دابا شي حد فينا خصو يمشي, ياهوما, ياحنا. هذا ماكنت أقوله لنفسي وأنا أتابع تصرحيات البرلمانيين عقب الخطاب الملكي الافتتاحي لأقصر مجلس نواب في تاريخ البرلمان المغربي. الناس يعتقدون أن كل ماوقع في الساحة العربية من حراك, زعزع المعتقدات الأكثر ترسيخ, وجعل الكل متيقظا حذرا, "يمشي على البيض" مثلما يقول المغاربة في دارجهم, خوفا من سقوط كل المعابد على كل الرؤوس. لكن لبرلمانيينا رأي آخر في الموضوع. هم يعتقدون أنه يكفي كل مرة قال فيها الملك كلاما جديدا حول تخليق الحياة السياسية فعلا, حول دمقرطتها, حول تخليصها من الشوائب الكبيرة التي تلتصق بها دونما رغبة في الفكاك, أنه يكفي أن تأتي إلى التلفزيون مباشرة بعد هذا الكلام, وأن تردد مقطعا صغيرا منه, وأن تقول إن "الرسالة وصلت", لكي تقنع الرأي العام أنك أنت أيضا مع الجهة الناجية, وأنك أنت أيضا ضد الفساد وضد كل المظاهر السلبية التي تنخر البلد من القديم إلى الحديث من الوقت الحزين. آلخوت, معذرة, ولكن راها مامسلكاش هاد القضية. لايمكن أن تقنعونا أن الملك يخاطب كل مرة كائنات وهمية لاوجود لها على أرض الواقع, أو أنه يتحدث عن أشياء غيير واقعية حين يخطب باستمرار مطالبا بالقضاء على الكثير من السلبيات في المشهد السياسي المحلي. عليكم أن تقولوا لنا من يقصد الملك بخطاباته تلك إذا كنتم أنتم جميعا نزهاء أتقياء مؤمنين بالعمل السياسي الفائض الأخلاق, والموغل في احترام كل شيء؟ ثمة مشكل تواصل حقيقي يجعل الكلام بين الشعب وبين سياسييه يضيع في واد ما, وثمة مشكل تواصل شبيه تماما يجعل نفس الكلام بين الملك وبين السياسيين يضيع في نفس الواد. حين يخرج الشعب المغربي إلى الشارع ويقول "إرحل للفساد والاستبداد", يأتي أناس مثل زيان أو أحرضان أو من شئت من الأسماء لكي يقولوا "نحن أيضا نريد للفساد والاستبداد أن يرحلا". عندما يخرج الشباب في الشوارع لكي يقولوا لشيوخ السياسة "واراه عيقتو علينا, ضركو كمامركم آبنادمات. بغينا وجوه جديدة تشبه وجوه هذا الشباب الغالب في البلد", يخرج سياسيون من طينة اليازغي أو الراضي أو الفاسي أو غيرهم لكي يقولوا للشباب "نحن أيضا مع تشبيب الحياة السياسية". عندما يبح صوت الشباب في الشارع أو غير الشارع, مطالبا بتولي المناصب الوزارية والكبرى في البلد بناء على الاستحقاق لا على السيفيهات الشخصية التي تطبخ على عجل أو "بالمهل" في المقرات إياها, على أن يكون مسار المقترحين لهذه المناصب واضحا, وأن يكون اختيارهم من طرف الشعب, يخرج أناس مثل منصف بلخياط أو غيره لكي يقولوا "حتى حنا بغينا الشفافية فالتعيينات". المسألة ذاتها تتكرر مع الملك هذه المرة. يقول جلالته في خطاب افتتاح البرلمان "هادي راه فرصة تاريخية للبلد للتخلص من كل العادات السياسية السيئة", يرد عليه كل البرلمانيين "آمين". يقول جلالته "الترحال السياسي والأشياء التي صنعت بؤس برلماننا في السابق يجب أن تتوقف", يحرك الكل الرأس ويذهبون بعد ذلك بحثا عن خارطة ترحال جديدة. يقول الملك إن الشعب بحاجة لكي يرى نفسه ممثلا في البرلمان لا ممثلا عليه من طرف البرلمان, يؤيد هؤلاء البرلمانيون مجددا الكلام, ثم يهرلون إلى الدوائر التي لم يزوروها منذ السنوات الخمس الماضية لكي يتذكروا الأهل هناك, ولكي يتذكروا مع التذكر أن "العيد الكبير قرب", وأنه من الواجب عليهم أن يهدوا لكل منزل حوليا", في إطار التقارب العائلي لافي إطار الرشوة من أجل الانتخابات معاذ الله أو ماشابه. في النهاية نحن إزاء حوار سوريالي للغاية, لايمكنه أن يستمر, خصوصا وأن اللعب الذي تلعبه هذه الطبقة السياسية كان مقبولا في السنوات السحيقة, "مللي كان راخيها الله". اليوم "تزيرات القضية". الشعب يريد, ويرى في التلفزيونات أن الشعوب التي تريد تحصل على بعض مما تريد. قد لاتحقق كل مارفعته من شعارات, قد لاتصل إلى المرحلة المثالية مما طالبت به, لكنها تصل إلى تحقيق الأهم: أن تعوض حالة التضرر الكاملة التي تعيشها بحالة الفوضى العارمة التي تختارها بدل بقاء الاستفادة محبسة على جهة واحدة هي من تحكم, وبقاء التضرر محبسا على جهة واحدة هي الشعب. اليوم لم يعد مقبولا من سياسيينا أن يلعبوا مع البلد وبالبلد لعبة "كاش كاش" السخيفة التي يدمنونها. فإما "يتقادو ولا يخويو البلاد" حقا, والأشياء في الشارع لاتسير في غير هذا الاتجاه. لذلك وعندما نسمعهم وقد عادوا إلى كل العادات البئيسة التي ألفوها في السنوات السحيقة لكي يدخلوا بها غمار انتخابات 25 نونبر المقبل, نضع اليد على القلب فعلا, ونردد مقهورين عبارة واحدة هي التي تبدو لنا الأقدر على تلخيص كل شيء, بعيدا عن كل العبارات السياسية المتعالمة : "الله يدير الخير وصافي, أما معا هاد خياتي فراحنا والله ماغاديين لخير". ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق بالأمس اختار الاشتراكيون في فرنسا من سيمثلهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بالأمس تركوا لشعب اليسار وللمتعاطفين مع الحزب أن يتحملوا المسؤولية الجسيمة للعثور على من يستطيع إعادة اليسار إلى الحكم بعد غياب استمر منذ ميتران, وتركوا مع هذا الاختيار للناس فرصة قول كلمتها دون فرض أسماء مكروهة في لوائح مزورة, دون جلب الأبناء أو الأقارب ووضعها في الواجهات الكاذبة, دون أي شيء من الأشياء التي تصنع تخلف "شي وحدين بلا مانذكروهم عاوتاني". تراهم انتبهوا أصلا إلى هذا الدرس الجديد؟ أم تراهم في النهاية لايكترثون؟