واقع الانتحار في المغرب ، يدعو إلى طرح جملة من علامات الاستفهام، .حول أسباب هذه الظاهرة الغريبة التي استعر أوارها في الفترة الأخيرة .و لعل المتابع لما يجري يصاب بالذهول لكثرة الحوادث في هذا الباب -الجهنمي طبعا -إذا تحدثنا بمنطق الدين ، كيفما كان هذا الدين سماويا أم غير سماوي .. "" فقد وافتنا الصحف المستقلة في الأيام الأخيرة بعدة حالات تم فيها هلاك العديد من المغاربة جراء آلة الفتك الذاتية التي أزهقت أرواحهم وسط ذهول الجميع .ولو كانت هذه الحوادث مسجلة في السويد أو الدانمرك لأرجعنا السبب إلى الفراغ الروحي المنتشر بكثرة في صدور قوم خف إيمانهم و زاد شوقهم إلى معانقة عالم ما بعد الموت ، لزعمهم أنهم سيستريحون من عذاب مقيم . وقد كثرت أساليب الانتحار من الشنق وشرب الماء القاطع أو احد السموم المركزة إلى اعترض سبيل القطارات، وتعددت حوادث توقف القطارات عن سيرها، ومنها حادثة شهدتها بنفسي عند قنطرة وادي أبي رقراق عندما أراد مواطن مغربي أن يضع حدا لحياته ، وقد أخبرنا أحد الذين يشتغلون في أمن القطار الخاص أن الحوادث من ذلك القبيل أصبحت معهودة، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن تتناثر أشلاء أحد المغاربة تحت عجلات قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية . أما عن الأسباب فتتلخص عموما في الإحساس بالألم الشديد، والمعاناة الداخلية والاضطهاد العميق ،وإرادة الانتقام من الذات بتدميرها كلية ،في غياب الوعي الكامل بجدوى البقاء في حياة لا تولد –حسب زعم المنتحرين -إلا الإحساس بالألم. وإذا علمنا أن وزارة الصحة قد أعلنت في سابقة من نوعها في العالم أن ثلاثة ملايين مغربي -أي مجموع دولتين من دول الخليج العربي- قد أعلنوا عن نواياهم في الانتحار ، فسنعرف أن الأمر جد في جد ، و أنه يستحق من الاختصاصيين في علم النفس و الاجتماع و الجريمة و الدين و التربية كل الاهتمام. هذا عن الواقع المر ، أما عن الآفاق، فمظلمة بطبيعة الحال ،في غياب أية إرادة سياسية جادة لحل المعضلة الاجتماعية ، و في غياب توزيع عادل للثروات ،وتقسيم منصف للخيرات الكثيرة، التي حبانا بها الله في هذه الأرض السعيدة، عفوا الأرض التعيسة ،مادام عشر سكانها لا يفضلون البقاء على قيد الحياة. واقع مخيف و آفاق مظلمة ، إلا إذا صدقنا ما يقوله ذلك المغني الأمريكي مارلين مونسون الذي يشبه الشيطان، فقد أتحف جمهور عبدة الشيطان ، وموسيقى الهارد روك بأغنية جديدة عزز بها ريبرتواره الفني الإبليسي ، يقول فيها –أخزاه الله- الانتحار رحيم ، إنه يقود إلى تغييرات كثيرة ، لعب الحياة صعب، و طريقها سوف ينتهي حتما ، قد نحتفظ بالحياة ، وقد نتركها إذا أردنا ... نكون أو لا نكون ...الانتحار رحيم .... الم أقل انه شيطان .. لنتشبث بالحياة و لنغني لجمالها كل صباح كما يقول الشاعر محمود غنيم علمتني الحياة أن أتغنى بجمال الحياة كل صباح و لنتذكر دائما أن لنا ربا رحيما يبتلينا، لنستسيغ طعم الحياة .فالهموم توابل الحياة .ولولاها لما طابت وساغت ،وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. [email protected]