انتهت ليلة التوقعات بخصوص محاكمة معتقلي حراك الريف والمهداوي بصدمة نزلت على الجميع، أمهات، حقوقيين، محامين، وصحافيين، الغالبية كانت تتمنى أن تسمع أحكاما تتاروح بين البراءة وعقوبات حبسية، لكنه كان حلم بعيد المنال حتى على أكثر المتفاءلين، وفي وسط كل هذا توقع الجميع أن يخرج المهداوي بالامس، أو بعد ثلاث أشهر على أبعد تقدير، لكن الواقع بعثر كل التوقعات لتحل محلها الصدمة والدموع. الحكم ثم الصدمة كانت قاعة محاكمة المعتقلين غاصة بالحضور، حتى أن العشرات لم يجدوا موطئ قدم لهم بداخلها، رغم كل هذا ما إن نطق حاجب المحكمة معلنا دخول الهيئة حتى ساد صمت مطبق، وكأن الطير جاثمة على رؤوس الحاضرين. بعد تدخل النيابة العامة، تلى لحسن الطلفي الحكم بسرعة ولم يستطع غالبية الحاضرين فهم فحواه، بعد نهايته من تلاوة الحكم والأمر برفع الجلسة، بقي الجميع ثواني صامتين ثم انفجرت القاعة عويلا وبكاء، فقد كانت أمهات المعتقلين الحاضرات وأقاربهم، ينتظرن عكس ما سمعن، يتمنون البراءة، معانقة ابناءهن، أزواجهن، أباءهن، لكن الأمر أشبه بتمني ما لا يرجى. إبنة بطل خارج القاعة، لم يصمت المتابعين في حالة سراح، ورفاقهم الذين حضروا معهم، رفضت أمهات أن يبكين، رفعت أخريات حناجرها بالزغاريد، إعتبرن أبناؤهن شهداء الحرية والكرامة، وبين كل هؤلاء رسمت إبنة محمد جلول واحدة من أجمل صور القوة والصبر، كانت تتحدث أمام الكاميرات بكل قوة، تخبر القابعين خلف الشاشات أنها إبنة رجل مظلوم، أن أباها ليس مجرم، ثم رفعت صوتها إلى أعلى ما فيه قبل أن تخور قواها من تعب ليلة كاملة، رفعت صوتها وأقسمت أنها لن تبكي، لن تبكي أباها لا لشيء سوى لأنها إبنة البطل. على بعد خطوات منها كان أحد المتابعين في حالة سراح يخبر الجميع أن كل المتابعين يفضلون دخول السجن إلى جانب المعتقلين، عن البقاء أحرارا في الخارج، يقسم أنهم لن يركعوا لأحد، لن ترهبهم الاحكام، وأن الزفزافي ورفاقه، أبطال في عيون الجميع. والدة جلول تلك المرأة الطاعنة في السن التي تحملت مشقة الانتقال من الحسيمة إلى الدارالبيضاء، ثم عذاب البقاء في ليلة ماطرة باردة داخل المحكمة، لم تدري أحكم على إبنها بعقوبته السابقة أم زادوه عشر أخريات، كانت الصدمة أقوى عليها من الاحتمال، إبنها الذي قضى خمس سنوات بعيدا عنها، ستحرم منه عشر سنوات أُخَرْ، ظلت تردد كلمة واحدة وهي راحلة بخطى متثاقلة “أيها المفسدين…أيها المفسدين”. زوجة مثقلة بالهموم وخيبات الأمل عكس أقارب بقية المعتقلين، كانت زوجة حميد المهداوي تنتظر عكس ما سمعت، تترجى بعد كلمته الاخيرة أن يتركوه ليرحل، وهو الذي وعد أن يطبق فمه إلى الأبد، ووعد أن لا يكون مزعجا مرة أخرى، كانت متمنيات الزوجة هي ما إعتقده الجميع. صرخت بشرى وهي تتساءل لما يحكم على صحافي بكل هذه القسوة، صرخت وسالت دموعها ثم رحلت بسرعة، فاقدة الأمل في أن يكون الغد مشرقا توقعات ما بعد الحكم كانت توقعات جملة من الحاضرين قبل نهاية المحاكمة أن يطلق سراح المهداوي، وتحاول الدولة امتصاص الغضب بتخفيض الاحكام للمعتقلين، ثم يطلق سراحهم بعفو ملكي، آخرون إعتقدوا العكس، إعتبروا عدم حضور المعتقلين لأطوار المحاكمة هو تعنت سيجعل القاضي يرفع الاحكام. كثرت التوقعات، كل منها لم يكن مصيبا غير من رأى أن يكون هناك تأييد للأحكام الابتدائية، ورغم إختلاف التوقعات، رغم إختلاف الايديولوجيات، رغم كل شيء فقد أجمعوا أن المعتقلين عليهم أن يعودوا لبيوتهم فقد قضوا في السجون ما فيه الكفاية، وعلى الدولة إيقاف المحاكمة.