ليست استقالة إدوارد فيليب حدثا صباحيا عاديا في فرنسا. تقول التحليلات أن تلك الاستقالة كانت متوقعة، ولكن بأي مقياس؟ ولماذا جاءت مباشرة لعد معركة الانتخابات البلدية؟ وهل هي رصاصة الرحمة على مسار إينانويل ماكرون؟ يمكن قراءة استقالة إدوارد فيليب على مستويين: الأول: تفكك تحالف ماكرون بعد هزيمة الانتخابات البلدية؛ التي لمع فيها نجم الخضر والاشتراكيين. الثاني: رئيس الوزراء المستقيل يعيد التموضع بسرعة، ويتحصن ببلدية لوهافر؛ مضحيا بمنصب رئاسة الحكومة، ليقدم نفسه مرشحا لرئاسيات 2022. فالسياسة فن الممكن.. والمستحيل معا. فلربما يستعد حلف رجال المال والأعمال، إلى التحديات المستقبلية القريبة. لقد استشعرت تلك الطبقة أنه لضمان مصالحها، عليها أن لا تضع بيضها في سلة واحدة، سلة ماكرون، الذي لم يكسب ملفا واحدا منذ مجيئه إلى الإليزي. فالتورط في الشأن الإفريقي كان سمة سياسته، ترجمها ضعف تحالف فرنسا ودول الساحل في مكافحة الهجرة والإرهاب، مضافا إليها الرقصة الفاشلة في الملف الليبي، والمواجهة التركية الفرنسية، التي تسعى من خلالها باريس إلى شيطنة أنقرة. ولم يتقدم ماكرون خطوة في حماية مصالح فرنسا في بلدان المغرب العربي، بسبب الفشلات التي منيت بها الطبقات القديمة المغاربية المناصرة لحضور المستعمر في أوصال الاقتصاد ولعبة التوازنات. بينما فشلت السياسة الفرنسية في ضمان ولاء الإسلاميين إلى جانبها، بما فيهم التقليديون، كما كان للإسلام الفرنسي وقع التأثير الحاسم، في الاستعداء ضد حكام الإليزي، والذين يكيلون بمكيالين في حق المواطنين الفرنسيين، مسلمي الديانة، والمتحدرين من أصول مغاربية وعربية وأسيوية. ربما، هذا وغيره، ما يجعل الطبقة السياسية تسرع في تحضير البديل لماكرون، ففرنسا بقدر ما كانت دولة المؤسسات ومبادئ الجمهورية، بقدر ما هي "دولة الرئيس"؛ يسمها بطابع القوة أو الضعف، منذ عهد ديغول وفرانسوا ميتران إلى الشاب ماكرون.. الذي لا يكاد يتنفس بدون أوكسجين الأم ميركل، في اتحاد أوروبي بدأ في الاحتضار بعد بريكست بريطانيا وأزمة كورونا، التي عرت المستور!