بدأت طرقات أعالي جهة بني ملالخنيفرة تستعيد حيويتها بعدما غمرتها الثلوج بالكامل خلال الاسبوع الماضي وجعلت العديد من المداشر والقرى مناطق معزولة عن العالم الخارجي . صباح أول أمس الجمعة، في رحلة قادتنا من بني ملال باتجاه مدينة القصيبة (44كلم) كانت الطريق سالكة، رغم أشعة الشمس الصباحية، فإن الطقس مازال باردا خارج السيارة بسبب الصقيع الذي يطوق الأراضي الفلاحية الرابضة في سفوح جبال يفوق ارتفاعها 1500متر عن سطح البحر . وصلنا لمدينة القصيبة، كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، نصحنا مرافقنا بالتريث في الصعود نحو الأعالى لحين ذوبان الجليد، قال إن «الفرگلة» التي يتحول معها الثلج ،مع انخفاض درجة الحرارة ليلا ، إلى كتلة سميكة تؤدي لانزلاق العربات ، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على مستعملي الطريق . في انتظار ذوبان «الفرگلة» تحلقنا حول براد شاي وإسفنج من صنع محلي في مقهى واجهته الخلفية تطل على حمام شعبي مفتوح في وجه العموم والدخان يتصاعد من فوهته. ما أن جاوزت الساعة الحادية عشرة صباحا حتى بدأت شاحنات نقل البضائع وسيارات الأجرة تنزل من الأعلى ،لنبدأ بدورنا رحلة الصعود نحو الأعالي . صادفنا حاجزا قارا للمراقبة يقيمه رجال الدرك الملكي عند مخرج مدينة لقصيبة، يتحققون من العربات القادمة ولا يسمحون للغرباء عن المنطقة بصعود جبال تبعث الرهبة في النفوس. على مسافة 8 كلم، توجد منطقة تيزي نايت وييرا ،حيث تمتد غابات شجر الكروش وتايدة، في أحد المرتفعات التقينا آيت أوبلا علال، أحد سكان المدشر، قال إن التساقطات الثلجية الاخيرة أنعشت آمال سكان المنطقة اللذين يمتهنون الفلاحة المعاشية والرعي وغرس الأشجار المثمرة . لا يبدو علال منزعجا من الثلوج وعندما سألناه عن الطريق قال بالأمازيغية إن «أبريد» مزيانة وأن الثلج ليس نحسا على السكان المحليين كما يعتقد البعض بل هو بشرى خير يحمل معه البهجة للسكان ،إذ سيغذي الفرشة المائية وسيوفر الكلأ للماشية ومياه السقي بعد ذوبانه للأشجار والحقول المتواجدة في سفوح الجبال . كان علال آيت أوبلا يرتدي ملابس سميكة وحذاء بلاستيكيا يمتد لحد الركبتين . سألناه عن الاحتياجات الضرورية للسكان فكانت إجابته «صادمة»، لخصها في مشكل وحيد يتعلق ب«الريزو» مشددا على أن العديد من الاماكن تظل معزولة عن العالم الخارجي بفعل غياب الريزو. وحتى عندما تقع حوادث سير خطيرة في المنعرجات فإنه، وفي غياب أية تغطية لشبكة الاتصالات، فإن العديد من الضحايا ينزفون على قارعة الطريق لحد الموت، طالما أنه لا يمكن الاتصال بمصالح الوقاية المدنية ولا برجال الدرك والسلطة المحلية للتدخل من أجل إسعاف ضحايا حوادث السير . خلال السنوات الماضية ، كانت وضعية الطرقات في مناطق إدمران نايت موش ، ماگست وآيت يكو ،تيسلي نايت يعقوب ،متدهورة، لكن وبفضل المجهودات المبذولة تم فك العزلة عن هذه المناطق . حسب بناصر وعريبة ، رئيس الجماعة الترابية ناوور التابعة لدائرة القصيبة، فإن الجرافات وكاسحات الثلوج مازالت تعمل جاهدة على فك العزلة على ما تبقى من الدواوير المعزولة ، مشيرا إلى أنه تم صباح يوم الجمعة فك العزلة عن دوار آيت موش المودي لطريق إملشيل . وعاينت «گود» تجند رجال السلطة المحلية ومصالح وزارة التجهيز لاعادة فتح المسالك الطرقية المؤدية لمختلف المداشر في المنطقة، وهي مبادرة اعتبرها السكان المحليون غير مسبوقة.