تدوينة لعبد الصمد الإدريسي محامي توفيق بوعشرين // على هامش محاكمة بوعشرين.. القضية فيها إن.. ذلك ما يتأكد يوما بعد يوم. بعد أزيد من 52 يوما من اقتحام عناصر الفرقة الوطنية مقر جريدة أخبار اليوم بالطريقة إيها، وإيقاف مدير النشر الصحافي توفيق بوعشرين، واقتياده خارج مقتضيات القانون إلى مقر الفرقة الوطنية، في ضرب صارخ لمقتضيات الدستور والمسطرة الجنائية ودون مراعاة لمبدأ قرينة البراءة.. وبعد الخرجات الاعلامية المتعددة للسيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بصفة مباشرة عبر بلاغات وندوات او عبر تصريحات منسوبة له في وكالة الانباء الفرنسية AFP أو من خلال التصريحات المنسوبة إلى مصدر قضائي في بعض المواقع الالكترونية، وكذا البلاغ الصادر عن مدير سجن عين برجة.. يطرح السؤال حول الهدف من كل تلك الخرجات والتصريحات والبلاغات هل كانوا يريدون إقناع المحكمة ام إقناع الرأي العام.. فلو كانت جهة الادعاء مقتنعة بصلابة وقوة وسائل الإقناع المودعة بالملف لدى المحكمة، ومقتنعة بكفايتها لإدانة توفيق بوعشرين، فلن تكون بحاجة إلى التوجه إلى الرأي العام لأنها ستكون مطمئنة لمسار الملف ولحججها المدلى بها.. كما أنه إذا كانت مقتنعة ومطمئنة لذلك فلماذا لم تنتظر قرار المحكمة، وإلى أن يصير هذا القرار حائزا لقوة الشيء المقضي به.. أما وأنهم لم يتوقفوا إلى حدود يومه عن اللجوء إلى الإعلام والى الرأي العام فإن السؤال يطرح بقوة حول صلابة وسائل الإقناع وحول الجهة المقصودة بهذه الخرجات والبلاغات، هل المحكمة أم الرأي العام.. اليوم وبعد ساعات من ردود ممثل النيابة العامة على الدفوعات الشكلية تأكدت الحجة الضعيفة، ذلك أن من يملك حججا قوية مصاغة بشكل متين ووسائل إقناع لا يدخلها الشك، لن يتردد في قبول حضور ضباط الشرطة أمام المحكمةولن يتوان في تمحيص كل اجراءاتهم من قبلها.. من جهة أخرى فإن الإسهال المفرط في التصريحات والتدوينات من جهات وأشخاص لا علاقة لها بالقضية، وليسوا أطرافا فيها بأي وجه من الوجوه، اختاروا أن ينحازوا إلى صف تغريق متهم المفروض أنه بريء إلى حدود يومه والى أن يصدر الحكم النهائي، بل اختاروا أن يكونوا حطبا لنار يراد لها أن تحرق توفيق بوعشرين ويصل لهبها لكل من يفكر أن يقف إلى جانبه.. وفي نفس الوقت هناك استهداف ونشر منسق وممنهج لمواد تستهدف النساء اللائي عبرن على أنهن أقحمن في هذا الملف بطريقة لا إرادية، وأنهن لم يسبق أن تقدمن بشكاية ولا وشاية ولا حتى تظلم، وأنهن استدعين إلى مقر الفرقة الوطنية على عجل وتم استنطاقهن دون إرادة منهن.. هذا يحدث في الوقت الذي يدعون حماية (الضحايا) والدفاع عنهن وعن مصالحن واحتضانهن، وكأن الضحية في نظرهم هي من سايرت رواية الفرقة الوطنية ولم تعترض على الصك المدبج من طرف الوكيل العام الذي حدد لها موقعا في الملف.. والملاحظ ان هذه المواد (الصحفية) تنهل من محبرة واحدة تنهش في كل من تتجرأ على قول غير ما كُتب على لسانها في محاضر الفرقة الوطنية، وكأنها ملزمة (بالصمود) على نفس الرواية والأقوال والوقائع وإن كانت تقول بعدم صحتها.. لذلك لن يكون أمام مدعي الحياد والمبدئية والإنسانية إلا أن يقفوا إلى جانب كل (الضحايا) سواء اللائي يدعين أنهن ضحايا بوعشرين او ضحايا أقوال مثبة في المحاضر لم يسبق أن صرحن بها او وقائع غير موجودة أصلا كما قالت بعضهن.. كما عليهم أن يتبينوا علّ بوعشرين يكون أيضا ضحية في هذا الملف.. ثم ما الذي يزعجهم في مواقف (الضحايا) المفترضات، وهل سيكونون حريصين على مصالحهن أكثر منهن أنفسهن.. وفي هذا الصدد بماذا سيفسرون سكوت مرية مكرم وموقف حنان بكور، ونداء امال هواري، وشكاية عفافة برناني، وتواري ابتسام مشكور وعدم حضورها في أي جلسة، ولغز صفاء زروال، ووصال طالع رغم أن دفاعها أيضا اقر بأنها لم يسبق أن اشتكت ولا تعرضت لسوء… وهل تلميح السيد الوكيل العام في تصريحه الاخير لوكالة الانباء الفرنسية AFP إلى كون محيط بوعشرين يمارس ضغطا، بعد أن خرج الملف من بين يديه وأصبحت النيابة العامة مجرد طرف في القضية المعروضة على المحكمة، هل هذا التلميح يعني وجود مخالفات للقانون تقتضي المتابعة، أم هو مصادرة لحق زوجة مكلومة وأسرة وابناء وأهل، لسلك كل السبل لإخراج توفيق بوعشرين من السجن ووضع حد لاعتقاله، هذا إن صحت هذه الإدعاءات بوجود ضغوطات.. الذي يقع اليوم يبين حجم الحنق على توفيق بوعشرين وحجم الإزعاج الذي سببه وهو طليق يكتب ويعبر عن رأيه ويحلل المشهد السياسي ويقرأ كيف تُرسَمُ الخريطة السياسة وكيف تُرَسّمُ وبل ربما كيف يراد التلاعب فيها وفي معطياتها، وهو أيضا ينتقد النافذين، ومدعي النفوذ والسلطة، ومستغلي مناصبهم لتكديس الثروة، وكيف يكشف زيف بعض الشعارات، ويوجه سهام النقد للسياسات العمومية والقطاعية، وكيف ينتقد الزعامات السياسية وصناعتها وتوجيهها بالرموتكونترول.. كما أن الذي يقع يبين أيضا الحنق والازعاج الذي يسببه وتسببه قضيته وهو رهن الاعتقال، هل إلى هذا الحد هو مزعج خارج السجن ومزعج داخل السجن.. أما بخصوص البعض من زملائي دفاع الضحايا (أقول البعض)، فأقول لهم لقد أكثرتم في الإعلام وتجاوزتم في التصريحات وفي بعض الأحيان تجاوزتم كونكم موَكّلين من (الضحايا) المفروض أنهن أتين الى مكتاتبكم، وفق ما تقتضيه أصول المهنة، وطلبن منكم النيابة عنهن ضد متهم المفروض ألا يهمكم من يكون هذا المتهم، ولا يؤثر فيكم ضده عداوة أو خصومة سياسية سابقة، وتأكدوا زملائي أن هذا ملف واحد من ملفات كثيرة ستمر، لكن التصريحات ستبقى، وانطباعات الناس ستبقى، ومن يُفترض أنه خلف هذا الملف وحريص على بولغه هدفه، لن يحترم من تجاوز منكم دوره وأعراف مهنته وأخلاق رسالة المحاماة، وسيكون مآل كل شخص قبِل استعماله في أي قضية وأي ملف هو مآل سقط المتاع.. ثم الا يحق لنا التساؤل هل توفيق بوعشرين معتقل منذ 23 فبراير من أجل الأفعال المضمنة في محاضر الفرقة الوطنية فقط أم أنه خلف الأكمة ما خلفها.. لماذا انتاب عموم الناس الشك تجاه رواية الفرقة الوطنية، ولماذا لم يصدقوا أن يكون واحد من أشهر كتاب الافتتاحيات في العشرية الأخيرة ومدير أكبر صحيفة مستقلة، لماذا لم يصدقوا أن يكون متورطا في جرائم كبيرة مثل التي سطرتها النيابة العامة في صك المتابعة، وهو الذي كان يستفز أعشاش الدبابير وكان يعلم انه يُترصد له من خصوم وجهات كثيرة وهو الذي أخبر محاميّه منذ سنوات انه لا يستبعد أن تكون هناك كاميرات مدسوسة في مكتبه.. لماذا لم يصدق الناس بما في ذلك مسؤولون ومنتسبون لجهات رسمية بل حتى قضائية، لماذا لم يصدقوا هذه الرواية، بل لماذا فزع كثيرون من طريقة اخراج هذا الملف إلى العلن وتخوفوا على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأولادهم.. هل هذا يرجع فقط إلى كوننا نحن المغاربة نتهيب من كل ما هو رسمي وابتلينا بالشك فيه، ام أن تخوف الناس له ما يبرره. اليوم بعد 8 جلسات من أطوار المحاكمة العلنية في ملف اعتبرته النيابة العامة جاهزا للحكم دون الحاجة الى اجراء تحقيق ودون الحاجة الى مواجهة مع الضحايا المفترضات، وامام ما يصاحب المحاكمة من صخب وشد وجذب، وما تم تقديمه خلالها من مساطر ودفوعات شكلية جدية وطلبات أولية من طرف دفاع توفيق بوعشرين وفق مقتضيات المسطرة الجنائية، وامام طريقة تدبير الملف، وامام التعاطي الإعلامي معه، وامام مواقف الضحايا، بدأت الصورة تتضح أكثر.. وبعدما بسط دفاع بوعشرين الدفوع الشكلية والطلبات الاولية دفعة واحدة وفق ما الزمته المحكمة وما التمتع قبل ذلك مقتضيات المادة 323 من قانون المسطرة الجنائية وبعد جواب النيابة العامة على هاته الدفوع وفي انتظار تعقيب دفاع بوعشرين، هل ستلتزم المحكمة بكل مقتضيات المادة 323 خصوصا الفقرة الثانية منها والتي تلزمها بالبت في هذه الطلبات الأولية فوراً، رغم أنه يمكن لها بصفة استثنائية تأجيل النظر بقرار معلل إلى حين البت في الجوهر، إلا أن جدية الدفوع المثارة وأثرها على مسار الملف يقتضي أساسا من المحكمة أن تلجأ إلى المبدأ وليس الاستثناء، خصوصا ان النظر في الدفوع المثارة سيضع حدا لكل الخروقات والتجاوزات القانونية كما سيضع حدا للقضية برمتها. ورغم ما كان من اشارة اعتبرت من دفاع بوعشربن سلبية كونها امرت بانسحاب الضحايا المفترضات الى حين الانتهاء من الدفوع الشكلية، كون يمكن أن يُفهم على انه على رأي مسبق في هذه الدفوع وفي أثرها على الملف، الا انه سيبقى منتظرا من المحكمة في القادم من الايام تصحيح أخطاء الفرقة الوطنية وتجاوز التكييف المعيب مسطريا للنيابة العامة، وتوفير كل شروط المحاكمة العادلة وسيبقى الأمل في القضاء المستقل النزيه هو الملاذ..