خلف مشروع الاحتراف الذي تبنته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قبل خمسة مواسم، الكثير من النقاش بين مختلف مكونات كرة القدم المغربية، وكان التساؤل الرئيسي الدائر بشكل كبير حول الموضوع، هو مدى قدرة واستجابة الفرق الوطنية لدفتر التحملات الخاص ب"النادي المحترف"، وحدود قدرة تحمل هذه الفرق لمتطلبات المنافسة في بطولة ذات طابع احترافي بالشكل الذي حددته جامعة الكرة في رزمة من الشروط. وكشفت المواسم الأولى للمشروع عن عيوب كثيرة سرعان ما وجد لها القائمون على الشأن الكروي مخرجا آنيا، وذلك عن طريق التأكيد على كون الاحتراف سيجد طريقه لعالم المستديرة الوطنية بشكل تدريجي، على أن يكون التنزيل الكلي للمشروع وتجاوز تلك العيوب بشكل كلي في قادم المواسم. غير أن بلوغ الاحتراف موسمه الخامس والوقوف على أبواب النسخة السادسة، أعاد إثارة التساؤل نفسه، خصوصا بعد الواقع المر الذي عاشته جل الفرق الوطنية خلال الموسم الكروي المنصرم من حيث الجانب المالي بالتحديد، بعد أن اتضح بجلاء لكل المتتبعين عجز الفرق الوطنية عن مسايرة نسق الاحتراف ومتطلباته المالية، الشيء الذي خلف أزمات مالية خانقة عانت منها أغلب الفرق التي تسير تجاه المجهول بفعل زيادة قيمة العجز المالي لديها كل موسم، ليطرح هذا الواقع العديد من التساؤلات والمخاوف حول مستقبل البطولة المغربية بالخصوص في قادم المواسم إن تواصل هذا الوضع، وكذا عن المستندات الممكنة والكفيلة بالخروج من هذا المأزق لبلوغ احتراف حقيقي ملموس على الواقع، بعيدا عن الاحتراف بالنوايا والتمني. أي تقييم لمشروع الاحتراف في موسمه الخامس؟ بلغ مشروع الاحتراف الذي تبناه الجهاز الوصي على الكرة المغربية، موسمه الخامس بعد إسدال الستار على الموسم الكروي المنقضي، غير أن نسخته الخامسة لم تكن كفيلة بالتقدم في رسم معالمه المنتظرة، بل عادت إلى نقطة الصفر في العديد من النواحي، بما فيها المتعلقة بالمردود التقني والحصيلة الرقمية وكذا المرتبطة بالأجهزة المنظمة للمسابقة وكل ما يحيط بها من برمجة، تحكيم، تأديب، إضافة إلى تدبير شؤون الفرق الذي سجل فشلا كبيرا من حيث الجانب المالي بالخصوص. وأجزم محمد بادريس، "مناجر" في التسيير والتدبير الرياضي، في هذا السياق خلال تصريح أدلى به ل''هسبورت''، أن مشروع الاحتراف في التجربة المغربية بعد مرور خمسة مواسم عن تطبيقه، يسير على السكة الخاطئة بعد أن فهمه جل مسؤولي الفرق بالشكل الخطأ، إذ يتطلب ذلك أولا التحرر من العقلية والتفكير الهاوي قصد استيعاب مبادئ وقوانين وأنظمة الاحتراف. وأكد المتحدث على كون الممارسات التي تشهدها البطولة من ارتجالية في التسيير والاجتهادات الشخصية والتنافس على تضخيم صفقات اللاعبين يؤكد أن التجربة المغربية في طريق خاطئ، مبرزا أن مشكل التجربة المغربية ليس مشكل توفير المال بل مشكل تخطيط وتسيير وتدبير وافتقاد لمختصين في المجال، إذ لا يعقل في زمن الاحتراف أن تسير الفرق المحترفة بعقليات هاوية. وأفاد بادريس، في تقييمه للتجربة المغربية أنها لم تبدأ بعد في تطبيق الاحتراف السليم والمفروض من طرق الاتحاد الدولي، على اعتبار أن الاحتراف المطلوب هو منظومة شاملة تتضمن عدة جوانب أولها تغيير العقليات والفكر الهاوي للمسيرين ليتماشى مع فكر الاحتراف الذي يتطلب التسيير المعقلن والمقاولاتي إضافة إلى احترام وتطوير جميع معايير الاحتراف بدءا بالهيكلة الاحترافية وتطوير الموارد وجلب ذوي الخبرة والاختصاص في المجال والاشتغال وفق استراتيجيات علمية مدروسة موضوعة من أهل الاختصاص، إذ باستثناء بعض البنيات التحتية المحدثة، فلا إنتاج ولا تحول كروي يلاحظ، وبالتالي لا يمكننا الحديث هنا إلا عن الاحتراف الاستهلاكي. الأزمة المالية.. عنوان بارز لخامس مواسم الاحتراف عرفت بطولة الموسم الكروي المنقضي عدة أشياء أساءت من جديد للكرة الوطنية على غرار ما عرفته النسخ السابقة من شغب الجماهير ومباريات بدون جمهور وأخطاء متكررة للحكام، غير أن العنوان البارز الذي يمكن أن يعطى للنسخة الاحترافية الخامسة، يبقى مرتبطا بالتدبير الحاصل لشؤون الفرق، بعد الأزمة المالية الخانقة التي عاشت على إيقاعها فرق القسم الأول باستثناء ثلاثة منها، حيث عانت جل الفرق من أزمة مالية حادة جعلت مستحقات اللاعبين ورواتب المستخدمين عالقة لعدة شهور، بل لأزيد من سنة كما هو الحال على سبيل المثال لدى لاعبي النادي القنيطري وحسنية أكادير الذين خاضوا منافسات هذا الموسم في ظل مستحقات عالقة منذ الموسم الماضي، كما أن ديون الفرق وعجزها سجلا ارتفاعا مهولا بالمقارنة مع المواسم الأخيرة، إذ قارب الرقم مليار سنتيم لدى بعضها كما هو الأمر مثلا لدى الكوكب المراكشي ومولودية وجدة، كما تجاوزت المستحقات العالقة في فترة من فترات الموسم هذا الرقم لدى كل من فرق حسنية أكادير، النادي القنيطري، المغرب الفاسي، اتحاد طنجة، المغرب التطواني، أولمبيك آسفي، فيما قارب الرقم المليارين بالنسبة إلى الرجاء الرياضي. وأقر بادريس، في حديثه ل"هسبورت" أن أمر الأزمة المالية لدى جل الفرق الوطنية كان متوقعا، بالنظر إلى كون الركائز الأساسية لتطبيق مشروع الاحتراف ومواكبته كانت مفقودة لدى جل الفرق، كما أن غياب استراتيجيات واضحة للعمل أسهم في تبذير أموال كثيرة بفعل التغييرات الحاصلة في المدربين واللاعبين، إضافة إلى كون جل المسؤولين يعتمدون على الاجتهادات الشخصية والارتجالية في التسيير على حساب التخطيط. الاحتراف.. الاقتراض والتعويل الكلي على المنح المالية للمجالس، أية علاقة؟ في ظل النقص المهول للسيولة المالية للفرق الوطنية والمطالب المالية المرتفعة للاعبين في مقابل عجز مسيري الفرق عن إيجاد موارد مالية إضافية لحل الإشكال ومسايرة الوضع، تبقى السبل التي نهجتها جل الفرق في الموسم المنقضي كما في المواسم الأخيرة، هي الاقتراض من جهات أخرى ومن بعض أعضاء المكاتب المسيرة بالتحديد، إذ يدين العديد من المسيرين في فرق اتحاد طنجة، المغرب التطواني، النادي القنيطري، الرجاء الرياضي والكوكب المركشي لهذه الفرق بمبالغ مهمة، بعد أن مكنوهم وسط الموسم من سيولة مادية لتدبير المرحلة، كما ظل جميع مسؤولي فرق القسم الأول ينتظرون الإفراج عن منح المجالس المنتخبة لصرف مستحقات اللاعبين، لدرجة أن هذه الفرق ربطت ما عانته في الجانب المالي هذا الموسم للتأخر الحاصل في صرف منح المجالس التي تعد المورد الأول المعول عليه لتدبير شؤون الفريق خلال كل موسم بالإضافة إلى عائدات النقل التلفزي ومنحة الجامعة التي غالبا لا يتوصلون بقيمتها كاملة بسبب النزاعات الكثيرة مع اللاعبين على وجه الخصوص. ولعل تعويل الفرق الوطنية بشكل كبير على منح المجالس المنتخبة وربط سد بعض من متطلباتها بهذه المنح في ظل عجزها عن إيجاد موارد قارة في مداخيلها، يطرح تساؤلا كبيرا ليعد بذلك معيارا حقيقيا لقياس مدى تحول الفرق الوطنية من زمن الهواية للاحتراف، على مستوى التسيير، لأن الحديث عن الاحتراف في ظل ذلك يبقى أمرا معيبا، لكون أنه من الواجب على ميزانيات الفرق أن تتنوع مواردها بشكل يضمن لها استقرارا ماليا كفيلا بتغطية مصاريف كل موسم على الأقل بارتياح، بعيدا عن التعويل الكلي على منح المنتخبين التي تتحدد قيمتها أحيانا وفق أهوائهم ومصالحهم ووفق الولاء وطبيعة الانتماء والمشاركة السياسية لمكونات الفرق. سوء التدبير رقم رئيسي في معادلة أزمة الفرق الوطنية بالعودة إلى كل ما عانته جل الفرق الوطنية من الناحية المالية هذا الموسم، وبجرد تفاصيل ومعطيات حالة كل فريق، نلمس أن سوء التدبير يبقى عاملا ومحددا أساسيا في الموضوع، على اعتبار أن كل الفرق تقدم مع بداية كل موسم على انتدابات بالجملة للاعبين بمختلف المراكز رغما عن الحالة المالية للفريق التي لا تسمح بذلك، إذ بوضع المجهر على سبيل المثال في وضع فريق الرجاء الرياضي الذي سجل رقما مهولا في عجزه بلغ مليارا و800 مليون سنتيما، نجد أن ثلة من اللاعبين استقدمهم الفريق بأموال كبيرة ومنهم من لعب مع رفاق الزنيتي دقائق فقط تعد على رؤوس الأصابع، إضافة إلى تغيير المدربين، وهذا أمر يقاس على باقي الفرق رغم اختلاف حجم قيمة الاستثمارات الفاشلة في اللاعبين، وهو الأمر الذي زكاه محمد بادريس، ل"هسبورت" من خلال تأكيده على كون الارتجالية في التسيير وسوء التدبير هي معيقات بلوغ الاحتراف المنشود، مبرزا أن سبيل الوصول إلى ذلك رهين بالعمل الاحترافي داخل المكاتب المسيرة وتوديع سياسة الرجل الواحد والبارز الذي يقود سفينة الفريق وينفرد بالقرارات، إذ وجب الاستعانة بأصحاب الاختصاص كل في مجاله لوضع وتحديد الاستراتيجيات ومسايرة عمل المكاتب المسيرة لترجمة الأهداف في الواقع. سبل تصحيح المسار وتجاوز الوضع الراهن أجزم بادريس، أن الفرق الوطنية التي تعيش على وقع الأزمة المالية ليس بمقدورها تجاوز الوضع الراهن والتغلب على الأزمات بمفردها في الفترة الحالية، بالرغم من كون المنح المالية لمختلف الجهات تعد محترمة في اعتقاده، "غير أن المرحلة تستوجب مواكبة الفرق ومساعدتها لتتمكن من ترشيد النفقات والتحول إلى فرق منتجة اقتصاديا وكرويا حتى بعد تحولها إلى شركات"، مضيفا أن هذا كله لن يتم بدون الاعتماد على أصحاب الخبرة والتخصص، إضافة إلى تشديد المراقبة الصارمة على الفرق أو الشركات الرياضية بمفهومها الجديد المرتقب، مع إجبارها على تطبيق دفتر التحملات والمعايير الإجبارية للاحتراف التي يتضمنها، تنزيلا للتوعد الحاصل بين الجامعة الملكية المغربية للعبة والاتحاد الدولي.