تجاوزت مشاركة التونسيين 90 في المائة من عموم المسجلين في اللوائح، وخرج التونسيون خروجا مهيبا إلى صناديق الاقتراع، وهم يقبضون على الأمل بين أيديهم.. حفدة أبو القاسم الشابي أعطوا درسا رائعا في السياسة وفي الوطن، وفي اهتمامهم بشأن بلادهم، في أول فصل ربيعي بدون مقدمات بوليسية. لقد أسقط الشعب التونسي نموذج تونس بنعلي، لكي يبني نموذج تونس الربيع، تونس البهية، الفاتنة، المعدية بحبها للكرامة، والحرية والسمو الإنساني. لقد خرج الشعب التونسي بكثافة لكي يرى العالم أنه ناضل من أجل إسماع صوته، وأن بلاده، التي أدخلها نظام بنعلي والعشيرة والأصدقاء والخلان، في سراديب من الخوف والردة واللامبالاة، حية ترزق بعد رحيل النظام ورجاله.
الدرس التونسي ينبئنا بأن الشعوب تقوض الأنظمة وتقضي على رموز الفساد وتثور وتموت من أجل... أن تشارك في انتخاب من يمثلها.
لقد تبين أن النموذج التونسي، الذي أفسد وبخس السياسة، كان أيضا عرقلة في وجه المواطنة الكريمة والمسؤولة. وعندما يسقط الطاغية تنبت صناديق الديمقراطية. وكلما ابتعد النموذج الذي أغرى، وهو في لحظات أفول بعض النخب العربية، اقتربت بشائر الربيع. فاليوم تغني تونس إذا الشعب أراد الحياة، فإنه يطيح بالطاغية ويذهب إلى مخادع التصويت.. عندما يريد الشعب الحياة، فإنه يدفع بخفافيش الظلام إلى معاطف المجهول وإلى مغارات النسيان، ويتوجه فرحا ومبتسما إلى الاقتراع. لا يسلم الشعب، الذي يحب الحياة، في حقه، ولا يسلم بالسقوط السياسي والمبدئي للمواطنة والمواطن.
الشعب لا يسلم بقوة المال المسنودة بالطغيان وبالترهيب. كما لا يسلم بنهاية القيم التي تحكم الناس، قيم النزاهة والمصداقية والمعقول، قيم الحرية والكرامة . وإذا ما هو انصاع في فترة من الفترات لثالوث المال والرعب، والدكتاتورية، كما كان «كليمانصو» يردد، هي البلاد التي لا يحتاج فيها الناس قضاء الليل كله أمام جهاز التلفزيون لمعرفة نتائج الانتخابات.. إن كل انتخابات هي لقاء بين نخب وبين شعب، بين رؤية وبين شعب، بين مشروع وبين شعب. والذين يلغون شعوبهم، يصعب عليهم أن يبنوا نظاما سياسيا شعبيا، لهذا تسقط الأنظمة التي تعاني من عجز في.. الشعب. وعجز في أصواته وعجز في ثقته. إ
ن رسائل التونسيين عديدة، وفي اتجاهات عديدة. إنها دعوة إغراء أولا للشعوب لكي لا تتفرج، بل لكي تساهم في القبض على أحلامها وبناء أملها. ورسالة غير مشفرة إلى الذين اعتقدوا أن نموذج بنعلي يمكنه أن يصنع حضارة.
ومن كانوا يعتقدون بأنه لا يعرقل تقدم البلاد.. بل يصنع نهضتها!!!! رسالة إلى الذين اعتقدوا أن الشعوب لا تمل من الوسخ والفساد.. وأنها ستظل تتفرج إلى الأبد على عربدة القذرين والمفسدين..
رسالة إلى من يحبون بلدانهم بأن من يريد من المواطنين أن يشاركوا لا بد له من أن يطيح بالفساد وبرموزه.. رسالة أيضا أن الشعب متعدد المشارب ومتعدد التوجهات وقادر على الاحتكام النزيه إلى صناديق الاقتراع.