يُتابع الرأي العام الوطني بشغف كبير ما ستؤول إليه مشاورات رئيس الحكومة المعين الأستاذ عبد الاله بنكيران، من أجل تشكيل أغلبية تُؤمّن حكومة عاكسة لنتائج انتخابات 7 أكتوبر، ليست النتائج التي تحملها الأرقام لكن أساسا النتائج السياسية لهذه الانتخابات، وما أفرزته من رغبة أكيدة لدى عموم المواطنين، في مواصلة الإصلاح واستكمال البناء الديمقراطي. متابعة الرأي العام لهذا المسلسل تشمل الكثير من التفاصيل، وهي جزء من التحولات التي حملتها رياح الربيع العربي إلى المجتمع المغربي، حيث صار منسوب التسييس متصاعدا وحجم التفاعل سريعا، ولذلك ليس أمام الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة بصفة مباشرة أو غير مباشر، إلا التسلح بالوضوح وبالصدق في التعبير عن مواقفها وتبريرها، بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف معها. لكن للأسف أبت الكثير من هذه الأطراف إلا أن تلعب على الحبال نفسها التي كانت سببا في سقوطها وتهاوي شعبيتها ومصداقيتها، فلم تستخلص الدروس من كل نكباتها وإخفاقاتها، وفضلت مواصلة أداء دور الأداة في يد غيرها، هذا الغير لا يأبه أصلا بالرأي العام ولا بمتابعته لتفاصيل ودقائق السياسة في البلد، معتقدا أن أساليب التضليل ووسائل التدليس ما تزال ناجحة وناجعة، ويكفي كما كان يحدث أن تكتب جريدة من جرائده، أو يُفتي "محلل" من محلليه، حتى يصبح ما يريده حقيقة وأمرا واقعا تماما كما يفعل الساحر بأعين المتفرجين عليه. هذا ما يحاولون القيام به مع مواطني مغرب ما بعد 2011، الذين هزموا التضليل والضغط في انتخابات 7 أكتوبر، ليسطروا ملحمة لفائدة الوطن، معلنين رفضهم لكل طريقة في التعامل معهم تستغبيهم أو تنوّمهم أو تٰخضِعهم للتخدير الجماعي. في جزء من المشهد أبواق كثيرة سواء المكلفة بمهام الكتابة الصحافية أو بمهام "التحليل السياسي" أو بمهام "التأثير الفيسبوكي"، انطلقت في تأدية دورها لجس النبض حول مختلف السيناريوهات التي يتم التخطيط لها، فأُثير مخرج تعيين شخصية أخرى غير الأستاذ بنكيران رئيسا للحكومة، وأُثير استمرار حكومة تصريف الأعمال بدون أية آثار سلبية، وأُثير أيضا حل البرلمان واعلان حالة الاستثناء. هؤلاء لا يُقدّرون ما حدث في البلاد، أو يصرون على إهانة الشعب واحتقاره، معتقدين أن الحيل والمناورات كفيلة بقلب الحقيقة وفرض الأمر الواقع، الحقيقة هي أن المغاربة اختاروا حزب العدالة والتنمية ليشكّل الحكومة، والعدالة والتنمية اقترح منذ مؤتمره الاستثنائي أمينه العام مرشحا لرئاسة الحكومة، والحقيقة أيضا أن الملك أعمل المنهجية الديمقراطية وكلف أمين عام العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة، والواقع الذي تسعى أطراف معروفة لفرضه هو رمي أصوات الناخبين في سلة المهملات والاعتراض المكشوف على التعيين الملكي، وتمزيق الوثيقة الدستورية، والمرور تعسفا نحو جعل نتائج الانتخابات مجرد صورة التُقطت للذكرى وللتسويق أمام العالم، وجعل يوم 7 أكتوبر مجرد حدث تم تدوينه في سجل التاريخ وكفى ولنطوي الصفحة ولنعد إلا ما وجدنا عليه أحزابنا. وفي الجزء الآخر من المشهد، محاولات جادة للتمكين للإرادة الشعبية، وتثمين مساهمة المواطنين في معركة ربط نتائج الانتخابات بالقرار العمومي، محاولات يقودها رئيس الحكومة المعين، مسنودا بمواقف تبدو محسومة لحزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية، ومدعوما ايضا بأصوات الكثير من الديمقراطيين إعلاميين وأساتذة جامعيين وناشطين مدنيين وغيرهم. الصراع إذن حول تشكيل الحكومة يجري تحت الأضواء الكاشفة بين فريقين، فريق يعاني مأزقا في التصور وفي التكتيك، وكل خططه مُكلّفة وغير مضمونة العواقب، وفريق لاعبوه جميعهم ظاهرون على أرض الملعب، وخطته واضحة ومُعلنة تتضمن احترام الارادة الشعبية واحترام القواعد الديمقراطية واحترام انتظارات المواطنين واحترام التعيين الملكي. المؤكد أن الاستمرار في عرقلة تشكيل الحكومة، لا يشرّف المغرب ويطرح علامات استفهام حول نموذجه الديمقراطي، وحول النخب الحزبية التي سيخوض بها تحدي ولوج نادي الدول الصاعدة، وتحديات أخرى مرتبطة بمستقبل البلاد الذي لا يقبل المساومة وتأمينه يمر بالضرور عبر الاعتراف بالديمقراطية والتخلي عن التلاعب بها شعارا وصراخا يصل حد الجعجعة بلا طحين.