يبدو أن حجم التصريحات المضللة التي بدرت عن قيادة البوليساريو بخصوص الأزمة السياسية التي تمر منها، والمرتبطة بالوضع الصحي لزعيمها براهيم غالي، على إثر متابعته قضائيا في اسبانيا، قد تفاقمت بشكل كبير، كان آخر هذه الإفادات الكاذبة ما صرح به سفير الجبهة في الجزائر عبد القادر الطالب عمر، من أن براهيم غالي يتماثل للشفاء، لتعلن الصحافة الاسبانية بعده مباشرة أن زعيم الجبهة لا يزال في وضع صحي حرج لم يسمح بأخذ أقواله من طرف القضاء الإسباني.. وقبله كان المستشار في رئاسة الجبهة البشير مصطفى السيد قد صرح بأن براهيم غالي يتواجد في دولة أخرى غير اسبانيا، مؤكدا على أن الطائرة التي كانت تقله قد حطت لوقت وجيز في إسبانيا لسبب تقني، كما خرجت عديد التصريحات من جهات رسمية في البوليساريو ومن مصادر مقربة من القيادة، تفيد تارة بأنه يتواجد في خيمته بتيندوف، وتارة أخرى بأنه يتواجد في جبهات القتال، وتكذّب جميعها الأخبار الرائجة حول مرضه، لكنها سرعان ما اصطدمت مع عديد التسريبات الصحفية التي أكدت تواجده بالديار الاسبانية بغرض العلاج، مشيرة إلى حالته الصحية الحرجة. لقد كان تسريب جون أفريك لخبر دخول براهيم غالي الى اسبانيا بغرض العلاج من أمراض مستعصية وبهوية مزورة، بمثابة كرة الثلج التي سرعان ما تدحرجت، لتنجم عنها عديد المواد الإعلامية من أخبار وتقارير صحفية في كبريات الصحف والمنابر الاسبانية والدولية، إضافة الى تصريحات النشطاء والمسؤولين، والتي تفند جميعها الإفادات الصادرة عن مسؤولي البوليساريو وتقضي على ما تبقى من مصداقيتها.. مواد إعلامية عديدة ستنضاف إلى المقالات والوصلات التهكمية التي لطالما سخرت من بيانات البوليساريو العسكرية في كبريات الصحف والقنوات التلفزية العالمية، لتظهر الجبهة كتنظيم فاشل تجاوزته الأحداث، لا يزال يراهن على أدوات بروباغندا تقليدية تعود الى حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لم يستطع مواكبة التحولات السياسية لعالم القرن الحادي والعشرين.. فشل جلي في تعاطي قادة البوليساريو وإعلامها مع مختلف التطورات المتسارعة التي يشهدها ملف النزاع، يحيلنا على أزمة سياسية حقيقية تعيش على وقعها الجبهة، تتمثل أساسا في احتكار قرارها السياسي من طرف مجموعة ضيقة من العناصر القيادية التي تزال تهيمن على المشهد السياسي منذ تأسيس الجبهة، ثبت فشلها مرارا في كل المحطات الأساسية التي خاضتها، منذ دخولها في حروب مجانية منتصف سبعينيات القرن الماضي، ومرورا بتفويتها لعديد الفرص السياسية لحل النزاع بما يحفظ كرامة الصحراويين، وليس انتهاء عند الجرائم ضد الانسانية التي تورطت فيها في حق فئات واسعة من الصحراويين أنفسهم.. لقد اعتمدت الجبهة في ما مضى على أدوات تدبير وتحكم متجاوزة لم تعد تتماشى مع الواقع الجيوسياسي الراهن الذي تمر منه المنطقة، والمتسم أساسا بالاحتقان الشعبي المتصاعد في مخيمات اللاجئين بتيندوف، وبالتوتر والتصعيد السياسي والأمني على مستوى الجبهات العسكرية، إضافة الى بروز المطالب السياسية والاجتماعية، بخصوص دمقرطة التدبير الداخلي والظروف المعيشية في المخيمات، وهي قضايا لم يسبق للبوليساريو أن أولتها أي أهمية في إطار تعاطيها مع تطورات النزاع الصحراوي.. واقع سياسي بات أكبر من أفق تفكير وفعل القيادة، جعلها تخسر هامش المناورة الضئيل الذي كان في متناولها، وتفقد البقية الباقية من قدرتها على الفعل والتدخل سواء بخصوص تدبير المخيمات، أو إزاء التعاطي مع ملف النزاع، لصالح الحاضن والداعم الرئيس لها المتمثل في النظام الجزائري، هذا الأخير الذي لم يعد يخفي مصالحه الاستراتيجية في النزاع الصحراوي، رغم ترويجه لفترات طويلة لشعارات سياسية توظف مبادئ انسانية وكونية بعيدة كل البعد عن واقع ممارساتها على الأرض. ليبقى الأمل في مساهمة التطورات الأخيرة في حلحلة الملف، وتغيير مقاربات الأطراف معه، ما سيبعث الأمل مجددا في التوصل إلى الحل السياسي المنشود الذي طال انتظاره، على أمل أن يعمل مختلف المتدخلين على تحجيم الكلفة الإنسانية للنزاع، خاصة في أوساط اللاجئين بتيندوف. محمد سالم عبد الفتاح عضو مركز السلام للدراسات السياسية والاستراتيجية