الذين كانوا يقولون إن المصريين فقدوا بسبب سنوات القمع والاستبداد القدرة على الضحك والتنكيت السياسيين التي اشتهروا بها فوجئوا مع مايقع في ميدان التحرير بقدرة هذا الشعب الضاحك على ابتداع أساليب جديدة للسخرية ممن أرادوه شعبا مستضعفا غير قادر إلا على ازدراد الفول والطعمية اليوم بطوله, في الوقت الذي راكم فيه من حكموه طيلة السنوات الماضية الكثير من الثروات, وتمكنوا من تسجيل أسمائهم في سجلات أثرياء العالم رغم أنهم قادمون من دولة فقيرة للغاية ماديا, وغير قادرة إلا بالكاد على البقاء واقفة على رجليها دون اضطرار لطلب المساعدة والمعونة باستمرار. أحداث مصر الجديدة أتاحت لمن يتابعون الحدث هناك أن يستمتعوا بنكت سياسية جديدة أبدعها المصري خفيف الدم, الذي لم ينس وسط كل الأحداث التي يصنعها أن يصنع معها كثير الكلمات الضاحكة والمضحكة التي يستعين بها لانتظار رحيل رئيسه عن طيب خاطر أو قسرا حسبما تفرضه تطورات الأحداث. من بين هذه النكت المضحكة فعلا التي تثبت طبيعة المصري والتي تمتلئ بها الآن كل مواقع الأنترنيت تلك النكتة التي تسخر من سجل مبارك الحربي وتقول إن أمنية واحد مصري مثلما ظل يرددها هي : يا ريت مبارك كان ضربنا إحنا الضربة الجوية، وراح حكم إسرائيل 30 سنة، كان زمانهم بيشحتوا دلوقتي! وتقول النكتة الأخرى التي تستوحي قيمة المواقع الاجتماعية الجديدة في حياتنا الحالية وفيما وقع لمبارك بالتحديد أن الرئيس المصري بعد ما مات قابل السادات وعبد الناصر، فسأله الإثنان: هاه؟ سم ولا منصة؟ في إشارة إلى مايقال عن موت عبد الناصر مسموما وموت السادات على يد خالد الإسلامبولي في حادث المنصة الشهير, فرد عليهم مبارك بحرقة وقال: فيسبوك! في نكتة أخرى يقول المصريون إن الرئيس يعلن في بيان منه على شاشة التلفزيون العمومي : وفاء مني لمصر ورغبة في تلبية طلبات الشعب لن أرحل حتى أحقق مطلب الشعب في القبض على السفاح ومحاكمته, في إشارة إلى مايسمه المصريون اليوم "تناحة" الرئيس مبارك الذي يرفض أن يفهم أنه المقصود بكل هذه المظاهرات. وفي نكتة رابعة تثبث صعوبة التغيير يحكي المصريون ويقولون : بيقولك واحد لقي الفانوس السحري ودعكه.. طلعله العفريت وقاله: شبيك لبيك تطلب أيه؟ قاله الراجل: أنا عايز كوبري بين القاهرة وأسوان. العفريت قاله: دي صعبة قوي.. نقي حاجة تانية. الراجل قاله: خلاص خلي حسني مبارك يسيب الحكم. العفريت قاله: انت عايز الكوبري رايح جاي؟ ولا رايح بس؟ أما النكتة التي تسخر من دهل أنصار مبارك فتقول إن "واحد "بلطجي" قال لقناة العربية مشتكيا: العيال بيرموا علينا قنابل "بلوتوث". أما النكتة الخامسة فتقول بأن شهود عيان فى أروقة وزارة التربيه والتعليم أفادوا بأنه قد تم تأجيل امتحانات الدور التانى إلى أجل غير مسمى، معللين هذا بأن النظام سقط وعاوز وقت عشان يلحق يذاكر. ويضحك المصريون كذلك من السلطة التي تحرص على استمرار بيع المخدرات وكافة أنواع التحكم في الناس بين أوساط الفقراء لكي تضمن بقاء الوضع على ماهو عليه ويقولون في النكتة بأن الرئيس عقد جلسة مع وزير الداخلية السابق حبيب العدلي وقال له محتدا وغاضبا : منعت الحشيش يا فالح؟ أهو الشعب صحصح. أما قمة النكت سخرية فهي تلك التي تقول إن نائب الرئيس عمر سليمان قال : حسني مبارك ده هو أبونا كلنا.. فأجابه محشش: ده إحنا طلعنا ولاد حرام يا رجالة. النكتة السياسية المصرية التي تعد منذ القديم لحظة انتقام للصغار من الكبار, وساعة تفريج عن الهم الدائم المتحكم في الأشياء, بلغت في الأحداث الأخيرة قمتها دلالة أنها لاتموت أبدا, إذ اضطر الجميع بمن فيهم أولئك الذين سلموا بموت هذا الفعل الشعبي المسمى نكتة إلى الاعتراف بها, حيث تم تداولها على أوسع نطاق. بل إن وكالات صحفية أجنبية قامت بترجمة هذه النكت إلى لغتها لكي تفهم مايفكر فيه الشعب المصري, ولكي تستوعب معه ماسيقع في العالم العربي بعد ذلك من أحداث بسبب ارتباط الضحك بالواقع الجدي والمأساوي الذي تحياه الناس في تابوتنا الممتد من الماء إلى الماء. عندما نرى قدرة النكتة السياسية على تجاوز حدود القطر المصري, واستطاعتها التعبير عن مشاعر شعب مصر هذه الأيام, نفهم أن الضحك هو الحاجز الوحيد الذي لاتستطيع الديكتاتورية أن تسقطه, ونفهم لماذا يخاف المستبدون في كل مكان من الضحك والابتسامة ويحرصون على وضع القيود الكثيرة عليها لئلا تصل إلى الناس, علما أن قدرتها هي فوق العادية على تجاوز كل مايصطف في وجهها من عراقيل لكي تخرج من الناس إلى الناس, ولكي تقول لكل من يريدون التشبه بالآلهة في الحكم إن مكانهم لم يعد بين المنتمين لعصر الناس هذا مهما قالت الظواهر العابرة من تكذيب لهذه المسلمة التي أضحت بديهية في الزمن الحاضر أكثر من أي وقت مضى.