المناسبة كانت رياضية مع المواجهة بين منتخبي الجزائر والمغرب للسيدات في تصفيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم 2014، ولكنها حملت دلالة رمزية قوية تمثلت في إبراز مكانة المرأة في مجتمعات مغاربية محافظة زادها التشدد الديني والانغلاق السياسي جمودا. "نعم، أنا سعيدة جدا بخوض هذه المباراة أمام زميلاتي الجزائريات وأتمنى أن يكون العرس كبيرا، على الملعب وخارجه". بهذه الكلمات القليلة والعبارات القصيرة أجابت مهاجمة المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات غيزلان شبك عندما سألناها عن الدلالات التي تحملها المباراة بين فريقها ونظيره الجزائري والتي جرت مساء الجمعة في العاصمة الجزائرية. المباراة انتهت بفوز الجزائر 2- صفر، ولكن الأهم لم يكن في النتيجة، بل في الدلالة الرمزية لهذه المواجهة الرياضية التي تزامنت مع "يوم الحب". "إذا كنت تعتقد أن الجمهور كان دائما حاضرا في المباريات النسائية فأنت مخطئ تماما!" لاشك أن فرحة غيزلان وراءها دوافع رياضية بما أنها لاعبة كرة قدم تنافس من أجل التأهل إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا المزمع إجراؤها في ناميبيا من 11 إلى 24 أكتوبر الأول المقبل. ولكن الدوافع أيضا معنوية تحدثت عنها قائدة المنتخب الجزائري فطيمة سكوان بصراحة شابة في عمرها (23 عاما): "عندما تدخل الملعب وترى أن المدرجات مليئة بالمتفرجات والمتفرجين تقول في نفسك إن شيئا تغير وأن هناك طفرة نوعية حققتها النساء وكرة القدم النسائية". وتابعت هذه الطالبة بجامعة وهران (غرب البلاد) بمزيج من التساؤل والسخرية: "إذا كنت تعتقد أن الجمهور كان دائما حاضرا في المباريات النسوية فأنت مخطئ تماما!" المهاجمة المغربية غيزلان شبك، لاعبة الجيش الملكي شبك المغربية وفطيمة الجزائرية لم تعرفا بعضهما البعض قبل هذه المباراة، إلا أن كلامهما متشابه متقارب يثير نفس الانشغالات وكأن اللاعبتان تشتركان في الحلم والآمال. فعندما تتحدث شبك عن سعادتها بخوض مباراة أمام الجزائر، فذلك راجع كما قالت إلى كسر "التهميش الذي يشكو منه كل ما هو نسوي في "المجتمعات المغاربية"، مجتمعات محافظة زادها التشدد الديني والانغلاق السياسي جمودا وغموضا. وربطت لاعبة الجيش الملكي التي يناهز عمرها 23 سنة بين كرة القدم والشعور بإبراز الذات، لذلك باتت تشدد على "التهميش وعدم الاكتراث بالكرة النسائية"، ما جعل نساء شمال أفريقيا "متخلفات رياضيا" عن نظيراتهن في باقي القارة الأفريقية. نساء على الملعب للتنافس وأخريات بالمدرجات في مهمة كسر الجمود وتأسفت شبك كما فعل مدربها عبيد أوبنعيسى بتوقف الدوري المغربي للنساء مدة عامين، متزامنا في ذلك مع تجميد نشاط المنتخب النسائي الجزائري في 2010 على خلفية إخفاقه في نهائيات كأس أمم أفريقيا في جنوب أفريقيا. وتحسر أوبنعيسى على "نقص المنافسة" "الذي تعانيه كرة القدم النسائية في شمال أفريقيا ولتوقف المنافسات الإقليمية والعربية، مشيرا إلى أن الخاسر من المواجهة بين المغرب والجزائر سيبقى "بدون أي منافسة رسمية مدة عامي ونصف العام". وبدا الجميع مركزا عند انطلاق المباراة، وزادت الأجواء جمالا بإشراق شمس ساطعة في سماء الجزائر، شمس أنارت قلوب الرياضيات والجماهير، وأضاءت طقسا ربيعيا لطيفا وسط درجة حرارة ملائمة بلغت 25 درجة مئوية. الجمهور الحاضر في مدرجات "عمر حمادي" بالعاصمة الجزائرية كان نصفه على الأقل من النساء، بعضهن جاء من مدن شرق وغرب البلاد البعيدة مئات الكيلومترات عن الجزائر. وقد احتفلن كثيرا بفوز منتخب "الخضر" وقبله صفقن وغنين وهتفن بشعارات الرياضة والمحبة والتقارب، وكأنهن في مهمة كسر الجمود ونفض الغبار عن بقايا تفكير قديم صامد لتحولات الزمن. نادية براهيمي رئيسة نادي قسنطينة لكرة القدم سيدات "أولياء أمور الطالبات صاروا يكترثون بنتائج بناتهم ويحضرون التدريبات والمباريات" وكان ضمن الجمهور سيدة محجبة تتابع مجريات اللقاء باهتمام كبير، سيدة اسمها نادية براهيمي وهي رئيسة نادي قسنطينة (شرق) للسيدات. نادية تشارك شبك وفطيمة نظرتهما القاسية والمتفائلة في الوقت ذاته، وشددت على أن "نظرة المجتمع إلى الرياضة النسائية تطور كثيرا"، مشيرة إلى أن ذلك راجع إلى عنصرين أساسيين: الأول هو "الترويج الإعلامي المتنامي" والثاني "كسب الأندية النسائية للألقاب، ما دفع بأولياء الأمور إلى الاهتمام أكثر بنتائج بناتهم فصاروا يحضرون التدريبات والمباريات". وإذا لم تنس لاعبات المنتخبين الجزائري والمغربي الحماس والحساسية اللذين تثيرهما المواجهات الرياضية بين البلدين، خاصة بحكم الجدار الفاصل بين الحدود، إلا أنهن تمتعن بالمباراة ومتعن الجمهور بمهارات فنية جميلة وبإرادة قوية في تجاوز الذهنيات المتخلفة. وقالت رئيسة نادي قسنطينة إن "النظرة السيئة التي كانت لدى المجتمع عن الكرة النسائية بدأت تزول وتذوب"، مذكرة بأن الفريق القسنطيني توج بطلا سنتين على التوالي بين 2011 و2012. وأضافت نادية براهمي أن "معركة كشف المواهب هي نفسها لدى الذكور والإناث، مشيدة بمجهود ناديها لاستقطاب الشابات في الصغر، لاسيما في الأحياء الشعبية ومن خلال المسابقات المدرسية". من جهته، أقر رئيس الرابطة الجزائرية لكرة القدم النسائية جما كاسحي بأن هذه الرياضة قطعت شوطا كبيرا في زحفها إلى الأمام، وقال إنه "يكفيه فخرا أن مدرجات الملعب امتلأت بشباب وشابات مشتركين في الاهتمامات والتطلعات"، مشيرا إلى عنصر بالغ الأهمية بخصوص القفزة المحققة وهو على حد تعبيره "أنوثة الطاقم الطبي للفرق" الجزائرية. وأضاف جمال باعتزاز أن عدد اللاعبات المسجلات ارتفع من 730 إلى 3000 خلال أربع سنوات. فرحة اللاعبات الجزائريات إثر فوزهن على المغرب هكذا كانت أجواء الجزائر والمغرب وشمال أفريقيا يوم جمعة تزامن فيه الدعاء إلى الصلاة والاحتفال رياضيا بعيد حب ومحبة وتقارب، وكأن كل شيء يسير نحو الأمام وكأن مجرى الحياة عادي. ورغم الخسارة، لاشك أن غيزلان شبك سعيدة بممارسة رياضة كرة القدم والتعرف على جارات لم تكن لتلتقي بهن خارج الرياضة.