كل الذين تتبعوا ما وقع في بلد الزيتون، منذ أن أشعلها البوعزيزي نارا في الجسد و البلد، ربما لاحظوا بأنه لم يكن هناك أي ميول أو شعار أو توجيه أو تأطير للمنتفضين، ذو حمولة «إخونجية». تراكم في الخيبات، انضاف له انهيار شامل «لنموذج» حظي غير ما مرة باهتمام و حتى إعجاب كثيرين، وبلغت درجة استهواء بعضهم به إلى حد الدعوة إلى تعميمه و حقن بعض وصفاته في شتى أقطار عربية. هل يكفي بعض خبز ومظاهر تحديث، وكثير ضبط و تحكم، لجعل شعب بكامله يرضى إلى الأبد بما هو فيه ؟ لا. الحرية المحررة للطاقات و الإرادات، لتشارك بديمقراطية في بناء الوطن و المواطن، هي الأصل. مهما كانت نوايا أقلية حاكمة، حسنة، فإن خطيئتها الأصلية و الأبدية تظل هي أنها أقلية ومع ذلك حاكمة. لذا، ستظل الديمقراطية أفضل ما أنتجته البشرية لتدبير المجموعات الوطنية و الدولية. فأن يمشي الشعب التونسي، بصدور عارية في وجه الرصاص، نحو الديمقراطية بحثا عن معنى وأفق جديد لوجوده، فقد حصل ذلك. وأما ما بعد نظام الجمهورية الثانية بتونس، فقد شرعت عديد أصوات وأبواق تنعق بتخريجات تمتطي بسفاهة و انتهازية صهوة إرادة شعب تونس، محاولة تحويل وجهتها نحو خيارات و جهات حتما لم تكن مؤطرة، و لا حتى مشاركة في «خريف بنعلي». لقد شرعوا من الآن في حفر السواقي في مجرى النهر الهادر، وكأنهم يقولون لشعب تونس، بأنه لا يستحق بعد خروجه من السجن الكبير، سوى الجلوس ببابه، أو بغزة أخرى. فها هو وزير التنمية الإسرائيلي «سلفان شالوم» يطير من المقلة، معبرا عن قلق و تخوف حكومة بلاده من صعود الإسلاميين في تونس إلى الحكم [إيقاظ الفتنة]. وهاهي حماس ترد في نفس اليوم، بتحية شعب تونس و انتفاضته، وخاصة موالوهم من هذا الشعب (الاستجابة للفتنة). طاح الحك و صاب غطاه وكأنهما وجهان لعملة واحدة. وها هم إسلاميون من أقطار عربية، هم حتما مرتبطين بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، يخرجون إلى شوارع بلدانهم نصرة لإخوانهم في تونس. وها هي «الجزيرة»، امبراطوريتهم الإعلامية، تصب الزيت فوق النار. وهاهي «التجديد» و قريناتها تطبل لعودة مرتقبة لراشد ونهضته. ......لتصبح تونس وثورة شعبها مجرد مربع في رقعة لعب متشابكة المصالح، وموحدة الأهداف، سيشهد التاريخ بأنها أينما حطت رحالها إلا وزرعت الفتنة و الفرقة. لعبة تكاد تكون مكرورة هنا و هناك، نعتقد جازمين، بأن للشعب التونسي ما يكفي من النخب الوطنية المتنورة، و التقاليد المدنية العقلانية و الجماهير الواعية، لكي لا يسقط في براثينها.