أثار خبر إمكانية قيام وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تزيبي ليفني" الكثير من الجدل في صفوف المنادين بالمقاطعة والمنادين بالتطبيع على حد سواء. وإذا كانت الجهات الرسمية قد فضلت الصمت وعدم الاهتمام بهذا الجدل كأن شيئا لم يكن، فان الأوساط السياسية الإسرائيلية والمجتمع المدني بالدولة العبرية أولوا أهمية خاصة للموضوع. "" وفي هذا الاتجاه أكد أحد صحفيي موقع"كيسين إسرائيل نيوز" لأسبوعية المشعل أن زيارة "ليفني" للمغرب شكلت موضوع نقاشات "ماراتونية" بين جهات رسمية وازنة من إسرائيل ومن المغرب، وفي هذا الإطار سبق ل"آهارون ابراهيموفيتش" الكاتب العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية أنه سافر إلى الرباط. وذكرت مصادرنا أن القائمين على الأمور بالمغرب لم يعارضوا هذه الزيارة، لكن شريطة أن لا تكون زيارة رسمية وإنما في إطار ندوة أو تظاهرة ذات صبغة دولية. في حين أفاد موقع صحيفة"هارتيس" الالكترونية أن لقاءات سرية بين مسؤولين مغاربة وإسرائيليين أجريت في غضون شهر دجنبر الجاري بخصوص قيام "ليفني" بزيارة رسمية إلى الرباط،وفي إطار زيارتها المرتقبة لمنطقة شمال إفريقيا. وتزامنت هذه اللقاءات مع تصاعد الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واستمرار دعم"حماس" المقاومة من طرف الشعوب العربية. وذهبت صحيفة"يديعوت أحرونوت" الى القول أن مصر استغلت التباحث بخصوص إمكانية قيام ليفني بزيارة رسمية للمغرب لمدح الرباط والإعراب عن امتنانها لمحاولات بلادنا للسلام بالشرق الأوسط وقد أسهبت الصحيفة العبرية في إشارتها إلى الاتصالات العديدة التي تجربها تل أبيب بالرباط لدعم" المسيرة السلمية بين العرب وإسرائيل"حسب تعبيرها. ومن المعلوم أنه قد سبق لصحيفة"جروزاليم بوسط" أن كشفت،خلال صيف 2007 أن الكاتب العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية تكلف بإيصال رسالة إلى الملك في غضون شهر مايو 2007، ملتمسا منه القيام بزيارة"رام الله" للقاء محمود عباس ودعمه في صراعه مع حكومة حماس المقاومة.كما أن الرئيس الإسرائيلي السابق"موشيه كاتشاف" سبق له أن وجه دعوة رسمية إلى محمد السادس لزيارة إسرائيل،إذ كان قد كلف"أندري أزولاي" بتبليغ الامر للملك. و"ليفني" ليس غريبة عن المسؤولين المغاربة، إذ سبق لها أن التقت بمحمد ياسين المنصوري(مدير لادجيد) والطيب الفاسي الفهري (وزير الخارجية والتعاون) أكثر من مرة وكان آخر اجتماع معها في نفس اليوم الذي استقبلها فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بباريس في صيف 2007 . وقد نوهت الوزيرة الإسرائيلية، على هامش هذا اللقاء، بالدور الكبير الذي ظل يلعبه المغرب في الجامعة العربية وفي مسلسل تسوية النزاع العربي الإسرائيلي. وبالرغم من كل هذا ظلت الجهات الرسمية ببلادنا تنفي حدوث مشاورات بخصوص إمكانية قيام ليفني بزيارة للمغرب،ويبقى الموقف الرسمي المعلن هو انقطاع العلاقات الرسمية بين الرباط وتل أبيب منذ أن انطلقت الانتفاضة الثانية،حيث أقدمت على إثرها السلطات المغربية على إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي الكائن بشارع الشهيد المهدي بنبركة بالرباط والذي بقي على حاله إلى حد الآن دون أدنى تغيير. وحسب أكثر من مصدر’هناك أكثر من جهة عربية تستحسن حدوث لقاء بين الملك محمد السادس وليفني،علما أنه إلى حد الآن لم تقدم أي جهة رسمية بالمغرب على تكذيب أو تأكيد خبر سعي رئيسة حزب"كاديما" إلى القيام بزيارة رسمية للرباط. إن المتتبع للإعلام الإسرائيلي منذ سنوات يلاحظ بوضوح أن شخصية الملك محمد السادس ظلت مركز اهتمام القائمين على الأمور بالكيان الإسرائيلي والرأي العام العبري، رغم أن محمد السادس بقي بعيدا عن تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي، خلافا لوالده الراحل الحسن الثاني الذي ترك له رئاسة لجنة القدس. ويقر أكثر من مصدر عبري أن الإسرائيليين معجبون جدا بنهج تعاطي الملك محمد السادس مع الصراع المذكور، حيث ظل تعامله مطبوعا بالتكتم الشديد،علما أن الشعور الذي كان سائدا بين الإسرائيليين في السنوات الأولى من العهد الجديد، هو شعور الخوف من صدور تصريحات مغربية رسمية معادية لإسرائيل من الرباط. ومن المحتمل أن تكون ليفني المرأة الثانية التي تقود الكيان الإسرائيلي-بعد"غولدا مايير"(التي حكمت إسرائيل في نهاية الستينات).ذلك أنها تتوفر على تجربة غنية في نطاق الاستخبارات،حيث كانت عميلة للموساد لمدة طويلة بأوروبا. ومن المعلوم أن اليهود من أصل مغربي أغلبهم موالون لحزب"الساس" المتطرف،كما أنهم يعتبرون من أكثر المعارضين ل"ليفني" ولحزبها وتعلم الوزيرة الإسرائيلية أن زيارتها للمغرب خصوصا أن لقاءها بالملك من شانه تليين موقف أولئك اليهود لصالحها في الانتخابات القادمة بإسرائيل في فبراير2009،ومعلوم أن جهات سعودية رسمية وازنة تتمنى تحقيق الزيارة لتمكين محمود عباس من البقاء على رأس السلطة الفلسطينية. لقد ظل الاتصال قائما بين المغرب وإسرائيل،كما أن الجهات الرسمية بقيت حريصة على ترك أبواب الحوار والتواصل مفتوحة في وجه الكيان الإسرائيلي وفعاليات المجتمع المدني العبري،علما أن الفلسطينيين دأبوا على طلب المغرب للتدخل لفائدتهم لدى إسرائيل،لصيانة بعض مصالحهم . ففي غضون شهر نونبر التقى الطيب الفاسي الفهري بمدينة طنجة وفدا إسرائيليا عالي المستوى يضم شخصيات لها كلمتها في دوائر صناعة القرار بالكيان الإسرائيلي ،وذلك على خلفية المنتدى الدولي الأول حول الحوض المتوسط"ميدايز2008" وقد اهتمت تل أبيب كثيرا بهذا الملتقى،إذ بعثت إليه مجموعة من صناع القرار لديها،وحظيت إشكالية"التطبيع اللامشروط"مع اسرائيل، من أجل دعم الرئيس الفلسطيني أبو مازن وسحب البساط من تحت أقدام حماس المقاومة،بأهمية بالغة خلال هذا الملتقى الذي استأسدت فيه عناصر الوفد الإسرائيلي.