— في الوقت الدي أحيي فيه القرار الشجاع الدي اتخده الياس العماري، هذا القرار القاضي باسترجاع مجموع ماتلقاه برلمانيو البام من تعويضات برلمانية سخية، فانني ارى في هده المبادرة كثيرا من الرياء السياسوي ومن الديماغوجية. لانني في مثل هده الأمور وبحكم معرفتي الدقيقة للممارسات التي تنتهج من طرف نساء ورجال السياسة ببلجيكا، ارى انه لم يكن بالضرورة لرئيس حزب البام أن يرغم ذويه على الامتثال لامر كهذا. بل كان من الأجدر أن يخاطب نواب حزبه بالأهمية الأخلاقية والوطنية والرمزية لهكذا قرار وان يترك لكل برلماني منتمي لمجموعته المنتخبة التفكير في عمق ماطرحه الامين العام للحزب. بل كان على العماري أن يخاطب من موقعه كعضو في البرلمان المغربي، جميع النواب البرلمانيين في هدا الموضوع وان يترك كل نائب يتخذ قراره بهدا الشأن بروح وضمير وطنيين واخلاقيينEn âme et conscience. لان الوعي بالتزام كهذا المتمثل في استرجاع أموال لم يستحقها البرلماني عن جدارة واستحقاق، بل عبر تعسف سلطوي واغتصاب لكل المعايير والأعراف الاخلاقية، يجب أن ينبثق من قناعة فردية لكل نائب للامة، وليس من خلال امر يأتي من اعلى هرم في قيادة الحزب. هكذا تسير الامور داخل المؤسسات الديموقراطية. الحقة والعريقة. ففي قضايا ذات طابع وبعد أخلاقيين، يترك الحزب لنوابه الحق المطلق في التصويت والتصرف حسب ضمائرهم وروحهم ووعيهم برمزية القرار الدي تتطلبه المرحلة. اتدكر مراحل عدة مرت بها المؤسسة البرلمانية البلجيكية خلال الثلاتين سنة الأخيرة حيث قام بعضهم بطرح نقاش داخل قبتي هده المؤسسة بخصوص قضية حساسة يجب الحسم فيها حسب قناعة وضمير وايمان كل برلماني وليس بفرض امر او توجيه تعليمات فوقية. من بين هذه المواضيع، اذكر موضوع الحق في الاجهاض للنساء الدي ظل موضوع الساعة لمدة ثلاثة أشهر و الذي وقت التصويت عليه ترك كل حزب الحرية لكل نائب من نوابه بالتصويت بنعم او بالسلبي او حتى بالامتناع عن التصويت. ومر الأمر بهذا الشكل بل اكثر من ذلك امتنع ملك البلاد عن المصادقة على القرار الذي حاز على الأغلبية بالبرلمان، رفض العاهل البلجيكي بودوان انداك وضع بصمته على النص البرلماني انطلاقا من قناعاته ووفقا لضميره كرجل مسيحي يناقض دينه مثل هذا القرار. فاستقال من منصبه لمدة 48 ساعة، إلى أن يتسنى لرئيس البرلمان كما ينص على ذلك دستور المملكة البلجيكية التوقيع مكان الملك. وعاشت بلجيكا لمدة جد وجيزة بدون ملك. ثم عاد الملك بعد هذه الوهلة ليؤدي القسم امام غرفتي البرلمان مجتمعتين كي يتربع على العرش من جديد. حدث مثل هدا الأمر عندما ناقش البرلمان البلجيكي قضايا اخرى ذات طابع أخلاقي وعقائدي كمساعدة المريض الذي لم يعد يرجى شفاؤه على الموت المستعجل او في قضية السماح للمثليين من الزواج وحضانة الاطفال…وغيرها من قضايا حساسة تتجه بالاساس لتخاطب ضمير وقناعة واخلاق كل نائب على حدة. فكان بالأحرى أن يتوجه رئيس الحكومة الذي يفتخر كلما سنخت له الفرصة بمرجعيته الإسلامية, بخطاب الى النواب مجتمعين وان ينادي ضمير كل واحد منهم، بمقتضى مايقوله ديننا الحنيف في هدا المضوع، طالبا من كل فرد منهم أن يحذو حذوه أن هو تنازل عن المبلغ الدي لم يشتغل من اجل الحصول عليه. لكنه لم يفعل وفضل الطعن في المبادئ المثلى للدين الإسلامي التي تعاقب سارق المال وناهبه. ان ماقترفه النواب باستيلامهم هذه المبالغ التي لم يؤدو اي مجهود من اجل الحصول عليها تعتبر بمثابة سرقة ونهب واختلاس لأموال الشعب وجريمة في حقه.