ما أعلنه الملك محمد السادس في حوار صحفي من مدغشقر، من أن "إمارة المؤمنين" في المغرب معنية بجميع المؤمنين وليس المسلمين فقط، هو تصريح على قدر كبير من الأهمية، للأسباب التالية: لأنه يقدم صورة عن الملكية بوصفها نظاما يتصف بالمرونة ويرفض التوتاليتارية والانغلاق، مما يؤهلها لأن تكون أيضا قاطرة للتحديث، في حالة ما إذا قررت الحسم في الاختيارات الديمقراطية الكبرى، هذا الحسم الذي في غيابه تظل "إمارة المؤمنين" سلاحا ذا حدّين تضمن الشيء ونقيضه في آن. لأنه يقطع الطريق على التوظيف المغرض لمؤسسة "إمارة المؤمنين" من قبل تيارات التشدّد الديني وعلى رأسها حزب "العدالة والتنمية"، عندما تعمد هذه التيارات إلى تأويل دور هذه المؤسسة وحصره في معاكسة حقوق الإنسان ودولة القانون، حيث يعتبرونها مؤسسة لفرملة مسلسل التحديث والدمقرطة البطيء والمرتبك، ويسعون إلى التحالف معها على هذا الأساس، مدّعين حمايتها والذود عنها. لأنه يُنهي مرحلة اعتبر فيها النظام السياسي المغاربة جماعة دينية منسجمة (رعايا) يسوسها راع ويوجهّها وفق إرادته ومزاجه، حيث يسمح المفهوم الجديد للمؤسسة التي ترمز إلى السلطة الدينية بالتعامل مع المغاربة بوصفهم "مجتمعا" بالمعنى العصري، ذا مكونات عدة معترف بها، وأن هذه التعددية هي من مظاهر الغنى الحضاري للمغرب. لأنه يمكّن المغاربة من فهم معنى أن التعدّدية قوة ولحام للاستقرار عكس ما يظن التيار الإقصائي الذي يسعى إلى التنميط والضبط، معتبرا التعددية والتنوع عامل تفرقة وتمزق، فالاستقرار يقوم على أساس العيش المشترك والاحترام المتبادل، وهذا كله لا معنى له بدون الاعتراف بالتعددية والاختلاف وتدبيرهما بعقلانية. لكن بالمقابل لا بدّ من التأكيد على أنّ تصريحا من هذا النوع يبقى محدود التأثير طالما لم يتم تفعيله بإجراءات عملية، فسواء على الصعيد القانوني أو التربوي أو الإعلامي الرسمي، فإن توسيع مفهوم "إمارة المؤمنين" يقتضي اتخاذ الخطوات التالية: إدراج عناصر التعددية الدينية المغربية في المقررات والبرامج الدراسية حتى تكون الأجيال القادمة على بينة من الخريطة الدينية الحقيقية للمغرب، فيتطبعوا على احترام التعدّدية والقبول بها، ولا يعتبرونها استفزازا لمشاعرهم كما هو الحال اليوم. إتاحة الفرصة أمام الأقليات الدينية المتواجدة ببلادنا للتعبير عن نفسها وأداء شعائرها الدينية كما ينصّ على ذلك الدستور والمرجعة الدولية لحقوق الإنسان، أي "فردا أو مع الجماعة سرّا أو علنا". فالدستور المغربي ينصّ في الفصل الثالث على أن الدولة "تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"، ويعتقد الكثيرون بسبب ضعف الوعي الديمقراطي بأن الأمر يتعلق بالشعائر الدينية الإسلامية وحدها أو بحقوق الطائفة اليهودية المعترف بها في حدود ضيقة، بينما يتعلق الأمر في الواقع بحق جميع المغاربة المؤمنين بالديانات المختلفة في ممارسة شعائرهم كما يعتقدون بها، وبواجب الدولة المغربية في حمايتهم وتوفير جميع الشروط الملائمة لهم من أجل ذلك. فتح النقاش في وسائل الإعلام العمومية والخاصة حول التعددية الدينية في المغرب، كما سبق أن فُتح حول التعددية اللغوية والثقافية منذ نصف قرن، وتأطير حوار وطني يسمح بإدراك المواطنين لمعنى الإيمان بكونه اختيارا فرديا حرا وليس إكراها أو نسقا تسلطيا كما كانوا يعتقدون، وأن الاعتراف بحق الآخرين في الإيمان بما شاءوا مرتبط بحقهم في التعبير عن ذلك وأداء شعائرهم الخاصة بهم في طمأنينة. يتعلق الأمر هنا بالمكونات التالية: بالأغلبية المسلمة بمذهبيها السني والشيعي، وبالمتصوفين باختلاف زواياهم وطرقهم، وبالمسيحيين المغاربة واليهود والبهائيين، دون أن ننسى أن هناك نسبة من المغاربة لا يدينون بأي دين ويدخلون في فئة "غير المؤمنين" أو "اللادينيين"، وتحميهم الدولة قانونيا من خلال مصادقتها في شهر أبريل 2014 على قرار أممي صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي ينصّ على "حرية الأفراد في أن يكون أو لا يكون لهم دين أو معتقد"، دون أن ننسى أن القوانين المغربية لا تجرّم مطلقا عدم الإيمان بالدين الرسمي أو بغيره. هذه المكونات جميعها يصل بينها آصرة الوطنية ، أي الانتماء إلى الأرض المغربية وإلى الوطن المتعدّد، وهو شعور وطني يتشكل عبر التربية على الاختلاف والنسبية والتسامح، ويخلق لدى الأفراد منذ نعومة أظافرهم شعورا طبيعيا بمقبولية الآخر مهما كان مغايرا في لونه أو عقيدته أو نسبه وأصله وفصله أو لسانه. كما يرسّخ لدى جميع المغاربة أن تغيير الدين لا يُقصي من الوطنية ولا يُخرج من المواطنة ولا يُسقط الجنسية ، وأنه مجرد اختيار فردي يتحمل صاحبه مسؤوليته ولا يعني الآخرين في شيء، وأن قيمة الفرد المواطن إنما هي في صلاحه واحترامه للقانون وفي عمله وإنتاجه لصالح الدولة والوطن. توضيح لا بدّ منه: لا علاقة لهذا الموضوع بقضية الأغلبية والأقلية، حيث أن كون مواطنين معتنقين لدين ما أقلية لا يبرّر في شيء اضطهادهم أو الإساءة إليهم، بل على العكس من ذلك فكونهم أقلية يقوي حقهم في الحماية والرعاية، والذين يلجأون إلى موضوع الأقلية والأغلبية لتبرير كراهيتهم للغير يفكرون خارج الإطار الديمقراطي الذي يقرّ إلى جانب حقوق الأغلبية حقوق الأقليات وواجب الدولة في حمايتها.