنصرا من القوات العمومية إصابات متفاوتة الخطورة نقلوا على إثرها إلى المستشفى الإقليمي الحسني بالناظور لتلقي العلاجات اللازمة. وقامت السلطات العمومية، يوم 23 يونيو 2022، بتنظيم عملية تمشيط في غابة ازنودن؛ غير أنها ووجهت بعنف أشد، خلف 116 إصابة في صفوف القوات العمومية بينها 7 حالات خطيرة. وفي صبيحة يوم الجمعة 24 يونيو 2022، قام حوالي ألفين من المهاجرين بالانتقال سيرا على الأقدام في مجموعات متفرقة ومنظمة من مكان تمركزهم في غابة "ازنودن" في اتجاه مدينة مليلية، التي تبعد بحوالي 20 كيلومترا عن المعبر، حيث شوهدوا في منطقة أولاد سالم في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا قبل أن يواصلوا التوجه نحو السياج الحديدي في حدود الساعة السابعة صباحا، وتفرقوا إلى مجموعتين. وذكر التقرير أن محاولات اجتياز السياج الحدودي انطلقت منذ 2005، مشيرا إلى أنها "تعرف تزايدا مضطردا بفعل ديناميات الهجرة نحو الشمال، الناجمة عن الحروب والفقر والتغيرات المناخية". وسبق أن فككت السلطات الأمنية المختصة مجموعة من الشبكات والمنظمات وأحالتهم على العدالة. وحسب المعلومات المتوفرة، فإن السلطات قامت بتفكيك أكثر من 1300 شبكة للاتجار بالبشر خلال السنوات الخمس الماضية؛ منها 256 شبكة خلال سنة 2021، و100 شبكة إلى غاية شهر ماي 2022. عنف السلطات العمومية قالت اللجنة الاستطلاعية حول "المواجهات غير المسبوقة بمعبر مليلية" إنها تأكدت من المعطيات التي توصلت إليها أن القوات العمومية كانت تحمل العصي والغاز المسيل للدموع، ولم تكن تحمل أسلحة نارية ولم يعرف التدخل أي إطلاق للنار من جانب القوات العمومية المغربية. كما تبين لها أن عناصر القوة العمومية كانت في حالة رد لخطر حال نظرا للعدد الكبير للمهاجمين المسلحين بالعصي والحجارة، حيث تم إحصاء حوالي 600 عصى من مخلفات عملية الاقتحام. وحسب تقرير اللجنة سالف الذكر، فإن مواجهة المهاجرين لقوات حفظ النظام اتسمت بعنف شديد، بالإضافة إلى طبيعة الهجوم غير المعتاد من حيث الزمان والمكان؛ ذلك أن عمليات الاقتحام كانت تحدث عادة في الليل وفي نقاط أخرى من السياج الحديدي. صور: منير امحيمدات وبخصوص بعض الفيديوهات المتداولة التي تبين استعمال العنف في حق مهاجرين مستلقين على الأرض، أوضح التقرير أنه، بعد استفسار السلطات المحلية حولها، أكدت أن الأمر يتعلق بحالات معزولة وفردية؛ إلا أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر أنها سلوكات لا يمكن تبريرها. وأشارت اللجنة إلى أنها لم تتمكن فيما يخص بعض المهاجرين المصابين الذين التقت بهم بالمستشفى التأكد من مصدر الإصابات، بين فرضية السقوط من السياج والازدحام واحتمال الاستعمال غير المتناسب للقوة. وفيات جراء الاختناق وبشأن وفاة 23 شخص خلال عملية الاقتحام، سجلت اللجنة الاستطلاعية سالفة الذكر أن خمس حالات فارقت الحياة قبل الوصول إلى المستشفى، فيما 13 من الحالات توفيت على الرغم من كل المجهودات الطبية التي بذلت لإنقاذ أصحابها، فيما 5 آخرين توفوا في الساعات الأولى لليوم الموالي. وبشأن ملابسات الوفاة، أوضح الطبيب عضو اللجنة أنه تبين، من خلال المعاينة الطبية والفحص الظاهري الخارجي لجثث المهاجرين، أن "لا وجود لآثار كدمات أو نزيف دموي خارجي؛ فالأعراض الخارجية للجثث التي تمت معاينتها تتطابق طبيا مع حالات وفاة من جراء الاختناق التنفسي الميكانيكي، وأن تحديد السبب الحقيقي الذي قد يكون أدى إلى الوفاة يستلزم إجراء التشريح الطبي". وحسب تصريحات الوكيل العام للملك، فإن "القوات العمومية قامت بواجبها في احترام تام للقانون ولم تلجأ إلى استعمال العنف المفرط رغم الطبيعة العنيفة للمهاجمين وعددهم الكبير، حيث كانت القوات في مواجهة مع ما يناهز 2000 من المهاجرين المسلحين بالحجارة والعصي والأسلحة البيضاء". وأكد المسؤول القضائي أيضا أن "قوات حفظ النظام لم تلجأ إلى استعمال السلاح الناري، وأن الوفيات في صفوف المهاجرين ناتجة عن تدافعهم بأعداد كبيرة داخل باحة المعبر والممر الضيق المؤدي إلى البوابة الحديدية المغلقة بإحكام من الجانب الآخر". دفن معلق قالت اللجنة الاستطلاعية إنها "تأكدت من عدم دفن أي مهاجر متوفى خلال اقتحام السياج، وتأكدت من عدد الجثث خلال زيارتها لمستودع الأموات، وأن اللجنة الجهوية للمجلس تتابع أطوار التشريح وتحاليل الحمض النووي". وقال المجلس إنه "يرحب بالأمر الصادر عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور بإجراء تشريح طبي عهد به إلى لجنة طبية بحضور طبيب مختص في الطب الشرعي؛ وذلك لبيان أسباب الوفاة وطبيعة الجروح والإصابات وعلاقتها بالوفاة، بالإضافة إلى بيان الوسائل التي استعملت في ذلك". تغير نمط الهجرة سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجود تغير ناشئ وجذري لطبيعة عبور المهاجرين من الناظور إلى مليلية، والذي اتسم بالهجوم المباغت والمحكم التنظيم وغير المعتاد من حيث الزمان (النهار) والمكان (المعبر وليس السياج) والأسلوب (الاقتحام بدل التسلق) والمكون (جنسية واحدة تشكل الغالبية المطلقة). وقالت بوعياش إن "الوضع سيتفاقم لأسباب الحروب والأوضاع المعيشية وغيرها"، مشيرة إلى أنه "لا يمكن أن نوقف الهجرة بالتدبير الأمني حصريا، إذ منذ 1998 إلى 2018 ورغم التغييرات التي حدثت على السياج لم تمنع توافد المهاجرين؛ فالسياجات والحواجز والأبواب المغلقة بهذه الطريقة لن توقف تدفق المهاجرين وليس على أوروبا أن تغلق أبوابها وتجعل من دول الجوار هي التي تدير هذا التوافد". توصيات شدد المجلس أهمية تعميق البحث القضائي ليشمل كل جوانب المواجهات التي وقعت يوم 24 يونيو 2022، وتناسب استعمال العنف، وتقديم نتائج الأبحاث للرأي العام وتحديد المسؤوليات. وسجل أن مقاربة الاتحاد الأوروبي على الخصوص في مجال الهجرة "التي تنحصر في إغلاق حدودها والتشجيع على تدبير تدفقات المهاجرين من طرف دول الجوار لن تؤدي سوى إلى الفواجع والمآسي"، متأسفا "للتدبير الأمني الحصري للهجرة، من طرف بلدان أوروبا، وخاصة بالنسبة للمهاجرين من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، رغم أن الجميع متأكد أن الهجرة فعل وقرار إنساني، على الحكومات أن لا تجعله بين أيدي شبكات الاتجار في البشر". وأوصى المجلس "السلطات المغربية بإطلاق مشاورات جديدة مع الاتحاد الأوروبي من أجل شراكة حقيقية ومتكافئة، فيما يتصل بالمسؤولية والتدبير المشتركين للهجرة لتفعيل مقتضيات الميثاق العالمي حول هجرة آمنة ومنظمة ونظامية". كما دعا "مفوضية الاتحاد الافريقي إلى اقتراح تدابير للمساهمة في بلورة مرتكزات حكامة للهجرة كفيلة بضمان كرامة وسلامة وحقوق مواطني القارة". وأوصى المجلس "الاتحاد الإفريقي بتفعيل مقتضيات بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، واتفاقية الأممالمتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للدول بما يضمن حماية المواطنين الأفارقة من عصابات الاتجار بالبشر والجرائم المنظمة وتعزيز قنوات التعاون القاري".