بدأ الحديث مبكرا عن تغيير المنظومة الانتخابية من أساسها، وذلك استعدادا لاستحقاقات 2020 الجماعية والجهوية والبرلمانية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استعمال عبارة “البحث عن نموذج انتخابي جديد” من قبل مختلف الفاعلين الحزبيين والمؤسساتيين. وإذا كان الراي العام لا يميز في عمومه بين هذه المفاهبم والمصطلحات المتداولة، فإننابحاجة للوقوف مليا عند هذا النموذج الجديد المفترض، حتى نتمكن من تفكيك معالمه الاساسية، خاصة وأن الإعداد القبلي للاستحقاقات الانتخابية عادة ما ينطلق من مدخلات تتأسس على التجارب السابقة ونتائجها على المشهد السياسي والانتخابي والحزبي. ولا تخفى على أحد أهمية القوانين المنظمة للعمليات الانتخابية، بالتناسب مع الإجراءات التنظيمية والعملية، سواء المتعلقة بالتقطيع الانتخابي أو بالتحكم في اللوائح الانتخابية، وهي العناصر الثلاث التي يُفترض أن تكون أساس تشكيل المجالس المنتخبة جماعيا وجهويا وبرلمانيا، وهذا ما جعل الجدل الدائر حول المنظومة الانتخابية المفترضة يعني هذه المجالات الثلاث، مما يجعلها أساس هذا “النموذج الانتخابي الجديد”. خطورة القوانين الانتخابية: إن مناقشة القوانين الانتخابية لا تقل خطورة عن المقتضيات الدستورية نفسها، على اعتبار أنها تعتبر آليات تطبيق هذه المقتضيات وبواسطتها يتم تنزيل الإصلاحات السياسية على أرض الواقع، وبها يعطى شكل البناء الديمقراطي. وعادة ما يتم في هذا السياق التركيز على طبيعة الاقتراع (النظام الفردي أو اللائحة) والعتبة القانونية لتوزيع المقاعد (تخفيض العتبة أو إلغائها)، إضافة إلى طرق تحديد الهيأة الناخبة وشروط وشكليات الترشيح والتصويت وإعلان النتائج. فعلى مستوى القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، فعادة ما يحتد الجدل بخصوص أسلوب الاقتراع والعتبة القانونية ومعايير التقطيع الانتخابي، على اعتبار أن هذه العناصر وحدها قد تتحكم في العملية الانتخابية برمتها ويضعف بالتالي الأثر الفعلي لشعبية هذا الحزب أو ذاك، وبالتالي يتم التحايل على أصوات الناخبين بطريقة ذكية تجعل أثر المزاج السياسي والانتخابي العام ضعيف التأثير والقيمة على نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية. ويأتي النظام الانتخابي في صدارة المؤثرات على طبيعة الخريطة الانتخابية، وتعتبر عودة الحديث عن إمكانية التراجع عن النظام اللائحة لفائدة النظام الفردي في جميع المؤسسات المنتخبةنوعًا من إعادة الترتيبات والحسابات المتعلقة بالتحكم القبلي في النتائج المتوقعة للعمليات الانتخابية. كما أن العتبة المتطلبة لتوزيع المقاعد تدخل بدورها في إطار مراجعة النموذج الانتخابي الذي يحاول البعض الترويج له، فأي تخفيض لهذه العتبة يعني بالضرورة بلقنة البنيات المنتخبة، فأحرى أن يتم حذف هذه العتبة والذي سيؤدي لتشتت التمثيلية، وقد نجد في كل جماعة أو مقاطعة أزيد من عشرين لائحة مملة في عضويتها، مما يستحيل معه تشكيل أغلبيات منسجمة ومعلقلنة لتدبير الشأن العام. ونفس الإشكال يمكن أن يطرح على مستوى الانتخابات البرلمانية، والتي قد نجد بعدها برلمانًا يضم قرابة عشرين حزبًا ممثلًا فيه، بما يمثل ذلك من استحالة لتشكيل أغلبية حكومية من ثلاثة أو أربعة أحزاب، وقد تثار إشكالات سياسية أو حتى دستورية أخرى نتيجة الوضع الذي قد ينتج عن حذف العتبة الانتخابية على هذا المستوى. التحكم عبر اللوائح الانتخابية يمثل التحكم في الخارطة التمثيلية الجماعية والجهوية والتشريعية عبر آلية اللوائح الانتخابية حقيقة ثابتة، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة تبعًا لنسب المشاركة في العملية الانتخابية والمزاج السياسي والانتخابي العام السائد في اللحظة الانتخابية. وإذا كانت الهيأة الناخبة بالمغرب لا تعرف نظامًا قارا يمكّن من فسح المجال أمام الجميع للتصويت واختيار أعضاء الجماعات والجهات ومجلسي البرلمان، فإن النقاش الحقيقي يتعلقبطبيعة اللوائح الانتخابية الحالية التي لا تتضمن جميع من لهم حق التصويت، كما يقر الجميع بوجود ملايين الأصوات الوهمية بها، والتي قد تؤدي للتلاعب جزئيا بنتائج الانتخابات عبر استعمالها بطريقة غير مشروعة. وفي هذا الصدد نستغرب الإصرار في كل مرة على إجراء مراجعات استثنائية للوائح الانتخابية العامة رغم ثبوت عدم فعالية هذه الآلية، وذلك عوض اعتماد لوائح انتخابية رسمية جديدةمستخرجة على أساس البطاقة الوطنية، بمعنى أن يتم تخويل حق الانتخاب بصفة تلقائية لجميع المغاربة الحاصلين على بطاقة التعريف الوطنية، وهو إجراء معمول به في مختلف دول أوربا الغربية ولا يثير أية إشكالات. التحكم عبر التقطيع الانتخابي: إن التقطيع الانتخابي ليس بالبساطة التي يتصورها البعض، فهو عملية تقنية جد معقدة وذات بعد سياسي، والتحكم فيها من قبل خبراء وزارة الداخلية يجعل هذه الوزارة متحكمة في جزءمهم من العملية الانتخابية، ويمكن عبرها إعادة تقسيم دوائر انتخابية قائمة ذات تصويت كثيف على حزب معين بشكل يشتت أصواتها بين دوائر انتخابية أخرى. وهو الأمر الذي قد يتم استعماله مثلا لتقسيم دوائر انتخابية يسيطر عليها حزب أو أشخاص بعينهم وتوزيعها على دوائر أخرى، وبذلك يتم حرمانه من مقاعد كان سيفوز بها لو تم الحفاظ على هذا التقسيم. وبالمقابل قد يتم إعادة جمع بعض الدوائر الانتخابية بشكل يسمح لحزب معين من الفوز بعدد كبير من الدوائر التي لم يكن له بها أية حظوظ. كما تعتبر العملية الأكثر خطورة هي تلك المرتبطة بعدد المقاعد المحددة لكل دائرة، فهذه الآلية التي تتحكم فيها وزارة الداخلية عادة ما تقلب الموازين بين الأحزاب الرئيسية، مما يؤثر بالضرورة على نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية. والأمثلة التي تدل على التباين الشاسع بين الأقاليم فيما يخص عدد المقاعد البرلمانية مثلًا تجعل من هذا الأمر ظاهرة عامة وليست استثناء، بحيث لا يوجد أي منطق لتحديد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية. وبالتالي نجد في المغرب نائبا برلمانيا عن كل 200 ألف نسمة وآخر عن 6000 نسمة فقط أو أقل، وهي وضعية تبين بالملموس مدى التلاعب بالمقاعد وفقا لمراكز ثقل المنتخبين والأحزاب بتصنيفاتها المتعددة. فالتقطيع الانتخابي إذاً يبقى تحت التحكم المطلق لوزارة الداخلية، وهذا التقطيعالانتخابي سيساهم من جهته بشكل معتبر من اتحكم في نتائج الانتخابات، ووقد تجد الأحزاب ذات الشعبية الانتخابية دوائرها الرئيسية ذات مقاعد قليلة مقارنة مع الدوائر التي تتحكم فيها اعتبارات أخرى.