التصقت ظاهرة الشغب أو ما يعرف ب”دراكا” بجمهور روسيا ،الذي تسببت فئة منه في إحداث فوضى عارمة داخل البلاد وخارجها قبل وبعد مباريات كرة القدم. وحتى لا يسمح لهذا النوع من الجمهور من إفساد عرس المونديال وسحب البساط من تحت أقدام اللاعبين والفرجة الكروية المضمونة خلال مونديال روسيا ،وأيضا لكي لا يعلو عنف المشاغبين على سماحة الروح الرياضية ،تواجه قوات الأمن الروسية امتحانا عسيرا صعبا للغاية. وستكون سلطات الأمن الروسي مجبرة على استعمال كل الوسائل الزجرية والقانونية للحيلولة دون أن تجد ظاهرة “دراكا” موقع قدم لها في مونديال روسيا ،وإلا فإن سمعة البلاد ستذهب أدراج الرياح ،مقابل سعي موسكو للتغطية على ظواهر سلبية التصقت بالرياضة الوطنية خلال السنوات الأخيرة ،خاصة منها ظاهرة التعاطي الممنهج للمنشطات والفوضى التي تحدثها فئة من متتبعي مباريات كرة القدم الروس . والكل يتذكر ما حدث في كأس الامم الأوروبية سنة 2016 حين كان مشجعو روسيا والتشيك وكرواتيا أبطال اشتباكات وعمليات تخريب ،ولم ينفع قرار استبعاد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) المنتخب الروسي من البطولة، مع إيقاف التنفيذ، وتغريمه 150 ألف يورو (168300 دولار)، إضافة إلى ترحيل بعض المشجعين. ولا يستبعد متتبعو الشأن الرياضي الروسي وقوع أحداث شغب بين جمهور روسيا ومشجعي دول أخرى ،تفرقهم عداوة تمتد لسنوات ماضية خاصة مع جمهوري فرنساوانجلترا ، بالرغم من الاجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الروسية للحد من هذه الظاهرة المشينة ،خاصة وأن هذه الأخيرة أو ما يعرف ب”دراكا” ،صعبة الضبط زمانا ومكانا ،ويقوم على الاشتباك الجماعي بين أنصار فريقين متنافسين يحددان موعد ومكان المواجهة بشكل سري ،وهو ما تناقلته الكثير من وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وما يعقد أمر مواجهة هذه الظاهرة هو أنها تحدث في أماكن نائية بعيدة عن أعين الأمن ،ومن شروط هذه المواجهة اتفاق الجانبين على أن لا أحد يبلغ عن الآخر في مخافر الشرطة ،وحتى إذا تلقى العلاج وخضع للتحقيق فإنه ينسب ما تعرض له للمجهول . وتكمن خطورة “دراكا” أيضا في أن كل طرف في المواجهة يستعد لها وكأنه يستعد لمعركة حاسمة وتستعمل فيها كل وسائل التعنيف والضرب وفنون القتال ،حتى يتفاخر الفريق الفائز بتفوقه ويعمم ذلك عبر مختلف الوسائط التواصلية ،وهي ممارسات لا أخلاقية ولا علاقة لها بالروح الرياضية ،التي يجب أن تسود داخل وخارج الملعب ،كما أن هذه الممارسة الدخيلة على الرياضة تساهم في إفساد نشوة تتبع مباريات كرة القدم . والمشكل الاساسي هو أن الشغب و”دراكا” لن تقتصر على جمهور روسيا ،فجمهور الكثير من الدول المشاركة في المونديال معروفة بشغبها الممنهج ،كجمهور انجلترا و كرواتيا وبولونيا ،وهي الجماهير التي ذكرت بخصوصها وسائل إعلام محلية أنها تعد العدة للمونديال ليس من أجل المساهمة في الفرجة على المدرجات ،وإنما لمواجهة الخصوم من الجماهير الأخرى وفق اتفاق قبلي . ويبدو أن فئة من الجمهور لا تشغلها متابعة مباريات كرة القدم بقدر ما يهمها “خلق الحدث” بأساليب لا تمت الى الرياضة بصلة ،وسلب العشاق الحقيقيين لكرة القدم متعة تتبع تظاهرة رياضية تنظم فقط مرة واحدة كل أربع سنوات. وحسب ما تداولته وسائل الإعلام الدولية مؤخرا ،فقد قام عدد من جماعات أولتراس التشجيعية الإنجليزية بإرسال أشخاص إلى روسيا لجمع المعلومات اللازمة حول الأولتراس الروسية ، كما واعترف عدد من المشجعين الإنجليز بأنهم لا يخافون الاحتجاز بقدر ما يرغبون في تلقين الجماهير الروسية درسا لا ينسى على أرضها وأنهم سيشعلون “الحرب العالمية الثالثة” في مونديال روسيا. وسبق لصحيفة “ديلي ستار” أن نشرت في وقت سابق أن الجماهير الإنجليزية “ترغب في أن يري المشجعون الروس الجحيم الحقيقي”. ولا شك في أن مثل هذه الظواهر السلبية تسيئ كثيرا الى معنى المنافسة الرياضية الشريفة ومبادئ الرياضة الرامية الى التقريب بين الشعوب وخلق فضاء للإبداع والتلاقي ونشر القيم الانسانية .