إن المحجوزات التي ذكرت في المحضر الذي أنجز بعد اعتقال توفيق بوعشرين، لتدعو إلى الكثير من التأمل، وذلك أن ما تم حجزه، حسب ما جاء في المحضر كالتالي : مفتاح تخزين على شكل قلم جهاز كمبيوتر ولوحة مفاتيح وفأرة “تم ذكر نوع الجهاز” جهازي ايباد “تم ذكر نوعهما” ثلاث هواتف نقالة “تم ذكر نوعهم” قرص صلب خارجي “تم ذكر اسم علامته التجارية” مسجل فيديو رقمي “ذكر رقمه التعريفي ولم يذكر نوعه” كاميرا بيضاء اللون “لم يذكر عنها شيء” كاميرا سوداء اللون “ذكر رقمها التعريفي دون علامتها التجارية” راديو بلوثوت أسود اللون تابع لاحدى شركات الاتصالات من خلال هذه المحجوزات، يتضح وحسب ما ذكرناه سابقا، أن المحجوزات التي تهم موضوعنا، هي الكاميرا البيضاء اللون وجهاز التسجيل الرقمي اللذان أنكر بوعشرين أن يكون في ملكيته وذلك خلال محضر الحجز، حيث أن المتهم أنكر جملة وتفصيلا أن يكون الجهاز أو الكاميرا في ملكيته، وعلى اعتبار أنه أنكر بداعي التهرب فقط مما سيترتب عن الاعتراف بحيازته لهذه الاجهزة التي سيتبين أنها توثق لممارسات جنسية، فإذا كان هذا الاعتبار هو الاقرب إلى التصديق، فإن محضر الاستماع الثالث لتوفيق بوعشرين في صفحته الاولى يقلب هذا المفهوم رأسا على عقب. فإذا كان بوعشرين ينكر ملكيته لجهاز التسجيل والكاميرا الرقمية للهروب من التهمة، كان الاجدى به أيضا أن ينكر ملكيته للقرص الصلب الخارجي، لأن محضر الاستماع الثالث يتحدث عن استخراج فيديوهات الممارسة الجنسية من القرص الصلب ولا يتحدث لا من قريب ولا من بعيد عن الكاميرا والمسجل الرقمي. فإذا كان المتهم قد فطن بعد اعتقاله مباشرة داخل مكتبه أن التهم التي ستوجه له متعلقة بالاغتصاب والاتجار في البشر، وهو يدري أن الفيديوهات الجنسية مخزنة على قرصه الصلب، فما الداعي الى انكار حيازة الكاميرا والمسجل مادامت الادلة المادية موجودة على القرص الصلب. بالنسبة للأمر الثاني المحير في هذه القضية، هو لماذا سيقوم بوعشرين بتركيب كاميرا مراقبة في مكتبه وربطها بجهاز استقبال وتسجيل رقمي، دون أن يربطها بشاشة للإطلاع على ما تقوم الكاميرا بتسجيله؟. الاجابة على هذا السؤال لديها مخرجين : الاول أنه إذا لم يكن جهاز التسجيل مرتبط بأي شاشة أو حاسوب فإنه بما لا يدع مجالا للشك ليس بوعشرين من ثبته في المكتب. أما الثاني، فإن جهاز التسجيل الرقمي لا يحتاج دائما إلى توصيله بشاشة، وقد يعوض ذلك عبر ربط الجهاز براوتر الانترنت، ويتم الدخول إلى الجهاز عبر الكمبيوتر ببرنامج صغير ينزل على الحاسوب، وفي حال بوعشرين فإذا كان حاسوبه المحجوز من مكتبه به هذا البرنامج، فإنه مما لا يدع مجالا للشك أنه من قام بتركيبها، وذلك لسبب بسيط، لا يمكنك ان لا تلاحظ وجود هذا البرنامج في حاسوبك طيلة ثلاث سنوات. ثالث الامور المحيرة في هذه القضية هو لماذا كانت مقاطع الفيديو الاولى مسجلة بدقة رديئة جدا، وبعد ذلك وخلال الفيديوهات الاخيرة، أصبحت الدقة جيدة والصوت مسموع بشكل واضح، وعلى افتراض أن بوعشرين هو من قام بتسجيل نفسه، وبعدما شاهد مقاطع الفيديو لم تعجبه الدقة فقام بتغيير الكاميرا لأخرى أوضح وأفضل، لماذا لم يقم بتغيير الكاميرا بعد الفيديو الاول واستمر يسجل عدد كبير من الفيديوهات بطريقة رديئة لا يتضح فيها اي طرف من اطراف الممارسة الجنسية؟. ولنفترض أنه من سجل نفسه، لماذا سينكر أنه هو من في مقاطع الفيديو التي لا يتبين من فيها، إن كان يعلم يقينا أن هناك فيديوهات أخرى يظهر فيها بشكل جلي؟، أليس من الحماقة أن تنكر أنك من في الفيديو وأنت تعلم -على اعتبار انك من سجلت نفسك – أن الفيديوهات القادمة ستكذب جميع مزاعمك؟. غير هذا الامر، يشدد عدد من محامي المطالبات بالحق المدني أن عفاف برناني موجود لها فيديوهات مع بوعشرين، في الوقت الذي لم تقم الفرقة الوطنية بعرض هذه الفيديوهات عليها، وإن صح كلام المحامين، فما السبب الذي يجعل الفرقة الوطنية تعرض الفيديوهات على جميع المصرحات وتستثني برناني؟. هناك جانب آخر محير ويدعوا إلى التساؤل بشكل ملح، وهو الشكايات الثلاث، إذ أن أول شكاية سجلت بتاريخ 12 فبراير ولم تتحرك الشرطة القضائية، وثاني شكاية سجلت ب16 فبراير ولم تتحرك الشرطة القضائية، وثالث شكاية سجلت ب22 فبراير فتحركت بعدها بيوم واحد الفرقة الوطنية واعتقلت بوعشرين ولم يتم بعد ذلك تسجيل شكاية أخرى، السؤال الملح في هذا الجانب هو ما الشيء الذي جعل الفرقة الوطنية تتلقى الارساليات من الوكيل العام ولا تتحرك إلى أن وصل عدد الشكايات ثلاث شكايات، رغم أن الوكيل العام راسل الفرقة منذ أول شكاية قصد الاستماع لتوفيق بوعشرين؟. إن هذا الملف الشائك ليجعل المتلقي في ريبة من أمره، سيما والغموض الذي يلفه، خاصة بعدما قررت المحكمة اغلاق ابوابها في وجه الجميع، وبينما لا يمكن أن يكون بوعشرين ملاكا حتى نقوم بتنزيهه عما يقدم عليه العديد من البشر، فلا يحق لنا أيضا بسبب شح المعلومات أن نشيطنه، ونلبسه ثوب المجرم، وفي قبيلة الصحفيين نحن ندري تماما ما هو الجنس الرضائي بين الصحافيات والصحافيين، ولم نسمع بالاغتصاب إلا في واقعة اتهام بدوزيم لكنها لم تدخل للمحكمة لا من باب السرية ولا العلنية. قد يكون بوعشرين قام فعلا بكل ما ينسب إليه، فلا يمكننا وضع المصرحات والمشتكيات في خانة المجرمات أيضا، وقد يكون بريئا من كل تهمة ثقيلة موجهة اليه، والسبب في حيرتنا هذه وميل قلوبنا الى التشكيك في كل الروايات هو الغموض، الغموض الذي يجعل الشك هو الطريق الوحيد نحو معرفة الحقيقة، وحين يسيطر الشك علينا فإن الجميع متهم حتى يثبت العكس.