لم يفلح عقدان من الزمن في دفعه إلى نسيان حلمه، حتى ولو أراد له البعض أن يعدم هذا الحلم في مقصلة النسيان، فمنذ أن وضع أول تصميم لاختراع اللوحة الإلكترونية الخاصة باستبدال اللاعبين، وهو يحمل ملفاته بين أروقة الإدارات المغربية وحتى الأجنبية الخاصة بكرة القدم دون أن ينال شرف الاعتراف بما يقول إنه اخترعه. من مدينة الصويرة، يبلغ من العمر 54 سنة، من مؤسسي اتحاد المخترعين والمجددين المغاربة، سبق له أن فكر في مجموعة من الاختراعات المفيدة في عالم كرة القدم، منها الراية الإلكترونية التي تسمح بمعرفة حالات التسلل، وفكرة زرع عشب أقل منحدر وراء خط المرمى يسمح بأن تعانق الكرة الشباك كلما تجاوزت الخط. عادت هسبريس إلى قصة رجل مع اختراع احتفت به في حينه مجموعة من الصحف المغربية، ونظر إليه البعض على أنها مساهمة من مواطن مغربي في الدفع بملف ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم سنة 2006 وفي التعريف بالطاقات المغربية، إلّا أن السنوات نزفت من عمر نور الدين عبد الوش دون أن تضمد جراح ما يؤكد أنها سرقة موصوفة لمجهوده. وسط المياه..وجدها ! لم يمنعه عمله السابق كبحار في إحدى البواخر الإسبانية من التخلّي عن هوايته المفضلة: مشاهدة مباريات كرة القدم ومتابعة أخبارها، ففي كل رحلة تستمر لأشهر داخل عباب ما يحيط باسبانيا من مياه، كان نور الدين عبد الوش يحرص على متابعة أخبار معشوقته إلى أن داهمته أحد أيام سنة 1993، فكرة اختراع لوحة إلكترونية مغربية تمكّن من تغيير اللاعبين في الدوريات المحلية دون الاستعانة باللوحات الخشبية. بعد أيام من الانكباب على الاختراع، تمكّن أخيرا من التوصل إلى طريقة اختراع هذه اللوحة، واستطاع الحصول على براءة الاختراع باسبانيا بعدما قدم لهم خطاطة مشروعه، لتطلب منه وزارة الصناعة الإسبانية أن يشارك في معرض دولي للاختراعات بسويسرا، إلا أن الشكوك ساورته من إمكانية نسب هذا الاختراع لاسبانيا بدلا من بلده المغرب، فقرر أن يقدم مشروعه في المغرب كي يساهم في تقديم صورة إيجابية عنه. قرار يتذكره بكثير من الألم، خاصة عندما أصرّت مسؤولة اسبانية على أن يبقى ببلدها مقدمة له كل الضمانات بدعم أفكاره دون أن يذعن لها. سنة 1994، يسجل عبد الوش اختراعه بالمكتب الوطني للملكية الصناعية تحت رقم 23306، وفي تلك الأثناء يلتقي بعدد من المدربين المغاربة الذين نصحوه بمراسلة الفيفا، وهو ما قام به، لتجيبه هذه الأخيرة عبر رسالة مؤرخة بالسابع من أكتوبر من تلك السنة، بأن ينسق مع الجامعة الملكية لكرة القدم التي بإمكانها تجريب هذا الاختراع ومن تم تسويقه عالميا، وعندما تشاور مع مدرب مشهور تحفظ على ذكر اسمه، قال له هذا الأخير:"ستندم كثيراً إن تعاملت مع الجامعة". عمل عبد الحق باقتراح الفيفا، وتوجه إلى اللجنة التقنية داخل الجامعة المغربية التي تسلمت منه مشروعه، وبعد ذلك انقطع خط التواصل بينها وبينه، ولم تجب على أزيد من 50 رسالة أرسلها إليها حول اختراعه، وأثناء انتظاره الجواب الذي لم يصل أبداً، شارك في معرض دولي للمخترعين بالدار البيضاء، ربح فيها الميدالية الذهبية، ومن خلال هذا المعرض، تعاقدت معه شركة تعنى بالتجهيزات الرياضية اسمها "إكس تال" ووقّعت معه التزاماً يقضي بتصنيع لوحته الإلكترونية. حكاية "الغدر" التي بلغت ربيعها ال21 سنة 1995، اللوحة الإلكترونية تظهر لأول مرة في العالم، المناسبة نهائي كأس الكؤوس الأوروبية الذي فاز به نادي سرقسطة الإسباني على حساب أرسنال الإنجليزي. من هي الجهة التي اخترعت هذه اللوحة؟ سؤال لم نجد له جواباً رغم محاولاتنا لأزيد من ستة أشهر البحث عن الشركة التي صنعت اللوحة لأول مرة، وهل يمكن أن يكون تصنيعها لها على صلة بتصميم نور الدين عبد الوش، أم أن الأمر لا يعدو وأن يكون مجرد صدفة؟ أي أن الشركة التي صنعتها اهتدت إلى الفكرة نفسها تقريبا في الوقت نفسه الذي اهتدى إليها عبد الوش؟ 1996، وبعد مراسلات متعددة إلى الجامعة المغربية من أجل تدشين هذا الاختراع في لقاء رسمي للمنتخب المغربي ضد نظيره سيراليون، ونظراً لغياب أي إجابة من الجامعة على مدار سنتين، قرّر نور الدين التوجه إلى الملعب حاملاً لوحته، غير أنه مُنِع من دخول المنصة الشرفية التي كان يتواجد بها مسؤولون في كتابة الدولة الخاصة بالشبيبة والرياضة، وفي تلك الأثناء ظهرت له لوحته الإلكترونية يحملها الحكم الرابع في الملعب. شعور نور الدين وهو يرى ما يؤكد أنه اختراعه في الملعب دون أن يتم الاحتفاء به أو حتى ذكر اسمه أثار عنده مشاعر متناقضة، حاول أن يدخل للملعب ويصرخ بأن تلك لوحته وهو مالكها الوحيد، إلا أن صديقه (مسؤول شركة إكس تال) منعه من ذلك ناصحاً له بالبحث عن حل ودي لمشكلته مع الجامعة. سنتان بعد ذلك، وفي إطار دوري مصغر كان المغرب ينظمه بين أربعة منتخبات عالمية، جمع لقاء نور الدين بمسؤولي الجامعة، وأخبره واحد منهم بأن اللوحة قد تمّ تصينعها وأن اسمه سيظهر قريباً بجانبها، ويشير نور الدين إلى أن ممثلاً عن الفيفا أتى للمغرب في زيارة تفقديّة، وقد راوغ ممثلو الجامعة كي لا يتعرّف عليه، عندما قدموه له على أنه حكم مغربي مشارك في المسابقة. عرفت تلك السنة مشاركة المغرب في نهائيات كأس العالم بفرنسا في آخر موعد تحضر فيه أسود الأطلس لهذا العرس العالمي، يقول نور الدين إن مسؤولي الجامعة وعدوه بأن يسافر معهم في بعثة المنتخب المغربي من أجل تقديم الاختراع هناك، وبعد ليلة قضاها بفندق تابع للشبيبة والرياضة، استفاق في الصباح على خبر سفر وفد الجامعة من دونه ليلاً! بعد ذلك كاتب نور الدين ميشيل بلاتيني رئيس اللجنة المنظمة لكأس العالم، والفيفا مرة أخرى، دون نتيجة. قبل أن يحفل من الجامعة بتكريم بسيط رفقة بلقولة على أنه مخترع رياضي دون أن يتوصل بأي شيء من حقوق ملكية اختراعه، لتنهي الجامعة قصتها معه بشكل نهائي. لا جواب من المعنيين! يبرز في القضية اسم شركة "إكس تال" التي تعاقدت مع عبد الوش من أجل تصنيع تلك اللوحة الإلكترونية قبل أن تقطع العلاقة بينهما نهائياً بعد رفض الجامعة الاعتراف بتصميم عبد الوش. يقول هذا الأخير إن مسؤولي "إكس تال" لهم يد في الاستيلاء على تصميمه، وحاولنا البحث مراراً عن رقم هذه الشركة ومكان تواجدها، إلّا أننا علمنا أنها غيّرت اسمها ومقرها وأرقام الهواتف الخاصة بها، فصار صعباً أخذ وجهة نظرها في الموضوع. تعددت مراسلات نور الدين عبد الوش إلى المسؤولين منذ ذلك التاريخ دون أي نتيجة، قدّم لنا نور الدين العشرات من الوثائق التي راسل بها الجامعة الملكية المغربية ووزارة الرياضة، زيادة على مراسلة موقعة من طرف جوزيف بلاتر، رئيس الفيفا يهنئ فيها عبد الوش شخصياً بمجهوداته في تطوير كرة القدم. وعندما اتصلنا بدورنا بمسؤولين في الجامعة، ووجهنا رسالة إلكترونية إلى البريد الرسمي للجامعة، لم يجب أحد على رسائلنا المتعددة. كما حاولنا الاتصال أكثر من مرة بمحمد حرّان، المسؤول الجامعي الذي يقول عبد الوش إنه مطلع على الملف، دون أن يجيب، وحملنا الأسئلة كذلك إلى لحسن باكين، المسؤول في اللجنة الأولمبية، والذي يقول عبد الوش كذلك إنه على علم واسع بالملف، إلّا أنه لم يجب هو الآخر على اتصالاتنا المتعددة. اتصلنا بالفيفا من أجل تبيان وجهة نظرها في الموضوع، فكان جواب المكلفة بالتواصل مع وسائل الإعلام، أن نور الدين عبد الوش سبق له أن تواصل مع الفيفا أكثر من مرة حول هذا الموضوع، إلّا أن طبيعة النزاع بعيدة كل البعد عن اختصاص الاتحاد الدولي لكرة القدم، خاصة وأن اللوحات الإلكترونية التي تستخدم في المباريات، يتم تصنيعها من طرف مجموعة من الشركات الخاصة التي لا تتعامل بشكل مباشر مع الفيفا، وبالتالي فعلى عبد الوش، تقول الناطقة، أن يتواصل مباشرة مع هذه الشركات، وأن يستشير مع محام متخصص في مثل هذه المواضيع. لم ينته أمل الاعتراف بعد.. يتهم عبد الوش مجموعة من الأطراف ببيع تصميمه إلى شركات عالمية دون إذنه، حاولنا أكثر من مرة السماع لهذه الأطراف من أجل تكوين نظرة شاملة عن حقيقة القضية، إلّا أن إيجاد معلومة مفيدة كان أمراً بالغ الصعوبة، فقد لمسنا نوعاً من التحفظ عند الكثير من الرياضيين الذين على علم بالقضية، ومنهم مدرب مغربي رفض مطلقاً الحديث رغم تأكيده أنه يعلم بعض تفاصيل ما وقع، وكذلك فعل صحافي مغربي معروف. يقول نور الدين إنّ لوحته الإلكترونية لا زالت تُستعمل حتى الآن في مباريات المنتخب الوطني، بينما حصل تغيير كبير على تصميم تلك اللوحة التي تستعملها الفيفا في جل الدوريات والبطولات التي تنظم تحت إمرتها، وبالتالي فالنزاع صار يحمل مؤخراً بعداً وطنيا بالأساس. يجلس نور الدين أمام شاشة التلفزيون من أجل متابعة معشوقته، ينظر بحسرة إلى تلك اللوحة التي يحملها الحكم الرابع.. يتذكر أحلامه وهو على متن الباخرة الإسبانية.. يسترجع تعاقده مع شركة من أجل تصنيع اختراعه، ويعود ذهنه إلى مرارة الترّدد على مقرات المسؤولين الرياضيين المغاربة دون طائل، فيحاول العودة مكرهاً إلى المباراة:"لالمان هاد العام واعرين بزاف". لم يؤد به الإحباط على الابتعاد نهائياً عن كرة القدم، فهو رئيس نادي الاتحاد الصويري لكرة القدم ومشارك في تنظيم مجموعة من التظاهرات الكروية، نشاط يعبّر عن حب رجل لميدان حتى وهو يتجرّع بسببه العلقم، ويقضي زُهاء 21 سنة بحثاً عن مجد لم يتحقق، لكنه مع ذلك لم يفقد الأمل، ما دامت معركته مع الاعتراف، لم تضع أوزارها بعد.