الجميع وبدون إستثناء تتبع ما حدث بالجارة إسبانيا، ملتمس رقابة يسقط حكومة رخوي ويحدث زلزال سياسي بإسبانيا تميز بعودة الإشتراكيين للحكم بزعامة بيدرو شانسيز، في أعقاب انفجار فضيحة فساد من العيار الثقيل، وصدور أحكام بخصوصها، ورطت أطر من الحزب الحاكم بل وحتى الحزب الشعبي نفسه، كمؤسسة سياسية. بغض النظر عن السياقات المختلفة طبعا بين المغرب وإسبانيا سواء على المستوى السياسي، الإقتصادي، والإجتماعي، برزت فكرة استنساخ السيناريو الإسباني على التجربة الحكوميةالمغربية، رغم استبعادها على اعتبار أن المغرب كان دائما سباقا للدعوة لاستقرار سياسي، وهو ما يفسره عدم إجراء إنتخابات سابقة لآوانها عقب إقالة عبد الإله بنكيران من مهمة التكليف بتكوين الحكومة، وكذلك عند خروج حزب الإستقلال وتعويضه بالتجمع الوطني للأحرار، وقبلها خروج البام في بداية تأسيسه وتعويضه بالحركة الشعبية، وبالتالي فإن الخيارات الدستورية المتاحة للملك بصفته رئيسا للدولة بإقالة الحكومة وحل البرلمان بناءا على إستقالة رئيس الحكومة أو فقدان الثقة في حالة عدم توفر الحكومة على أغلبية أعضاء مجلس النواب، كانت دائما مستبعدة، ويتم حل الأزمات السياسية بحلول لا تصل حد إجراء إنتخابات سابقة لآوانها. تاريخيا ومنذ إقرار أول دستور بالمملكة، عرف المشهد السياسي المغربي، حالتين لملتمس الرقابة، الأولى كانت عام 1964 والثاني عام 1990، ولم يؤدّ أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، نظرا إلى القيود الدستورية التي تعرفها هذه الآلية السياسية، فلا يمكن أن نتصور الأغلبية البرلمانية تساند المعارضة من أجل التصويت، 1964، ومع أول تجربة برلمانية عرفها المغرب آنذاك (1963-1965)، تقدمت المعارضة البرلمانية بملتمس الرقابة ضد الحكومة، وقد وقع هذا الملتمس 24 نائبا، لكنه فشل بسبب عدم وجود الأغلبية المطلقة والتي تتمثل فيتصويت 73 نائبا وفق مقتضيات دستور 1962 في فصله 81. أما الملتمس الثاني، فقدمته كذلك المعارضة ضد حكومة عز الدين العراقي، وقدمه حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وفشل في إسقاط الحكومة، نظرا لعدم توفر النصاب القانوني المتمثلوفق الفصل 75 من دستور 1972 في أن الملتمس لا يقبل إلا إذا وقعه على الأقل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من لدن مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وهو الأمر الذي سارت عليه جميع دساتير المملكة، حتى دستور 2011 رغم أن النصاب تم تخفيضه، منا يتيح اليوم لفريق الأصالة والمعاصرة مثلا وحده أن يتقدم بملتمس رقابة بعد جمع توقيعات أعضائه والبالغ عددهم 102، لكن الفصل 105 من الدستور ينص على أنه لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة؛ ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم. هذا الفصل يعني أنه في حالة تقديم ملتمس رقابة من طرف المعارضة وهذا ممكن من الناحية القانونية بالنظر لعدد أعضاء المعارضة اليوم، لكن حين الوصول إلى مرحلة الموافقة والتيتتطلب تصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس يعني تصويت 198 عضو، فإنه من المستحيل أن تتم الموافقة عليه، على اعتبار أن الأغلبية والمشكلة من أحزاب التحالف الحكومي لايمكن أن توافق على إسقاط الحكومة. صحيح أن الإئتلاف الحكومي ومنذ تكوينه بتاريخ 5 أبريل 2017 عاش عددا من الهزات بسبب الإختلاف حول ملفات شائكة، ترجم إلى بعض السلوكات مثل تصريحات مثيرة، مقاطعة المجلس الحكومة ومشادات داخل المؤسسة التشريعية، لكن كل هذا الإختلاف لا يمكن أن يؤدي إلى إنهاء التجربة الحكومية مهما يكن. وبغض النظر عن ملتمس الرقابة وهي آلية دستورية بيد البرلمان إقتراحا وموافقة، هناك الفصل 103 من الدستور والذي ينص على أنه يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس النواب. هذا الإحتمال والذي لا يمكنه أن يصدر إقتراحه إلا عن رئيس الحكومة، هو الأخر لا يمكنه أن يحدث، حتى ولو كنّا في ديموقراطية ويريد رئيس الحكومة أن يقيم أشغال حكومته لدى مجلس النواب باعتباره ممثلا للأمة، وبالتالي فإن الإحتمالين الممكنين من أجل إستنساخ التجربة الإسبانية غير واردين وغير ممكنين، لسبب أول هو أن البرلمان يقع تحت إرادة الحكومة وأغلبيتها سواء في مسألة ملتمس الرقابة أو منح الثقة، والسبب الثاني هو أن الدولة لا يمكن أن تعيد الإنتخابات بتكاليفها السياسية والإنتخابية ونحن على بعد سنتين من تشريعيات جديدة.