صدق من قال إن ابن الوز عوام. فقبل أن تبدأ حملة المقاطعة هذه. كنت أحاول دائما إقناع صغيري الذي لم يبلغ بعد عامه الخامس. بأن يجرب أنواعا أخرى من الحليب. وآتيه بنوع أغلى فيرفصه. وآتيه بنوع مستورد فيهرقه. ويضربني بعلبته. ودائما كان يرفض. ولا يقبل بديلا عن الحليب المقاطَع. وليس هذا فقط. بل لا يستهلك إلا ياغورث الفانيلا لنفس الشركة التي قررتم مقاطعة منتوجاتها. وآتيه بكل أنواع الياغورث الأخرى فيرميها في وجهي. وكم من مرة أحضرت له ياغورث فانيلا من الخارج. وبجودة أفضل. لكنه وفي. ولا يبدله مهما حصل. وعندما يعود من المدرسة. ولا يجد حليبه المفضل. يشرع في البكاء. وأسكب له ماركة أخرى في كأس. كي أخدعه. فيلفظها من أول جرعة. ويفطن لحيلتي. ويدخل في نوبة من الصراخ إلى أن أحضر له الحليب المقاطع. حتى أني شككت في أمره. وفي اشتغاله مع مالكي تلك الشركة. وفي تلقيه لعمولة. وكم من مرة قلتُ مع نفسي إنه حليب مسحور. وأن الشركة المنتجة تضع فيه خلطة تجعل ابني مدمنا عليه. وبعد طول تفكير. وبعد أن قلبت الأمر في رأسي. فهمتُ أن هذا الشبل من ذاك الأسد. وأنه عياش صغير. وقد تأكد لي ذلك بالملموس. حين وجدتني منخرطا في حملة تسفيه المقاطعين. وأدافع عن نفس الحليب الذي يفضله ابني. وأقوم من هذا المنبر بحملة إعلانية له. نكاية في من يهاجمونه. ومن اختاروه دون غيره ليقاطعوه. رغم وجود حليب منافس أغلى منه. فالطفل أبو الرجل كما يقول الفرويديون. وابني هو والدي. ومثله أنا الآن أخون القضية. وأستغرب من هذه الحملة. وأشك في وجود شعب خلفها. وأتعيش. ضدا على المقاطعين. ومتأكد أن هذا الشعب. وبعد أيام قليلة. سيعود إلى استهلاك كل هؤلاء الذين يقاطعهم اليوم. وأن كل ما نراه هو مجرد خيال. وفي العالم الافتراضي. وأنه لا توجد مقاطعة. ولا هم يحزنون. ولا توجد محطات مهجورة. ولا توجد شركات منافسة خفضت من سعر الحليب. ومؤمن أكثر من أي شيء آخر أنه لا يوجد شعب في المغرب. وحتى لو كان موجودا فإنه من الحماقة أن يقاطع شعب مياها معدنية. ويجب أن يكون هذا الشعب مترفا وفي بحبوحة حتى يفعل ذلك. فلم يحتج على غلاء خبز ولا سكر. ولا زيت. ولا بطاطا. وبأناقة. وبرقة. وبأرستقراطية. وفجأة. قرر الشعب مقاطعة الماء المعدني. فيا لرقيك أيها الشعب ويا لسمو ذوقك. ماذا قلت أيها الشعب. قلْ لي: هل فعلا تعاني من ارتفاع سعر المياهةالمعدنية. وهل هي ضرورية في حياتك إلى هذا الحد. وأريد أن أصدقك أيها الشعب. ولا أستطيع. وأريد أن أقتنع أنهم لا يستغفلونك ولا يوظفونك ولا أقدر أيها الشعب يا شعب المياه المعدنية.