من المنتظر أن يثير عرض فيلم "أرضي" لنبيل عيوش في القاعات السينمائية الفرنسية، ابتجاء من يوم الأربعاء، نقاشا واسعا لأنه فيلم من إخراج يهودي مغربي ذي نظرة خاصة حول القضية الفلسطينية يعكسها عمله الوثائقي. وشكل فيلم «أرضي» مفاجأة للعديد من المتتبعين، الذين رأوا في عمل عيوش كثيرا من الاحترافية والحياد الإيجابي في التعامل مع قضية حساسة هي القضية الفلسطينية. ورغم تكرار مضمون بعض الشهادات فإن الفيلم سلس ومشحون بهموم قضية عويصة تمكن المخرج من التعامل مع خيوطها المتشابكة بسلاسة، وكشف عن وجه خفي لعيوش.
ينطلق الفيلم بقوة وجرأة حين يقول عيوش، «ولدت في فرنسا سنة 1969، من أب مسلم مغربي وأم يهودية من أصل تونسي. بالنسبة إلى الجالية اليهودية التي كانت تحيط بي كنت ذلك الطفل الغريب شيئا ما، ثمرة زواج غير مقبول، زواج لم يستسغ. وفي المغرب كنت ابن اليهودية».
وحول بداية مشروعه الفني قال عيوش، إنه جاء نتيجة زيارته الأولى إلى إسرائيل. «بدأ كل شيء سنة 2003، حينما قبلت الذهاب لأول مرة إلى إسرائيل. في الماضي تمت دعوتي مرارا لحضور بعض المهرجانات والتظاهرات الثقافية، وفي كل مرة كنت أعارض أو أضع الشروط لمجيئي، والتي كنت أعلم أنها مستحيلة لمن كانوا يرغبون في حضوري: عرض فيلمي في الأراضي المحتلة، وأنام في الشق العربي من القدس، وأن يسمحوا لي بأن أندد بسياسة إسرائيل في وسائل الإعلام، وأن لا تتم مراقبتي في الحدود من طرف أي مسؤول إداري إسرائيلي حتى لا أعطي الشرعية لدولة لا أعترف بحدودها. في قرارة نفسي كنت أعلم أن تلك الشروط كانت مرفوضة، لكني كنت أتشبث بها كقارب نجاة وحماية. لكن في يوم من أيام يناير 2003 ردت علي إسرائيلية في الهاتف و قالت لي"نعم". و بما أنني لم أصدق بسهولة (أو لم أكن أرغب في ذلك)، استقلت محدثتي الطائرة وتواعدنا في باريس. حوارنا دام أكثر من أربع ساعات. فهمت خلالها إلى أي حد كانت مواقفي صلبة، لكنها فتحت لي أبوابا، ومسالك للتأمل نحو واقع ليس بالضرورة أبيض أو أسود كما كنت أظن. هذه المرأة هي يائيل بيرلوف، أستاذة السينما في جامعة تل أبيب وابنة الوثائقي الإسرائيلي الكبير دافيد بيرلوف. لقد غيرت تلك الزيارة داخلي الكثير من الأشياء وعلمتني أن علينا الكف عن شيطنة إسرائيل لأننا بذلك نشيطن كل الإسرائيليين، وهذا أمر غير سوي أو منطقي. ليلى شهيد (مندوبة فلسطين لدى الاتحاد الأوربي)، وهي بالمناسبة صديقة، بدورها أكدت لي الكلام نفسه، بعد مشاهدتها للفيلم.
صحيح أن السياسة الإسرائيلية يجب التنديد بها عاليا، لكن الأفراد أمر آخر وعلينا تبني مقاربة مختلفة معهم. كما علينا القيام بمبادرات في الإطار غير الرسمي، مع جمعيات وفنانين كي نسمع صوتنا وننصت لصوت الآخر. وكما لاحظتم في الفيلم، فإن الجانب الإسرائيلي يتميز بجهل كبير لما حدث أو يحدث». وتجدر الإشارة إلى أن "أرضي" الذي أنجز عام 2010، شارك في العديد من المهرجانات الدولية، وفاز بجوائز خصوصا في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة (جائزة أفضل مونتاج وجائزة أفضل موسيقى) في دورة 2011.