نعم، الديكتاتورية يمكن أن تعود في أية لحظة عندما يتكاسل الديموقراطيون، وعندما يعتقد الشعب أن التغيير مسألة حتمية، أو عندما يريد البعض معالجة أعطاب الديمقراطية بتقريرالمقاطعة ممايفسح المجال واسعا لكهنة المعبد السابق بالعودة، والكثير من الانتفاضات الشعبية والثورات انكسرت وخفت بريقها، لأنها لم تحتضن إلى آخر الرمق، ولم توضع سليمة في طريق المستقبل. التونسيون يبدعون في كل مرة، فبعد إسقاط بنعلي تأسست جمعية من طرف خمسة نساء تحت إسم «التزام المواطنة»، هدف الجمعية الأساسي هو الالتزام بقيم المواطنة التي كانت مطالب على مدى عقود في تونس، وفي سبيلها فتحت السجون والزنازن لخيرة شبابها وأطرها، ومن لم تسعه السجون وسعته الأرض، فكان المنفيون..ما شهدته تونس كانت انتفاضة شعبية بلا موعد وبلا طموحات كبيرة، لكن الأقدار كانت في الموعد لتكشف أن نظام بنعلي الذي كان يرهب ويرعب الجميع هو مجرد وحش كارتوني، كان التسوس قد نخر جسده بالكامل، وكان بحاجة إلى رجة بسيطة لكي يتداعى بسرعة لم يتوقعها أحد. تونس كما البلدان التي كانت في جوع إلى الحرية والديمقراطية، انفلتت من عقالها على كل المستويات، فالاحتجاجات في كل مكان والدولة أصبحت في لحظات كثيرة شبه معطلة، والقوى السياسية التي لم تصنع الإنتفاضة رغم أنها كانت أول ضحايا النظام، عادت سريعا لكي تجد موقعا في تونس الغد، فكبرت الطموحات الفردية وتناسلت الأحزاب في ما يشبه الانفجار، وكانت الحصيلة حوالي 110حزب، هذا الواقع خلف ردودا سلبية في الشارع التونسي وهو على كل حال ليس عاملا مساعدا لدفع عجلة التغيير حيث أصبح التونسيون وبسخرية كبيرة، ينتقلون من اختيار الحزب الوحيد إلى تعددية حزبية مميعة، فكانت النتيجة أن نصف من يحق لهم التصويت لم يسجلوا أنفسهم في اللوائح الإنتخابية رغم تمدي التسجيل فيها لأكثر من أسبوع عن التاريخ الذي تم تحديده في البداية، بل إن استطلاعات رأي تتجه إلى كون حتى المسجلين لن يذهبوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع، وهذا الأمر يشكل خطرا حقيقيا على تونس، فلا يمكن لشعب ثار على ديكتاتور وطالب دائما بإشراكه في تقريرمن يحكمه، يأتي اليوم لكي يتخلى عن هذا الحق بطريقة غير مقبولة، أيضا لا يمكن تصور بناء الديمقراطية بدون انتخابات وخاصة في ظل التشرذم الذي تشهده النخب التونسية اليوم، حيث يصبح صوت المواطن حاسما لتحديد الفريق الذي سيقود البلاد في المستقبل. صباح أول أمس فوجئ وصدم التونسيون بصورة ضخمة للرئيس المخلوع بنعلي في حي باب الواد شمال العاصمة، في نفس المكان الذي كانت تسكنه صورة الديكتاتوري السابق قيد حكمه، امتزجت مشاعر الدهشة والغضب و الصدمة على الجموع التي إستوقفتها الصورة..تدافع الناس بغضب نحو الصورة وشرعوا في تمزيقها، فإذا بالمفاجأة تكون أكبر والرسالة تكون أبلغ...لقد وجدوا خلف صورة بنعلي بعد تمزيقها عبارة مكتوبة بخط كبير تقول:«فيق الديكتاتورية تنجم ترجع» مذيلة بالدعوة إلى المشاركة اقتراع يوم الأحد المقبل لانتخابات الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التونسي الجديد...تنفست الجموع الصعداء وانتشرت الإبتسامات والضحكات بعد التخلص من أفكار سوداوية للحظات. الفكرة غاية في الروعة ، كانت خطابا صادما للتونسيين وهزتهم بعنف لكي يتجهوا إلى تحصين مكتسباتهم من خلال المشاركة المكثفة في إقتراع الأحد المقبل , الفكرة هي لجمعية «التزام المواطنة » يمكن إعتبارها درسا مهما في التواصل السياسي. هذا الموضوع ذكرني بحزب الأصالة والمعاصرة الذي إنحنى للموجة الأولى من الغضب الشعبي، ويحاول اليوم العودة بأساليب مختلفة، تحافظ على نفس المشروع وإن بكراكيز مختلفة،فهل ضروري أن نمزق صورة«التراكتور»ليكتشف المغاربة حجم الخسارة التي ستعرفها البلاد بعودة هؤلاء ؟ مجرد سؤال...