كان الحدث أحسن فيلم كوميدي ساخر خلال رمضان وسط جبل من حموضة التلفزيون... خروج بقر الجاموس في ماراطون الرباط عاصمة الأنوار .. العجول تجري خلف العجول.. ثور آدمي يطارد ثورا حيوانيا.. لقد قسمنا بينكم في الأرزاق و الأدوار.. تشابه علينا البقر.. كم من عجل و ثور خير من عجول بشرية.. إنها الفراجة.. إنها حفلة..عرس ..موسم سيدي عبد الله أمغار.. إنها الواقعة العظيمة التي كانت تنتظرها عاصمة الانوار لتظهر أكثر جاذبية و أناقة و رشاقة و حداثة.. أيها الجاموس الكريم العزيز .. لقد حققت الفرجة التي ضيعها التلفزيون بكوميديا تسبب الإكتئاب والسكري.. أيها الجاموس الحبيب.. أعرف أنك مسكين.. أعرف أنك مغرر بك ..أعزل و ضائع و مهجر قسريا .. أعرف أن سفرك عبر بحر الظلمات كان شاقا و طويلا.. كان سفرا نحو المجهول..و كنت صبورا و فزعا مكتئبا تفكر في هذا المصير التراجيدي.. أن تكون نهايتك في طاجين بعد شتمك وإحتقارك .. أعرف مدى الألم و المعاناة و الفاجعة التي شعرت بها خلال رحلة عبورك الطويلة إلينا.. إنها حكاية ديبورطاسيون ..نحو أفران المطابخ والمطاعم.. أيها الجاموس الظريف .. أعرف جيدا حجم الحكرة التي تشعر بها.. شعب يجري خلفك في الشارع ..مهرجان بامبيلونا الذي تطلق فيه الثيران بشوارع المدينة و يخاطر الشباب في لعبة الموت معها قفزا و رقصا وتدافعا .. إنتقل المهرجان من شمال إسبانيا و طريق معبد سان جاك دو كامبوصطيل الى الرباط و حي أكدال بلا سابق إشعار.. أعرف جيدا حجم الحكرة التي تجتاحك و أنت ترى و تسمع جماهير تصرخ في وجهك... تهجوك هجاء شديدا..تصفك بأقذر الالقاب و الصفات.. إنك لا تصلح ..لا فائدة منك.. إنك بشع بالحديبة الكورة في ظهرك..مع كشكوشة تتدلى .. يا جاموس.. يا موقظ غريزة و أدرينالين الجماهير إنك سبب كل المشاكل التي يعيشها الشعب.. إنهم يحتقرونك و يسخرون منك.. لكنك ستنتهي في ولائمهم و موائدهم.. أعرف أنك تفهم لغتهم و صراخهم و ضحكاتهم و نواياهم المفترسة..فقط لسانك لا ينطق.. لا لغة لك غير الخوف و الدهشة في نظراتك .. ثم الهروب..الهروب الكبير.. في أيام الجامعة أكلت الجاموس كما غالبية طلبة المغرب .. لم نجد فيه سوى البروتين الذي ينقصنا نحن القادمين الى الرباط بقدر متفاوت من نقص التغذية.. أعترف أن الجاموس أنقذنا من الجوع.. كان لحما مغذيا دسما ..كول و عاود كما تشاء إلى أن تدوخ و تنتفخ معدتكم أيها الطلبة الجياع.. من أين أتى كل هذا الهجوم على بقر الجاموس..؟. من حرك القطيع بهذا العداء السافر لحيوان مسالم منذور مآله لوجبات طواجين بالحرور و كفتة و قطع سطيك لذيذة مع بصل و بعض البطاطا و الثوم.. عرف المغاربة عام الجوع.. في ذاك الزمن لو جرى و وجدوا الجاموس سيطحنونه و يتجشأون راضين حامدين شاكرين.. عرف المغاربة عام الجوع..وعام البون..وعام رجوع محمد الخامس من مدغشقر..و عام الجراد.. عام الزيت القاتلة..وعام المسيرة الخضراء . عام البيرة الفاسدة المستوردة ..وعام انتفاضة 20 يونيو .. و الآن وصلنا إلى عام الجاموس.. يوم خرج البقر مرعوبا خائفا لا يعرف أين يعطي رأسه في عاصمة المملكة .. يجري و يجري و خلفه القطعان في حيحة مبتهجة شاخذة فكت من عقالها تطارد الهارب الزغبي المضطهد .. المغاربة الذين يسرطون التقلية و لعلاوة و أمعاء البقر والغنم و الماعز و الرأس المبخر و شحمة لهبيلة و الكعاوي و أيور الدواب و حوافرهم صاروا اليوم يزايدون علينا .. قالك ما قال لك..الجاموس خايب ..لا يصلح للتغذية.. تأكلون كفتة علال التازي و الدجاج الرومي .. تأكلون الخبز المدعم الذي يسبب التخلف العقلي و أمراضا غريبة مزمنة و تستأسدون على البقرة.. ثافوناست..؟ أي عقل معطوب هذا الذي يرفض بالسنوب و الرياء بروتين الثيران الأمريكية و الأسيوية و هو يسرطها سرطا كل يوم عند ماكدو ومطاعم بورغير كينغ .. سآكل الجاموس.. سآكل لحم الجاموس.. لست نباتيا.. لكني أحذر و أتفادى كثيرا من الخبز المدعم.. دقيق الفئران..