أنا المشهور بخفتي. أنا عديم القيمة. أنا غير الوازن. وغير الفاعل. أنا الذي لست ناشطا. ولا شخصية يسارية. ولا مثقفا. ولا مقاطعا. أنا الذي ليس لي تاريخ نضالي. ولم أقف يوما مع قضية عادلة. ولا مع شعب. ورغم ذلك أضحكني نداء الأربعين وازنا. وبدا لي غريبا. ومثيرا للسخرية. ولا محل له من الإعراب. إن لم أقل شيئا آخر. ورغم يمينيتي. ورغم مواقفي المساندة للرأسمال. وغيرتي على رجال الأعمال. وعلى الشركات. إلا أن مبادئي الرجعية والنكوصية والاستسلامية لا تسمح لي بالتوقيع على دعوة كهذه. ومهما بلغت خفتي. ومهما قل وزني. فإني لا أتخيل نفسي أقوم بهذه الفعلة. وقد ألومني. وقد أقول ما دخلي. وما قيمتي. وليشرب المقاطعون والشركة مياه البحر. وأرى هذه الدعوة نشازا. وأراها نكتة السنة. وأرى الوازنين مشاركين في هذا العبث العام الذي نعيشه في المغرب. وحتى العياش. فإنه يفكر ألف مرة. ويحترم المنطق. ويحسبها جيدا. ويقلب الفكرة. قبل أن يضع اسمه في نداء كهذا. وقد يقوم بأي شيء. لكنه لن يجرؤ أبدا على دعوة المقاطعين إلى تعليق مقاطعتهم لمدة عشرة أسابيع. ولن يقول لهم لا تقاطعوا الحليب وحده من أجل عيون مدير سنترال. ونيته الصادقة. أبدا. أبدا. هذا مستحيل ولا يقوم به إلا الفاعلون اليساريون المغاربة. والذين يعتقدون أنفسهم مؤثرين. وأنهم نخبة. وأنهم مسؤولون عن النضال في هذا البلد. فيحددون الأيام. ويحددون الأسابيع. ويقررون هدنة. ويمنحون الشركة فرصة. ويشتغلون لصالحها. ويخدمونها. ويتواصلون من أجلها. حتى أني أرى الرأسمال الأجنبي يضحك. حتى أن نواجذه بدت لي. ولا أحد يفكر في الشركات المغربية. ولا وازن واحد يعنيه الرأسمال المغربي. وليفلس. ولينسحب. حتى أني أرى الوازنين اليمينيين يسخرون من النداء. ويعبرون عن استغرابهم. حتى أني لم أعد أفهم ما يقع في هذا البلد. ومن مع من. ومن ضد من. لكن من وراء هذا النداء حقيقة. من جمع الأربعين. من أقنعهم بالفكرة. ويجب أن تكون نيوليبراليا كي تقتنع بها. ويجب أن تكون تابعا للإمبرالية وخاضعا للاستعمار القديم كي تخطر على بالك فكرة كهذه(منذ مدة لم أستعمل هذه الكلمات، لكني أوظفها هنا للضرورية الفنية، باعتباري أمثل دور يساري لا يهادن). ويجب أن تكون ساذجا كي تقتنع أن المقاطعين يعرفون الرفيق فؤاد عبد المومني. ويعرفون لطيفة البوحسيني. وقد يظنون الأول ماركة زبدة. وقد يظنون الثانية جبنا. وقد يقاطعون علبتها. ولا يشترونها. وبالتجربة. وبالتعامل اليومي معهم. فهم لا يعرفون أحدا. ومنومون. ولو جاءهم شي غيفارا. وحاول إقناعهم بالعدول عن المقاطعة. وأنه حليب ثوري. وفيه كالسيوم ماركسي. لما اقتنعوا به. ولردوا عليه ب”نحن منشغلون حاليا.. وشكرا لنا… وتبا لكم… وكم أخذت يا تشي غيفارا. وكم دفعوا لك يا كريم التازي. رغم أن الرجل شركة لوحده”. وأموت و أعرف من صاحب هذه المبادرة. ومن ورط كل هذه الأسماء. ومن جعلها محط هزء. فقط لأن بعضها يحب أن يظهر اسمه في العرائض. وأن يدخل إلى خانة الوازنين والثقلاء. وحتى أنا الذي كنت ضد المقاطعة منذ البداية. ومازلت لحد الساعة لم أفهم بعد أهدافها والحاجة إليها. حتى أنا استغربت. واستعدت يساريتي القديمة. واستعدت لغتي. ومسكوكاتي. وها أنا أستعملها. ومن هذا المنبر أكتب نداء مضادا. وأدعو إلى فتح تحقيق. لمعرفة صاحب المبادرة. ليعرف الشعب من معه ومن ضده. ومن خان القضية. ومن باع المقاطعين. ومن التقى بالعدو. ومن يخدم مصلحة الرأسمال. وأدعوكم أيها المقاطعون ألا تتراجعوا. واستمروا في حملتكم الشعبية المباركة. ضدا على هذا النداء العجيب. وغير المتوقع. وحين يرضخ لنا الجميع. ويخفضوا من أثمنتهم. لنقاطع أنفسنا. حتى نخلص العالم منا. لكن صراحة. من. من. من صاحب هذه المبادرة. من جعل الخفيفين يفركلون بأرجلهم من شدة ما أثار الوازنون ضحكهم. كم كم قلتم. مهلة عشرة أسابيع. وبعدها. وإن لم تلتزم سنترال بما وعدت به. نعود لمقاطعتها. لا لا مقاطعون. مقاطعون. ولن نتنازل. ثم إن أربعين وازنا قليلة. ولا تمثل شيئا. وعليكم أن تعتذروا لنا. وتعترفوا بالشخص الذي دفعكم إلى التوقيع. وما غايته من وراء ذلك. وما هدفه. ولن نتوقف عن المقاطعة. حتى نعرف كل الحقيقة. ولا شيء غير الحقيقة.