خرج الثور قبل أن تخرج الثورة .. خرج في الرباط من باب الحد الى الأوداية .. وهناك من قال أن الثورة وصلت الى مشارف العكاري وسمع صياح الشعب من شارع الكفاح بيعقوب المنصور .. لم تحدث الثورة في المغرب كما توقعها جون واتربوري في كتابه التاريخي عن السياسة.. لكن الثور خرج في ثورته التاريخية ..من ذا الذي لا يثور على الذبح.؟؟. الحيوان يشعر بلحظة الذبح لكنه ما دام لا يتكلم يعاند قليلا ثم يستسلم للخناجر.. هذه المرة هرب من يدهم وهم يستعدون للمجزرة ..فوقعت الثورة التي لم ينتظرها أحد في عاصمة المملكة. طيكوك يا طيكوك ..صعيب.. حالة هستيريا تصيب الدواب والثيران والبشر فيخرجون عن تلك الظرافة التي تمسح على وجوههم الأليفة ويتحولون الى كاسحات ألغام لكل من وقف في وجههم.. من يتذكرمنا طيطوك الرسام الرائع مزدهر.. كيف كان يتحول لطفه ووداعته وسخريته الى هيجان وكشكوشة في شارع العاصمة مع الكلام ” النابي” حاشاكم.. عرفت طيكوك وأنا صغير.. كنا نقول أن شخصا ما في غفلة وضع الفلفلة السودانية في مؤخرة الثور فهاج يكشكش ويطيكك.. وهناك من قال أن اللون الأحمر هو سبب طيكوك.. ويكفي أن تلبس الاحمر لتزرع تلك الطاقة الحمقاء في الثور فينطلق يخبط .. لقد خرجت الثورة في الرباط وصورها الشباب.. واوقفت حركات المرور وسقط جرحى وخسائر مادية..لكن التلفزيون البليد لم ينقلها مادة في نهاية الاخبار.. ديكاج ..ديكاج ..كلشي ديكاج .. الثور يريد إسقاط النظام . خوار الثور الهارب من المذبحة يتعالى . مهرجان إطلاق الثيران في بامبيلونا يعيش توأمة مع الرباط.. لكن الفرق انهم في إسبانيا يصارعون عشرات مئات الثيران بشجاعة نادرة لكن نحن شعب متسامح كثيرا مع العجل..مستعدون لذبحه في أي مناسبة لكن بخوف نهرب منه .. هل كان ثور الرباط هو عجل بنو إسرائيل..؟؟ أم هو ثور الاوروسكوب الذي تطالعه النساء المكتئبات. في موسم مغربي بإحدى مناطق الشاوية كان الثور يذبح على ضفة النهر ويطلق يعدو ويجري والدم يتدفق يقطع الواد الى أن يسقط .. عرس الدم إنتهى هذه المرة بثورة الثور.. لا حدث في البلد يعلو على حدث الثور الذي هرب بينما الشعب يجري خلفه .. خرجت الجماهير الشعبية العظيمة في ثورتها على الثور الهارب فتفرجنا في أجمل فيلم في السنة بلا فهامات المركز السينمائي .. مثل كل الفاتحين للمغرب لا شيء وقف في وجه الثور سوى مياه بحر الظلمات .. حين وصلها المسكين يلهث مفزوعا هلوعا يسترجع الانفاس وسط الموج وقف ينظر الى الجماهير الشعبية ..أكيد المسكين قد طرح السؤال الوجودي الكبير..لماذا.. لماذا..يطاردونني ..ماذا فعلت لهم..؟ هل يرضون لأنفسهم الذبح..؟ لقد قدم شريط الثور أجمل فيلم في السنة بدون دعم مركز سينما الفاسي الفهري.. فيلم واقعي حي ..الكاستينغ والكومبارس والبطل والبداية والنهاية كل شيء جاء بالصدفة .. لكنه أجمل فيلم في السنة ..وقد قدم بدون السيد صارم كل العناصر الدرامية المشوقة: الكوميديا السوداء.. ليسقط الفاسي الفهري و فرانسيس كوبولا و وودي آلان و ليسقط جوراسيك بارك. و سبيلبيرغ… معه تسقط الحكومة التي تخاف من الإقطاع والبورزوازية المفششة.. الثورة وقعت في الرباط.. وقد قادها عجل..و لا شيء وقف في شرارة وشعلة الثورة سوى أمواج المحيط.. لو وجد المسكين الثائر مركبا لركب مثل كل المغامرين و فتح أمريكا هربا من الكورنة.. مع الصديق عبد الله الدامون الكرونيكورالكاتب الممتاز في الصحافة ضحكت من قلبي على حكاية الثورة الموءودة.. شكر عبد الله الفنان.. كتبت معي فصلا من السيناريو… وعاش الثور ولا عاش من خانه